مين اللي ما يحبش فاطمة المعدول؟ - سيد محمود - بوابة الشروق
الأربعاء 15 يناير 2025 3:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مين اللي ما يحبش فاطمة المعدول؟

نشر فى : الثلاثاء 14 يناير 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 يناير 2025 - 6:25 م

اختار معرض القاهرة الدولى للكتاب كاتبة ومخرجة الأطفال فاطمة المعدول شخصية المعرض لهذا العام مع العلامة الدكتور أحمد مستجير وهذا اختيار نال استحسان الجميع.

لم أقترب من الدكتور مستجير لكنى لمست خفة ظله وطيب حضوره فى لقاءات قليلة رأيته فيها. أما فاطمة المعدول فقد رأيتها كثيرا واقتربت منها للدرجة التى تسمح لى مثل أغلب من يعرفونها بمناداتها بأسماء دلع كثيرة أشهرها (بطة) أو (طماطم).

بيننا مكالمات كثيرة تدوم أحيانا بالساعات وفيها لا تتوقف فاطمة عن الضحك وإبداء رأيها فى قضايا عامة وفى أشخاص دون أن تخرج منها عبارة جارحة أو رأى فى غير محله.

رغم صراحتها وخفة دمها التى لا تقارن فإنها دائما تتصرف بلياقة وأناقة تلائم روحها الفياضة ونباهة ما لديها من إحساس.

انظر معى إلى ما تكتبه من تعليقات على صفحتها الشخصية لتدرك مدى نزاهتها وإيمانها المعزز بفطرة سليمة.

قبل أكثر من عام تعرضت فاطمة المعدول لأزمة صحية قاسية لكنها اجتازتها بفضل الله ورعاية الأطباء ودعاء لم ينقطع من الذين يتابعونها على فيس بوك، فقد تحولت صفحتها إلى استفتاء حقيقى كشف قدر ما تحظى به من محبة واحترام، لأنها فى المواقف الحاسمة كانت تنحاز لفطرتها الإنسانية وتقف فى صف المستضعفين.

بلغت فاطمة أعلى المناصب فى وزارة الثقافة لأسباب مرتبطة بعملها الإبداعى وحماسها الذى يسهل الاستدلال عليه فهى فنانة نشيطة جادة مثقفة تؤمن فعلا بالرسالة التى ينبغى لوزارة الثقافة أن تؤديها فى البحث عن المواهب وإفساح الطريق أمامها وتذليل العقبات التى تحول دون تواصل الناس مع إنتاجها الإبداعى.

آمنت منذ شبابها بأن العمل الثقافى ضرورة وليس نوعا من الترف؛ فهى من جيل الكوادر الثقافية الذى بدأ حياته فى عصر ازدهار الثقافة الجماهيرية وقد استفاد هؤلاء من الأهداف التى وضعها سعد كامل المؤسس الحقيقى للجهاز، واستوعبوا أيضا الأسباب التى أدت إلى إجهاض التجربة لذلك جاء درسهم الأهم  من العمل مع سعد الدين وهبة الأب الروحى لهم جميعا.

خلال دراستها عايشت فاطمة، حركة 1968، التى قادت الثورة الشبابية الأهم فى العالم، لكن فى مصر انتكست أحلام هذا الجيل بعد هزيمة يونيو 1967.

اجتماعيا تفخر المعدول بأمرين، الأول أنها ابنة عائلة مستورة على رأسها أب تاجر مستنير احترم خيارات جميع أفراد العائلة ولم يتدخل فيها، الأمر الثانى أن زواجها من كاتب مثل لينين ابن العائلة اليسارية المعروفة مكنها من الحفاظ على طموحها الفنى وانضاجه فى بيئة تقدر هذا الطموح، لكنها حافظت على نمط من التفكير المستقل وأبقت على إيمانها الجذرى بالعدالة الاجتماعية.     

 تعتز المعدول اعتزازا خاصا بأنها مواليد السيدة زينب لكنها اشتغلت أغلب سنوات حياتها فى جاردن سيتى، لذلك جمعت بين تقاليد الحى الشعبى وسمات الحى الارستقراطى وظلت فى كل الأحوال (سيدة جدعة) لم يقطع المرض لسانها وظلت دائما قادرة على قول كلمة حق.     

سافرت عام 1977 فى بعثة للمجر، استمرت لمدة عام لدراسة مسرح الطفل ثم عادت وبدأت تجاربها الإخراجية وواصلت مسارها الوظيفى إلى أن أصبحت أول امرأة تتولى رئاسة أول مركز متخصص لثقافة الطفل فى 1996، ثم رئاسة المركز القومى لثقافة الطفل فى 1998.

وقد رأيتها للمرة الأولى وهى تسخر من قيادات وزارة الثقافة لأنهم قاوموا اختيارها لرئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة لأسباب ذكورية بحتة وأعجبنى اعتزازها الهائل بقدراتها الإبداعية.

كما أنها لم تستغل قربها المباشر من حرم الرئيس السابق لتحقيق مكاسب شخصية أو نيل المنصب وإنما عملت معها على تحويل القراءة إلى مشروع قومى لتصبح القراءة للجميع فى الواقع، وساهمت فى إغناء تجارب الكتابة للأطفال وتشجيعها.

كما أخرجت عشر مسرحيات للأطفال، وألفت أكثر من 50 كتابا أدبيا لهم فى كل الأعمار، ونالت عشرات الجوائز، وشخصيا قرأت مع أبنائى أعمالا كثيرة من تأليفها لأرسخ فيهم الكثير من القيم الجميلة وهناك أعمال أحفظها عن ظهر قلب مثل: (حسن يرى كل شىء/ وظيفة لماما/ لو كنت محافظا للقاهرة / أنا وجدتى).

اقتربت من فاطمة خلال رئاستها لقطاع الإنتاج أو قطاع الفنون الشعبية وتابعت الجهد الذى تبذله لتنجح وشاهدت المحبة الغامرة التى كانت تحظى بها من العاملين معها بسبب إنسانيتها البالغة معهم، فقد كانت رئيسة بمواصفات أم حنون لا يخلو حنانها من حزم.

 سعيد بتكريم فاطمة المعدول التى لا أنسى أبدا دعمها ومحبتها. كما لا أنسى حماسها وخفة دمها التى تدفعها أحيانا للسخرية من الجميع لكن تستثنى رجلا واحدا اسمه (لينين الرملى)، لعله الوحيد الذى كانت تتمنى لو لحق بلحظة تكريمها أو شارك فيها.