التطبيع مقابل وقف الاستيطان.. صفقة جائرة - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 7:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التطبيع مقابل وقف الاستيطان.. صفقة جائرة

نشر فى : الجمعة 28 أغسطس 2009 - 5:46 م | آخر تحديث : الجمعة 28 أغسطس 2009 - 5:47 م

 أظهر استطلاع للرأى أجرى فى الولايات المتحدة أن 80% من يهود أمريكا قد صوتوا لصالح أوباما فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى نوفمبر من العام الماضى، هذا فى حين لم يحصل المرشح الجمهورى جورج بوش الأب على أكثر من11% من أصوات اليهود فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى نوفمبر 1991، عندما تجاسر على الربط بين منح إسرائيل ضمانات للقروض وبين إيقافها للنشاط الاستيطانى. وكما هو معلوم خسر بوش الانتخابات لصالح كلينتون.

غير أن موقف اليهود من أوباما قد تغير بشكل حاد لغير صالحه منذ توليه السلطة. فالمنظمات اليهودية تنتقد سياسته فى التعامل مع إسرائيل، واللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامةِ AIPAC، الممثلة اللوبى الإسرائيلى، تحث الكونجرس على مطالبة أوباما بأن يمارس ضغوطه على الدول العربية كى تتخذ خطوات تصالحيه تجاه إسرائيل. ومؤخرا وقع 71 عضوا من مجلس الشيوخ أى ما يقرب من ثلاثة أرباع المجلس على خطاب موجه لأوباما يصب فى هذا الاتجاه. أما داخل إسرائيل فالوضع أشد قتامة بالنسبة لأوباما. 6% فقط من الإسرائيليين يرون فى أوباما حليفا لإسرائيل أو متعاطفا معها. فإذا عدنا لفترة بوش الابن نجد أنه كان يتمتع بتأييد 88% من الإسرائيليين.

إذن فالأمر جد خطير، إذ لا يتعلق بأوباما وحده إنما بحزبه الديمقراطى وبمرشحى الحزب فى انتخابات الكونجرس بمجلسيه. ولا شك أن مستشارى أوباما يقيمون آثار هذا الانحدار فى شعبيته سواء بين اليهود أو بين الإسرائيليين. ولن أتعجب إذا كان مستشاروه قد نصحوه بأن يترفّق قليلا بإسرائيل، ويتجنب الدخول فى معارك جديدة معها، ولا بأس من أن يكيل لها المديح بمناسبة أو غير مناسبة. ومخاطر مثل هذا التدليل لإسرائيل سينعكس سلبا بالطبع على أية مبادرات ينوى أوباما طرحها فى المستقبل كنا نأمل أن تأخذ فى الاعتبار المواقف العربية العادلة.

يتمحور الخلاف بين أوباما وإدارته من ناحية، وبين اليهود والإسرائيليين من ناحية أخرى، حول قضيتين أساسيتين هما إيران والنزاع العربى الإسرائيلى. بالنسبة للأولى فقد وصلت إسرائيل إلى قناعة بأن إيران يمكنها إنتاج سلاح نووى مع بداية عام2011، إذ إن فى حوزتها الآن حوالى الطن من اليورانيوم المخصب (وإن كان منخفض الإثراء)، وتتهم مدير عام الوكالة النووية بأن تعمد حظر نشر تقارير تثبت استمرار إيران فى برنامجها النووى العسكرى. أضف إلى ذلك ما تقوله إسرائيل بأن إيران لديها صواريخ يمكنها حمل الرءوس النووية وسيصل مداها عما قريب إلى ألفى كيلومتر. وعليه فإن إسرائيل مصممه على الذهاب إلى أقصى مدى لإجهاض البرنامج النووى الإيرانى، تماما كما فعلت بالنسبة للمفاعل النووى العراقى. أمريكا على الجانب الآخر تتشكك فى هذه التقديرات الإسرائيلية وتتمسك باستنفاد جميع الوسائل الدبلوماسية مع إيران قبل أن تلجأ إلى الخيار العسكرى أو حتى إلى تشديد العقوبات الاقتصادية عليها. رد الفعل الإيرانى سيهدد بالطبع القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة فى دول الخليج وربما المنشآت البترولية نفسها، والملاحة فى الخليج ومضيق هرمز. وإذا كانت ما تدعيه إسرائيل صحيحا، فإن الصواريخ الإيرانية ستطول إسرائيل نفسها وربما أيضا صواريخ حزب الله من لبنان. أمريكا على العكس من إسرائيل فى حاجة إلى تعاون إيرانى سواء بالنسبة للعراق أو أفغانستان حيث تزداد الأوضاع تدهورا يوما بعد يوم، وإيران لها ثقلها على الجبهتين. وعلى أية حال لعل ما أعلنته إيران يوم 18 أغسطس من استعدادها لاستئناف المفاوضات حول الملف النووى المتوقفة من العام الماضى، ما قد يوقف إسرائيل عن قرع طبول الحرب ولو إلى حين.

والقضية الخلافية الأخرى بين أمريكا وإسرائيل إنما تتعلق بسياسية أوباما الحالية فى التعامل مع النزاع العربى ــ الإسرائيلى. تصدى أوباما للقضية من اليوم الأول لتوليه السلطة، وبدأ حوارا مع سوريا، بل نادى بضرورة أن يكون الحل شاملا لجميع الجبهات. ثم خاض معركة حول المستوطنات، حتى أصبحت هذه هى «أم المعارك» (إذا استعرنا تعبيرا من الماضى). والواقع أن وقف النشاط الاستيطانى الذى تطالب به الإدارة الأمريكية لا يرقى إلى ضرورة استئصال الاستيطان بالكامل باعتباره عملا غير مشروع.

واضح أن إسرائيل ليست فى عجله من أمرها، فالوضع الحالى يكاد يكون مثاليا بالنسبة لها. كل شىء هادئ على الجبهات المختلفة، السورية واللبنانية والفلسطينية. أضف إلى هذا أن الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم. ولسخرية الأقدار تذرف إسرائيل دموع التماسيح على هذا الانقسام، وتتساءل كيف لها أن تفاوض سلطة فى رام الله ليس لها أى سلطان على ما يقرب من40% من الفلسطينيين الذين يقطنون فى غزة. تغفل إسرائيل إنها هى التى ساعدت وعمقت هذا الانقسام بحصارها الذى تضربه على غزة، وقطع كل شرايين الحياة عن شعبها، ولايزال العديد من أعضاء الحكومة التى كانت قد جاءت بالانتخاب الحر يقبعون فى السجون الإسرائيلية جنبا إلى جنب مع عدد اكبر من أعضاء المجلس التشريعى المنتخب. إسرائيل باختصار تطلب من أمريكا أن تدخر طاقاتها كى تواجه إيران بدلا من إهدارها على قضية عجز عن حلها الأوائل.

غير أنه لا ضرر من أن تستنفد إسرائيل الوقت وتشتت الانتباه، عن طريق إطلاق شعار التطبيع قبل التسوية. ويبدو للأسف أن هذا الشعار يلقى استجابة وتفهما من قبل الإدارة الأمريكية والكونجرس، وأصبحنا نطالب الآن بخطوات شجاعة وإيماءات ذات معزى لإدخال البهجة على نفوس الإسرائيليين. ولا يتوانى اللوبى الإسرائيلى فى أمريكا فى تعديد المآثر الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وعلى العرب انطلاقا من ذلك أن يبادلوا الإسرائيليين إحسانا بإحسان. يذكرون أن نتنياهو قبل مبدأ الدولتين ويغفلون بالطبع اشتراطاته بأن تكون الدولة الفلسطينية بلا سلاح ودون سيادة. ثم كيف للعرب أن يتناسوا أن نتنياهو أبدى استعداده للسفر إلى دمشق أو الرياض أو بيروت للالتقاء بالقادة العرب. كما أن بيريز وجه الدعوة لخادم الحرمين الشريفين لزيارة القدس. ثم لا يجب أن نغفل جهود إسرائيل فى تحسين ظروف المعيشة للفلسطينيين فى الضفة (الفلسطينيون يعانون الأمرين من الحصار والحواجز والجدار العازل) وأخيرا وفى مجال تعديد المآثر الإسرائيلية خرجت علينا صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية يوم 18 أغسطس ببشرى جديدة مفادها أن عدد من الوزراء قد وافقوا على تجميد فعلى لأعمال البناء فى المناطق والكتل الاستيطانية فى القدس الشرقية عن طريق عدم طرح مناقصات جديدة وأن هذا التجميد سيستمر حتى مطلع عام 2010، أى ينتهى بعد ثلاثة أشهر! وواضح أن أحد الصحفيين أراد أن ينتزع تصريحا إيجابيا من الرئيس أوباما فى أثناء اللقاء فى البيت الأبيض بالإشارة إلى هذا الخبر، فما كان من الرئيس الأمريكى إلا أن قال أن «إدارته متشجعة» من هذا التحرك فى الاتجاه الصحيح من جانب إسرائيل. لم يمض على ذلك خمسة أيام حتى فضحت حركة «السلام الآن» أكاذيب إسرائيل هذه.

والآن ماذا تطلب إسرائيل من العرب فى مقابل كل هذه العطايا السخية التى أسبغتها على الفلسطينيين؟ المطلوب من العرب إنهاء المقاطعة الاقتصادية والثقافية والسماح بعبور الأجواء العربية للطائرات الإسرائيلية، وتشجيع اللقاءات مع المسئولين الإسرائيليين، ودعوة الرياضيين من إسرائيل للمشاركة فى المباريات التى تقام فى الدول العربية، ثم وقف كل المساعدات للجماعات الإرهابية.

الغرض واضح إذن، على العرب القبول بالتطبيع وعلى إسرائيل وقف الاستيطان لأشهر معدودات. قِسْمَةٌ ضِيزَى وصفقة جائرة. مطلوب من العرب مكافأة إسرائيل على الكف عن ممارسات هى غير شرعية فى الأساس. سبق للعرب أن أبدوا الاستعداد لقبول أكثر مما تطالب به إسرائيل وذلك فى مبادرتهم لعام 2002 إنما فى مقابل أن توفى إسرائيل بالتزاماتها الواردة بالمبادرة.

تبين على الفور مدى أهمية زيارة السيد الرئيس الأخيرة للولايات المتحدة سواء من ناحية التوقيت أو المضمون، وسط هذا الجو المشحون بين الإدارة من ناحية وإسرائيل وجماعات الضغط من ناحية أخرى. أوضح السيد الرئيس الرؤية المصرية ــ العربية كاملة للإدارة وللشخصيات النافذة ولزعامات المنظمات اليهودية وجماعات الضغط الإسرائيلية، حتى لا يكون لأى من هؤلاء حجة بعد أن تلقوا الرسالة واضحة.

تحدث أوباما للصحفيين بعد لقاء البيت الأبيض يوم 18 أغسطس عن التحديات العظيمة التى يجب التعامل معها، ومدى صعوبة القضية، وما يمكن أن تتعرض له العملية من كبوات. كلنا نعلم ذلك ونقدره، غير أننا فى نفس الوقت على ثقة كبيرة من أن الشجاعة التى تحلى بها أوباما فى التصدى للعديد من المشكلات الصعبة التى واجهته منذ تولية السلطة ستمكنه من مواصله المسيرة التى بدأها مهما تكاثرت عليه الضغوط أو اعترضت سبيله المتاعب.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات