هل هناك فعلا توافق عربى إسلامى بشأن إسرائيل والقضية الفلسطينية؟!
سبب هذا السؤال لأنى قرأت هذه الفقرة فى بيان حركة حماس الفلسطينية الرافضة لإقامة علاقات دبلوماسية بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، وهو ما تم الإعلان عنه مساء الخميس قبل الماضى برعاية أمريكية.
للموضوعية فليست حركة حماس فقط هى التى تقول هذا الكلام، لكن هناك أفرادا وقوى وتنظيمات وأحزابا وحكومات تكرر هذا الكلام فى مرات كثيرة، دون أن تفكر فى أن تسأل نفسها عن مدى وجود هذا التوافق على أرض الواقع.
المؤكد أن معظمنا يخلط بين ما يتمنونه، أو ما ينبغى أن يكون، وبين الواقع الفعلى، كعربى ومسلم أتمنى بالطبع أن يكون هناك توافق عربى وإسلامى كامل بشأن القضية الفلسطينية، لأن ذلك هو ما يوافق الفطرة السليمة.
لكن كما نعلم فإن الواقع شديد المرارة، ولا يمكن الوصول إلى حل، أو الخروج من المأزق الشديد الذى نعيش فيه، إلا إذا قمنا بتشخيص هذا الواقع جيدا وفهمه، حتى يمكننا وقتها البحث عن العلاج الصحيح والسليم والمفيد، أما القفز على هذا الواقع، والتعامل فقط بالأمنيات والعبارات الإنشائية المرصوصة بلا سياق أو معنى، فلن يؤدى إلا لتكريس الحالة الانهزامية التى نعيشها منذ سنوات طويلة.
تعالوا نسأل ونفتش عن هذا التوافق.
قبل عقود وربما حتى حرب أكتوبر ١٩٧٣، كان هناك أكبر قدر من التوافق بين العرب والمسلمين على قضية فلسطين، لكن تذكروا وقتها أن دولتين إسلاميتين كبيرتين كانتا تقيمان علاقات متميزة تصل إلى التحالف مع عدو العرب الذى يحتل أرضهم وهما تركيا وإيران فى عهد الشاه محمد رضا بهلوى.
بعد أن زار السادات القدس عام ١٩٧٧، ووقع معاهدة السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٩، حدث انشقاق وانقسام رأسى وأفقى بين العرب، فأين كان هذا التوافق؟!
إحدى نتائج هذه الزيارة أن دولا عربية وإفريقية وآسيوية، بدأت تفكر فى إقامة علاقات مع إسرائيل، باعتبار أن دولة المواجهة الرئيسية مصر فعلت ذلك.
فى عام ١٩٩٣ تم توقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبعدها بعام تم توقيع اتفاق وادى عربة بين إسرائيل والأردن، وبعدها بشهور بدأت المفاوضات متعددة الأطراف لإقامة مشروعات بين إسرائيل وكل العرب أو غالبيتهم، ووجدنا دولا مثل قطر وعمان وتونس والمغرب تفتتح مكاتب تمثيل سياسية وتجارية، وتقيم علاقات بدرجة أو بأخرى مع إسرائيل، ثم رأينا المفاوضات السورية الإسرائيلية فى أكثر من مكان خصوصا فى الولايات المتحدة، لكنها لم تصل إلى حلول.
نتيجة لكل هذه التطورات حدث انقسام فى كيفية تعاطى وتعامل العرب والمسلمين مع إسرائيل، مما مكن الأخيرة من استغلال كل هذه الثغرات، وكان هدفها الرئيسى، هو عدم ربط إقامة العلاقات مع العرب والمسلمين، بتحقيق التسوية النهائية مع الفلسطينيين، وهو ما يكاد يتحقق الآن بالنظر إلى التطورات الأخيرة بتوقيع اتفاق السلام مع الإمارات، رغم أن العرب ظلوا يتمسكون بالقرارات الدولية، ثم طرحوا مبادرة السلام لعام 2002 من بيروت بربط التطبيع بالتسوية.
ربما يسأل سائل: ويقول إن كل ما تتحدث عنه يتعلق بالحكومات فقط، وليس بالشعوب، التى تتفق جميعها على النظر إلى إسرائيل باعتبارها العدو؟
كنت أتمنى أن تكون الإجابة كذلك، لكن للأسف أتصور أن قدرا كبيرا من التغير والتشويه أصاب قطاعات كبيرة من المواطنين العرب والمسلمين، لأن المنطقة العربية وبعد أن كانت تقول إن القضية الفلسطينية هى قضيتها الأساسية، فقد صار لها أكثر من قضية أساسية داخلية وخارجية، خصوصا بعد أن غرقت المنطقة فى حروب أهلية وطائفية، لأسباب كثيرة أهمها الاستبداد السياسى، وانتشار الفساد، وغياب التنمية، إضافة بالطبع إلى التدخل الخارجى وفى القلب منه الإسرائيلى والتركى والإيرانى.
هذه التطورات جعلت بعض الحكومات تعتقد خطأ أن إسرائيل يمكن أن تكون صديقا لمواجهة الأعداء الجدد، وانتقل هذا الفهم للأسف إلى قطاعات مختلفة من الشعوب العربية، خصوصا فى الخليج والنتيجة الأساسية لكل ذلك، أنه لم يعد هناك توافق عربى إسلامى شامل على القضية الفلسطينية، وطريقة التعامل مع إسرائيل.
هذا هو الواقع المر.. فكيف يمكن الإفلات والخلاص منه؟!.