تقترب مصر من عملية إجراء انتخابات رئاسية. وفى الوقت نفسه تنشط حملات ترشح وزير الدفاع لمنصب رئيس الجمهورية. تتفق الحملات فى الهدف وإن اختلفت الأساليب. هى أيضا تتفق فى شيء آخر وهو غياب برنامج أو خطة أعلنها تفصيلا أو إيجازا وزير الدفاع الذى ترشحه هذه الحملات المنظمة تتضمن سياسات إنمائية وسياسية واجتماعية ينوى تنفيذها. غاب البرنامج أو الخطة عن ذهن المنظمين والموالين. لا أحد فى مصر أو خارجها يعرف على وجه اليقين أهم ملامح «العقيدة المدنية» للشخص الذى ترشحه هذه الحملات رئيسا لمصر. كل ما يعرفه الناس هو أن هذا القائد يؤدى مهمة محددة كلفته بها قطاعات واسعة من الشعب، وهى حماية البلد من الإرهاب ومنع نشوب حرب أهلية.
المسئولون عن حملات ترشيح الوزير رئيسا للجمهورية مقصرون، بل هم متهمون بأنهم بنوايا فى الغالب طيبة يزجون بالوطن فى أزمات جديدة. هؤلاء يكررون حرفيا خطأ دفعت مصر ثمنه غاليا، وما زالت تدفع وهو ترشيح مواطن لمنصب الرئاسة وضعته الظروف والرضا العام على رأس المؤسسة العسكرية أو تشبّع بتقاليدها وأساليب عملها وتفكيرها. لا ننسى أن حملة مماثلة اختارت السادات فى مرحلة عصيبة رئيسا بحكم المنصبين، نائب رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة وقبل هذا وذاك الانتماء الوثيق للمؤسسة العسكرية.
حملة أخرى رشحت مبارك رئيسا للاعتبارات نفسها وفى ظروف أيضا عصيبة. جاء الترشيح فى الحالتين قبل أن يطلع الشعب على برنامج أو خطة عمل يطرحها المرشح على الشعب. فى الحالتين جاء الرئيس الجديد تدعمه حالة طارئة من الخوف على مصير مصر. كان المطلوب فى الحالتين حماية الأمن وتحقيق الاستقرار بينما غابت الأهداف الاجتماعية والاقتصادية أو تأجل التفكير فيها، وغابت قناعات ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتراجع الاهتمام بالعلاقات الخارجية، وانحسرت مكانة مصر الإقليمية والدولية. بمعنى آخر، وقع غياب وتجاهل وتراجع فى جميع المجالات التى تهم المواطن خارج مجال الأمن والاستقرار، وما وقع كان كافيا ليشعل ثورة بالبلاد وبين العباد. وبالفعل اشتعلت.
أتمنى أن ينتبه، وبسرعة، القائمون على أمر مصر هذه الأيام إلى أهمية طرح برنامج عمل للمرشح الذى يريدونه رئيسا للجمهورية. لن يكون كافيا التزامه بمواد الدستور أو إعلانه نية إعادة الاستقرار فى الداخل. هؤلاء لا شك يعرفون أن المصريين تغيروا، وأن المواطن المصرى الذى فقد وداعته عبر سنوات عجاف لن يقبل بأقل من التزامات واضحة وصريحة تمس مصالحه مباشرة. المواطن الجديد لا يريد العودة، لأنه يريد أكثر من الاستقرار المؤقت. يريد سياسات تحفظ كرامة الإنسان وتعزز حقوقه وحرياته، يريد أيضا تشريعات تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية وترفع مستوى معيشة المواطنين.
وفى الخارج، لن تحصل مصر على مكانة لائقة إلا بعد أن يطمئن العالم إلى أن المرشحين لقيادة مصر لديهم رؤى متكاملة لسياسة خارجية إيجابية ومتطورة وسياسة داخلية لا تعود بمصر إلى حالة الدولة المهددة بالفشل أو الحبلى بالثورة. أعرف، ويعرف زملاء وأصدقاء كثيرون تفرض عليهم ظروف عملهم الاتصال بالعالم الخارجى، أن مسئولين كبارا وقادة دول ينتظرون بلهفة مشوبة بكثير من القلق ما سوف يعلنه منظمو حملات الترشيح عن خطط مرشحهم أو مرشحيهم للانتقال بمصر نحو المستقبل وتطوير علاقاتها الخارجية.