لم تردّ مصادر رسمية فى إسرائيل على ما نشره الإعلام العربى عن هجوم نفذه سلاح الجو فى سوريا. وحتى الآن، فإن النظام السورى والناطقين بلسان حزبالله لم يقولوا شيئا. فتغيير قواعد اللعبة الذى قام به نصر الله والأسد والإيرانيون يضعهم أمام اختبار غير بسيط وفى وقت عصيب بالنسبة إليهم.
لقد تحدثت قناة «الجزيرة» القطرية، التى تملك مصادر جيدة فى المنطقة، عن مهاجمة «منشآت سلاح استراتيجى» فى معسكرات للجيش [السورى] ومخازن لوجستية كبيرة شمالى دمشق. كما تحدثت قناة «العربية» عن مهاجمة صواريخ سكود من الطراز الحديث وأهداف أخرى تقع غربى دمشق فى منطقة مرتفعات القلمون القريبة من الحدود اللبنانية ــ السورية. وتعتبر هذه المرتفعات معابر استراتيجية وطريقا يربط بين العاصمة السورية وسهل البقاع اللبنانى، وهى واقعة تحت سيطرة حزب الله.
وتشهد الطرقات الترابية لهذه المنطقة الجبلية عمليات تهريب كثيفة، وهى لا تنحصر بتهريب سلاح استراتيجى من سوريا وإيران إلى حزب الله، بل هناك أيضا عمليات تهريب فى الاتجاه المعاكس.
فالثوار الإسلاميون السنّة يحصلون من لبنان على سلاح ومقاتلين عبر معابر التهريب فى جبال القلمون. وهذا هو سبب القتال بين الطرفين للسيطرة على المعابر الجبلية فى منطقة القلمون التى تنتقل من
سيطرة طرف إلى آخر.
لقد أقام حزب الله مواقع له فى الجانب اللبنانى من أجل ردع الثوار عن عبور الحدود، ومن أجل تأمين سلامة محاور التنقل والتزود من سوريا.
لكن التنظيمين الأساسيين للثوار السوريين، أى جبهة النصرة وداعش، يضعان خلافاتهما جانبا ويتعاونان معا من أجل محاربة حزب الله والجيش السورى فى المنطقة. ويسمح الوجود الكثيف للثوار فى مرتفعات القلمون بالحصول على معلومات مهمة وموثوقة لما يجرى فى المنطقة ويسرّبها بصورة خاصة إلى وسائل الإعلام العربية السنية.
فى جميع الأحوال، فالصمت الذى يسود لدى الطرفين [حزب الله وسوريا] تعبير عن «هامش الإنكار» الذى يسمح للجميع بالامتناع عن رد متسرع، وبدرس الخطوات اللاحقة من دون ضغط كبير من جانب الإعلام والرأى العام.
لإسرائيل مصلحة واضحة فى المحافظة على الصمت الإعلامى وعدم التسبب بعملية انتقام قاسية يمكن أن تؤدى إلى تصعيد كبير، فإذا كان ما جرى إنجازا عسكريا لإحباط شحنة سلاح، فإن التلميح الردعى قد استوعب من دون تصريحات علنية.
ومن مصلحة النظام السورى وحزب الله أيضا الحؤول دون التدهور، فالأسد الذى يخوض حربا أهلية حريص على بقائه، ونصر الله لا يريد تحويل لبنان إلى أنقاض فى مواجهة مع إسرائيل؛ والإيرانيون يريدون أن تبقى ترسانة الصواريخ التى لدى الأسد ونصر الله فى خدمتهم إذا هوجمت منشآتهم النووية.
فى نهاية 2014 بدأ حزب الله بالرد بموافقة من الإيرانيين على العمليات التى نسبت إلى الجيش الإسرائيلى وأدت إلى إصابة عدد من عناصره ومعدّاته. ولم يغير حزب الله قواعد اللعبة فحسب، بل وسّع جبهة المواجهة إلى خط وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا فى هضبة الجولان. وكان الهدف السماح للحزب بحرية عمل أكبر ضد إسرائيل لا يملكها فى لبنان.
حدثت نقطة التحول فى يناير هذه السنة عندما قامت إسرائيل، استنادا إلى تقارير أجنبية، بمهاجمة وقتل ستة من أفراد دورية من القياديين كانت بصدد تحضير جبهة عمل نشطة ضد إسرائيل فى الجولان، وكان بين القتلى جهاد مغنية وجنرال إيرانى. لم يتردد نصر الله وفقا لسياسته الجديدة، وبعد أسبوع، فى مهاجمة مركبات عسكرية إسرائيلية فى منطقة هار دوف [مزراع شبعا]. وفى إثر مقتل جنديين قررت إسرائيل «احتواء» الحادثة.
لم يحدث التدهور، لكن بعد أحداث يناير 2015 كان واضحا أن ما كان قائما لم يعد موجودا. كما كان واضحا أن العملية المقبلة لإحباط تهريب سلاح استراتيجى ستكون بمثابة اختبار للسياسة الجديدة لإطلاق النار لكل من حزب الله وسوريا. وإذا كانت إسرائيل هى من قام بالهجوم، فمعنى ذلك أن ساعة الاختبار حانت. لكن حزب الله وكذلك سوريا بصورة خاصة، يواجهان اليوم مشكلة خطيرة ستجعل من الصعب عليهما الرد، إذ تتحدث التقارير الأخيرة القادمة من شمال سوريا عن سيطرة جبهة النصرة على بلدة أساسية فى منطقة إدلب هى جسر الشغور المشرفة على المعبر الجبلى الحيوى المؤدى إلى مدينة اللاذقية التى تسكنها أغلبية شيعية وتعتبر المعقل الأساسى لنظام الأسد وأبناء طائفته العلوية. والسيطرة على هذا الطريق من إدلب يمنح الثوار السنة تفوقا استراتيجيا كبيرا ويهدد حرفيا بإسقاط النظام.
رون بن يشاى.. محلل عسكرى
يديعوت أحرونوت
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية