نشرت صحيفة عكاظ السعودية مقالا للكاتب «أسامة يمانى» يقول فيه إن الأمر القاضى بتمكين المرأة من الخدمات دون الحاجة لموافقة ولى أمرها فصل فى تاريخ النضال الطويل الذى خاضته النساء فى هذه البلاد ضد العادات والتقاليد والظلم وأكل حقوقهن الإرثية والإنسانية التى تحملنها، وكلما ازدادت البيئة التى تعيش فيها المرأة فقرا وحرمانا ازدادت وحشية وقسوة المعاناة التى تكابدها وتتجشمها. وقد شرعن البعض هذه القسوة ومصادرة الحقوق الإنسانية انطلاقا من مفاهيم ضيقة وعادات وتقاليد موروثة فرضتها الطبيعة الجغرافية للمنطقة، فخالفنا العالم وادعينا الخصوصية، واعتبر اسم المرأة عيبا يخجل منه، وأصبحت المرأة منتهكة الحقوق لا يستطيع الأب حمايتها من جور إخوتها إذا توفاه الله أو من جور العم وابن العم؛ لأنها تحتاج لولى لها بالرغم من أنها بلغت رشدها. وأصبحت تعانى الكثير أمام المحاكم والجهات الرسمية والخاصة بسبب ضرورة حصولها على موافقة ولى أمرها.
ولم تستكن أو تتوقف المرأة على الرغم من قسوة الظروف عن المطالبة بحقوقها وأثبتت أنها ند مساوٍ للذكر بل قد تتفوق عليه. واستمرت المرأة فى كفاحها ضد هذا الظلم الذى تعيشه والعالم من حولنا يشاهد؛ لأن بلادنا محط أنظار العالم لما أغدق علينا الله من خيرات وبما حباها الله من خير كبير بوجود الحرمين الشريفين فى أرضها المباركة. لقد استغلت كل الظروف الاجتماعية والثقافية لتأصيل وشرعنة حرمان المرأة من حقوقها باسم الدين تارة وباسم الخصوصية تارة وباسم محاربة الرذيلة وحماية الشرف تارة أخرى، وتمت برمجة أجيال بمثل هذه المفاهيم الذكورية والقبلية حتى أصبحت ثقافة سائدة ترفض التغيير وتأبى إعطاء الحق لأهله ومع ذلك لم يتوقف كفاح المرأة ولن يتوقف حتى تعود الأمور إلى نصابها مهما كانت حجج المناوئين ومهما رفعوا من شعارات بهدف منع إعطاء المرأة حقوقها كإنسانة، فلن يفلحوا بالتخويف من التغريب أو بنعت المطالبين بالحقوق الكاملة للمرأة بأسوأ الصفات وتصويرهم بأبشع السمات.
لقد فشل أولئك فى تحقيق أى فائدة للمجتمع وذلك من خلال مصادرة حقوق المرأة وطردها من الحياة العامة أو بتضييق الخناق عليها. وما نتج عن هذه الممارسات التى اتبعوها أنهم تسببوا فى العديد من المآسى كما جعلوا منها فريسة للوحوش الآدمية تنتهك حقوقها وحرمتها من القريب والغريب، ومع ذلك ما زالوا يستغلون الثقافة التى أشاعوها والأفكار التى أصلوها والعقول التى برمجوها لإبقاء الحال على ما هو عليه، حتى لو كان ذلك على حساب تقدم وازدهار المجتمع، ولا مانع لديهم بأن يدفع غيرهم الثمن فى سبيل استقرار واستمرار سيطرتهم ومصالحهم وبضاعتهم وتجارتهم التى لا يحسنون غيرها. إن هذا الفكر لا يخلف ولا ينتج من ورائه غير الدمار والتخلف والقهر ومصادرة الحقوق ويجعل مجتمعه فى ذيل الأمم.
تحية لكل امرأة آمنت بحقها وبوطنها وبحكومتها التى تعمل من أجل بناء هذا الوطن ورفعته واللحاق بركب التقدم والازدهار. تحية لكل امرأة استطاعت برغم كل العقبات فى أن تجعل من نفسها عنصرا ورقما مؤثرا على من حولها ولصالح مجتمعها. تحية لكل محامية وطبيبة وممرضة وعاملة وكل من يعمل منهن بصمت وجهد للتحسين من ظروفهن. تحية لكل باحثة وعالمة ومخترعة لما وصلن إليه من علم بالرغم من كل الصعاب ابتداء من صعوبة التنقل والتواصل إلى الصعوبات المجتمعية والنظرة الدونية وغيرها من صعاب. تحية لكل أم غرست فى بناتها وأبنائها المبادئ والقيم التى أهلتهم لتحقيق أحلامهم.
المرأة قوية أكثر مما يتصوره البعض، وسوف تجد آذنا صاغية ويدا حانية تؤمن بحقها فى حياة كريمة من خلال إعادة حقوقها المسلوبة. لذا جاء الأمر السامى بالتوجيه إلى اتخاذ ما يلزم لتوفير وسائل النقل المناسبة لمنسوبات الجهة الإدارية من النساء وإلى دعم هيئة حقوق الإنسان لتتولى وضع البرامج بالتنسيق مع الجهات الحكومية للتعريف بالاتفاقيات الدولية ووضع خطة شاملة للتوعية بحقوق المرأة. كما جاءت التوجيهات السامية بحصر جميع الاشتراطات التى تتضمن طلب حصول المرأة على موافقة ولى أمرها والرفع عنها فى مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.
أعداء النجاح وأعداء الحياة ومروجو ثقافة الانغلاق سوف يتساقطون جميعا أمام الحق وإزاء الحزم الذى يقضى بإعادة الأمور إلى نصابها خصوصا ونحن مقبلون على رؤية تقتضى وتستوجب عدم تعطيل نصف المجتمع.
عكاظ ــ السعودية