لا يزال محراث عدم المساواة الذى يستخدمه الكنيست يواصل شق الأثلام. يوم الثلاثاء الماضى، وسع الكنيست قانون لجان القبول العائد إلى سنة 2011. إن القانون الأصلى والقانون الجديد يسمحان للبلدات التى تسمى جماهيرية [أى مكونة من جمهور منسجم من السكان] بإدارة لجان قبول، من صلاحياتها رفض أشخاص مرشحين للسكن فى البلدة «لأن المرشح لا ينسجم مع النسيج الاجتماعى والثقافى للبلدة الجماهيرية، مع افتراض أنه يمكن أن يضر بهذا النسيج». ووفقا لتعديل القانون الذى أقر، فقد جرى توسيع سريان آلية عمل لجان القبول بصورة كبيرة على مستويين؛ الأول، هو أن القانون الجديد لا يطبق فقط على النقب والجليل (اللذين كان يطبق عليهما القانون السابق)، بل أيضا على كل البلدات التى تصنف بأنها تتمتع بـ«أفضلية وطنية». بالإضافة إلى ذلك، فإن تصنيف البلدة الجماهيرية لم يعد يقتصر على البلدات التى تسكنها 400 عائلة كما جاء فى القانون السابق، فالقانون الجديد يشمل بلدات تسكنها 700 عائلة، ومستقبلا، سيسكنها عدد عائلات أكبر بكثير (سيحدده وزير الاقتصاد بمرسوم). لقد تم صوغ القانون بصورة ذكية كى يمنع التمييز، لكن من الواضح أن كل هدفه هو التمييز، أى منع قبول سكن الأقليات وفئات السكان غير الميسورة فى بلدات صغيرة نسبيا. حتى القانون الأصلى الصادر سنة 2001 كان مصابا بهذا المرض، فهو يمس بالحق فى المساواة والحق فى الكرامة الإنسانية. عندما يرفض سكن شخص فى بلدة معينة لأنه عربى، أو مثلى، أو أم عزباء أو أب أعزب، أو متقدم فى السن، أو لأن لونه ليس أبيض، فإن هذا انتهاك لكرامته. كما يتم انتهاك الخصوصية كجزء من عملية القبول، فالأشخاص المرشحون يخضعون لعملية بحث فى حياتهم وفى أعماقهم وخبايا عائلاتهم، وكل هذا يقوم به أشخاص سيكونون فى المستقبل جيرانا لهم. تخلق عملية القبول أيضا «تأثيرا رادعا» يمنع الذين ينتمون إلى الأقليات أو إلى مجموعات غير ميسورة أو الذين يكرهون انتهاك خصوصيتهم من التقدم بطلبات ترشيح للسكن فى بلدات كهذه.
إن جوهر وجود لجان القبول هو أداة تشجع وتحفز الإقصاء والعنصرية وتفتح الباب للشر. فكرامة الإنسان والمساواة والخصوصية ليست قيما ديمقراطية فقط، بل أيضا هى قيم يهودية. لذلك، يقوض القانون أسس إسرائيل كدولة ديمقراطية ويهودية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحيلة التى بنى عليها القانون ــ الحرص على النسيج الاجتماعى والثقافى الذى تقوم عليه البلدة ــ هى وسيلة سهلة استخدمها المعادون للسامية لمنع اليهود من الدخول إلى مختلف البلدات. وهذه الأداة لا تصبح أقل حقارة عندما يستخدمها اليهود مع غير اليهود.
جرى فحص دستورية القانون الأصلى فى المحكمة العليا فى قضية ضد الكنيست عام 2014. ورأى قضاة الأقلية الثلاثة بأن القانون ليس دستوريا، ويجب إبطاله، بينما قضاة الأكثرية حكموا بأن الالتماسات المقدمة ضد القانون لا تسمح بالحسم، ويجب رؤية كيف سيطبق القانون عمليا، وحينها يجرى حسم مدى قانونيته.
جاء فى تبرير القانون أن البلدات الجماهيرية الصغيرة فى حاجة إلى «تماسك اجتماعى وثقافى»، ولقد تطرق القضاة فى حكمهم إلى هذا الاعتبار. فى ذلك اليوم، تساءل قاضى الأقلية يورام دانتسيجر: «هل هناك حاجة خاصة فى بلدة تسكنها 400 عائلة إلى «تماسك ثقافى» يبرر استخدام لجان القبول؟»، ويدل توسيع القانون الجديد منذ البداية على أن المنطق الذى يبرر القانون ليس حقيقيا، وليس له ما يبرره فى شكله الحالى. إذا جرى تقديم التماس ضد القانون الجديد، الذى رفع عدد العائلات إلى 700 أو أكثر، فيجب رفضه واعتباره غير قانونى.
إسرائيل دولة منقسمة إلى قطاعات، ومشرذمة منذ البداية. إن القوانين المتعددة التى صدرت فى الأيام الأولى للدولة، كمنظومات تعليم منفصلة، تثقل كثيرا على نشوء مواطنة مشتركة قوية تقوم على المساواة. إن تشجيع الفصل فى السكن هو خطوة فى الاتجاه المعاكس والخطأ، وتشريع القانون هو مرحلة أخرى فى تعزيز التفوق اليهودى، بحسب نموذج «منفصل وغير متكافئ». وهو ينضم إلى التوجه السائد فى عدة بلدات ومدن نحو المحافظة على «يهودية» المكان. ويمكن أن نجد دليلا على ذلك فى برامج القوائم فى الانتخابات المحلية وفى النضالات العامة من أجل المحافظة على النقاء اليهودى فى الأحياء. كما يمكن أن نجده فى تصريحات وزير العدل ياريف ليفين فى الإعلام بشأن الحاجة إلى تعيين قضاة يفهمون «أن العرب يشترون منازل فى بلدات، الأمر الذى يؤدى إلى مغادرة اليهود». عندما تمنح الدولة العنصرية والإقصاء شرعية رسمية، فإنها تشجع على مطالبة يهودية كهذه فى أى مكان.
لقد أقر الكنيست القانون بأغلبية كبيرة لأن أعضاء فى المعارضة أيدوه، وهذا عار كبير. لقد تعلمنا أنه لا يمكن الاعتماد على المعارضة عندما يكون المقصود التطبيق الفعلى للمساواة ومنع التمييز والإقصاء. أقول للمحتجين والمحتجات ضد الانقلاب على النظام، والذين يطالبون بإسرائيل ديمقراطية ودولة مساواة، إن الخلاص لن يأتى من المعارضة، سواء أكانت تنتمى إلى «المعسكر الرسمى» أم إلى حزب يائير لابيد «يوجد مستقبل».
هآرتس
مردخاى كرمنيتسر
مؤسسة الدراسات الفلسطينية