الثمانية آلاف فدان التى منحتها الحكومة لطلعت مصطفى تبكى الآن.. هذه الأرض لابد أنها لاتزال تحتفظ بوقع أقدام جنودنا الذين ذهبوا إلى السويس وعادوا منها دفاعا عن الوطن.. هذه الأرض لا تزال مخضبة بدماء شهداء سقطوا فى أنبل معارك الدفاع عن الشرف، هى تقع على طريق السويس.. «مدينتى» لا تبعد كثيرا عن المدينة الباسلة.. مازالت تتذكر أنين أقدام المحاربين فوق رملها الساخن ومن ثم هى تنتحب الآن حين تعلم أنها منحت لرجل أعمال مغامر لكى يتربح منها وينفق من دخلها 200 ألف دولار شهريا على مطربة صغيرة هام بها شوقا وغراما، وحين غضب من تمنعها تورط فى جريمة ذبحها.
وهكذا اختلط دم بدم.. الأول أريق فوق هذه الأرض فداء لحياتك وحياتى وحياة كل مصرى.. أما الدم الثانى فقد أريق إشباعا لشهوة امتلاك امرأة جميلة.
وطن ماجن وشرير هذا الذى يعطى ما للمحاربين والشهداء للمغامرين لكى يتضخموا ويتمددوا وينفقوا مليون جنيه مصروفا شهريا لسيدة رأوها جميلة إلى حد ضاعت معه عقولهم.
لا أفهم سر هذا الدفاع المستميت عن بقاء الوضع فى «مدينتى» التى هى مدينتهم على ما هو عليه.. أعلم أن المشروع ارتبط بأسماء الكبار فى الحكم، أسبغوا عليه من الرعاية والحماية والتدليل ما يجعل رفات الشهداء تصرخ عجبا وحزنا.. التقطت لهم الصور التذكارية وهم يقصون أشرطة الافتتاح ويضعون أحجار الأساس وابتسامات باتساع الصحراء تعلو وجوههم.
لكنى لا أستطيع أن أستوعب أن يعتبر المنافحون عن «مدينتى» حتى آخر قطرة حبر أن الاعتراض على منحها لشخص لقاء هذا السعر البخس هو إهدار لأموال وثروات هذا الشعب قبل أن يكون إهدارا لموارد الدولة.
لا أستطيع أن أهضم مسألة أن منح نحو 40 مليون متر مربع من أراضى الشعب المصرى لشخص واحد مقابل 290 جنيها للمتر لكى يبيعه بستة آلاف جنيه هو عمل وطنى عظيم وإنجاز من أجل مصر.
لدينا الآن حكم قضائى نهائى وبات وواضح يصرح بأن تخصيص كل هذه المساحة على النحو الذى جرى هو تبديد وإهدار لثروات الشعب المصرى وممتلكاته، غير أن شياطين الاستثمار أقوى من جنود العدالة والحق والخير والجمال.
ما يجرى بشأن «مدينتى» ليس شأنا يخص مشروعا استثماريا غارقا فى لجاج الشبهات، بل هو يلخص حكاية وطن قرر السقوط والانتحار حتى وإن زعم أصحاب القرار فيه أنهم اقترفوا خطيئة الالتفاف على حكم الإدارية العليا وإعادة البيع إلى الشخص نفسه حماية لحقوق الحاجزين وحفاظا على مناخ الاستثمار.
سحقا له من مناخ خانق وقاتل لم يترك للمواطنين نسمة هواء واحدة.