خسرت مصر فى 26 أكتوبر 2011 واحدا من ألمع الصحفيين المصريين وأفضل الباحثين فى الحركات الإسلامية وأشجع ثوار 25 يناير.. الإنسان الشجاع المحترم حسام تمام.
حسام تمام الصحفى لم يتخرج فى مدرسة صحفية كبرى، ولكنه تجاوز الكثير من الصحفيين فى عمق الثقافة وسعة الاطلاع وموضوعية الطرح، وتفوق عليهم فى إجادة فن الحوار والنقاش، وفى توضيح الأشياء واستخراج المعانى، والتعبير عنها بوضوح وبساطة. ولم يبخل يوما بنصيحة أو يتأخر فى مساعدة شباب الصحفيين فصار له تلاميذ من الصحفيين وهو فى الثلاثينيات..
لم يكن حسام الصحفى هاويا أو مجرد ناشر للأخبار، وإنما كان صحفيا جادا وصاحب رؤية وموقف، وكان كاتبا موهوبا فى قضايا شتى. تناول بعمق ظاهرة الدعاة الجدد والمآذن السويسرية والحجاب والأقليات المسلمة بالغرب، وحرر شهادة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وفريد عبدالخالق، وكتب عن أعلام الدعوة فى مصر، فتحى يكن ورشاد غانم والقرضاوى وغيرهم، وعن قادة الحركات الإسلامية خارج مصر كالترابى ومهاتير والعثمانى وبن كيران وغيرهم. وتحدث عن السلفيين وعلاقتهم بالثورة ومستقبل أحزابهم الوليدة.. وكان من الطبيعى أن تحظى كتاباته بالاهتمام، وأن تترجم لعدة لغات..
...
حسام تمام الباحث، الحاصل على ليسانس اللغة العربية، لم يدرس العلوم السياسية، غير أنه تفوق على خبراء السياسة فى فهم وتحليل وتفسير ظواهر الإسلام السياسى فى مصر والدول العربية. كان حسام ناقدا بناء للكثير من مواقف الحركات الإسلامية، لكن مع الحفاظ على علاقاته الإنسانية الطيبة مع قيادات هذه الحركات وجماهيرها، فنال رضا واحترام الجميع ومن جميع التيارات.
أبدع حسام فى بحثه النقدى، وامتلك عقلية قادرة على الغوص فى جوهر الأشياء للكشف عن حقيقة موضوعات شائكة عن جماعة الإخوان، لم يتطرق إليها الكثيرون كاقتراب الإخوان من السلفية أو ما سماه «تسلف الإخوان»، علاقة الإخوان بالحركات الجهادية، الإخوان والدولة بين الوطنية والأممية، تراجع الإخوان حضريا أو ما أطلق عليه «ترييف الإخوان»، والأغانى عند الإخوان، التنظيم الدولى، وصولا إلى علاقة الإخوان بالحركات الاحتجاجية وإلتحاقهم بالثورة.. وأنهى الفقيد مؤخرا كتابا عن الإخوان سيرى النور قريبا بإذن الله.
شارك فى مشاريع بحثية مصرية وعربية ودولية، وتعددت سفرياته لمراكز البحوث والجامعات الأوروبية، فأخرج إسهامات بحثية قيمة عن الحركات الإسلامية فى المغرب وموريتانيا وسوريا وتونس وتركيا واندونيسيا والولايات المتحدة وغيرها. وأسس مرصدا للحركات الإسلامية والطرق الصوفية فى العالم، صار موقعه الإلكترونى مرجعا مهما للباحثين.
حسام تمام الثائر لم يداهن أى صاحب سلطة، وله مواقف فى غاية الشجاعة والشهامة فى الوقوف ضد الظلم والتجاوز، وظل يعلن عن مواقفه بقوة وصراحة قل أن نجد لهما نظيرا، مؤمنا ألا تغيير مع الخوف ولا إصلاح بدون مخاطرة. كان غاضبا ورافضا لما آلت أمور مصر قبل الثورة، ولما اندلعت الثورة تحامل على أوجاعه وشارك فى معظم تظاهرات الإسكندرية، وبدأ، يوم 28 يناير، تظاهرة مع عدد لا يتجاوز الخمسة من شرفاء الإسكندرية المخلصين بشرق الإسكندرية لتنتهى بعشرات، وربما مئات، الآلاف فى غربها. شاهدته يبكى مرتين، الأولى حزنا وغضبا ليل الخميس بعد خطاب 10 فبراير، والثانية فرحا وسعيدا مساء يوم الجمعة بعد خطاب التنحى.
ومع تسلمه عمله بمكتبة الإسكندرية، آمن بأهمية إيجاد نهضات ثقافية خارج العاصمة، فعمل على تحريك الكثير من الفاعليات الثقافية بالثغر وأسس صالونا ثقافيا كانت تحضره نخبة من مثقفى الإسكندرية. وبعد الثورة عملت معه فى وضع الأسس الأولية لمنتدى للتنمية السياسية ورفع الوعى بالإسكندرية لكن القدر أوقفنا.
...
ألم يكن هذا الباحث الرصين يستحق واحدة من جوائز الدولة المصرية؟ رحمك الله أيها الصديق الحبيب، حسام تمام، وأسكنك فسيح جناته وألهم أسرتك الصبر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.