أمريكا والتحدى السياسى الحقيقى - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا والتحدى السياسى الحقيقى

نشر فى : الأربعاء 30 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 30 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

كتب جارى هارت، عضو سابق فى لجنة الموازنة بمجلس الشيوخ، مقالا بعنوان «أمريكا والتحدى السياسى الحقيقى» نشر على الموقع الإلكترونى لمجلة «ذا ناشيونال انتريست» الأمريكية، يحلل فيه حالة الديمقراطية الأمريكية، جاء فيه: بينما يتأمل المطلعون على الأمور فى «هذه البلدة»، الفائزين والخاسرين ويلجأون إلى الأفكار النمطية، تضطرم تحت السطح تيارات عميقة. ولا تتعلق هذه التيارات بالموازنات الاتحادية والمالية العامة وسقوف الدين بقدر ما تتعلق بحالة الديمقراطية فى أمريكا والانقسامات الاجتماعية. حيث الأحزاب السياسية تغير موجات الحراك الاجتماعى، وغالبا ما تغير هياكلها ومناهجها ومطالبها سعيا لاكتساب ميزة فى موجات التحول هذه.

وتتحول السلطة السياسية من حزب إلى حزب ولكنها لا تسفر عن هيمنة حزب واحد إلا فى الأوقات الصعبة، مثل الكساد الكبير أو فى فترات الهدوء النسبى (سنوات أيزنهاور). وحتى فى ذلك الوقت يكون هناك غالبا حد أدنى من التحوط ضد هيمنة الحزب الواحد تعكس مقولة لورد أكتون بشأن السلطة المفسدة.

وسوف يكون لدينا حكومة غير مستقرة، وظهر ذلك فى معارك الموازنة ربع السنوية، حتى يحسم الحزب الجمهورى معركته بين التقليديين ومتمردى حفل الشاى. وطالما يعمل الجمهوريون التقليديون فى خوف من حركة حفل الشاى التى يمثل أقلية، وهو ما يفعلونه بالفعل، لن يستطيعوا تحقيق أى نوع من أنواع التسوية عن طريق التفاوض مع الديمقراطيين فى البيت الأبيض والكونجرس. وبالنسبة للراديكاليين (بالمعنى الحرفى للكلمة) تعتبر حركة حفل الشاى تحقيق الإجماع عبر التفاوض «استسلاما» وهكذا لا تفاوض ولا إجماع ولا قرار منظِم.

وينطبق هذا مؤخرا بشكل أكبر على الصراع بشأن الموازنة التى لا يمكنها تحقيق توافق فى الآراء بشأن الأولويات المحلية إلا بعد إلغاء قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة الذى صدر مؤخرا. وينطبق أيضا على سياستنا الخارجية، حيث يتم رفض وزارة الخارجية واعتماد السفراء بل أن مجموعة من المعاهدات الدولية لن تتم مناقشتها أيضا. كما ينطبق على تصوير الهجوم المأساوى على دبلوماسيين أمريكيين فى بنغازى على أنه تمويه تآمرى. وينطبق أيضا على تجميد طوابير التعيينات القضائية الاتحادية. وبالنظر إلى هذه الأمور معا فهذا ليس سوى محاولة لتعطيل الحكومة الوطنية على عدة مستويات فى وقت واحد.

•••

ويقع الاختلاف الحقيقى بين الحزبين على مستويين: دور الحكومة والطبيعة البشرية. فعلى الرغم من أن المحافظين يريدون تخفيض حجم الحكومة فإن حجم الحكومة لا يتقلص تحت إدارات المحافظين. ونادرا ما يتم الطعن فى القوانين، التى تحكم البيئة وسلامة الغذاء والدواء ومكان العمل لأن أغلبية الأمريكيين يؤيدونها، ولكن يتم تخفيف إجراءات تنظيم تنفيذها إلى حد كبير. ويتم خفض الضرائب ظاهريا بشكل مؤقت (كما هو الحال مع تخفيضات الضرائب فى عهد بوش)، وعلى الرغم من أن ما يسمى بنظرية العرض تدعم مثل هذه التخفيضات فإنه تبين أنها لا تصلح.

ويتعلق الاختلاف الأكبر بين الحزبين بالطبيعة البشرية. فلدى المحافظين الفكرة الكالفينية المحافظة، فى حين يؤمن التقدميون بتقدم الروح البشرية. فإذا كنت من المحافظين فلا معنى فى رأيك لمحاولة رفع مستوى المتخلفين لأن قدرهم أن يكونوا حيث هم، كما أنك إما لا تؤمن باعتبار الحكومة أداة لتحسين الأوضاع الاجتماعية أو تصرف النظر عنها باعتبارها غير مجدية.

•••

وعلى الرغم من تأييد أغلبية واضحة من المواطنين للضمان الاجتماعى والرعاية الصحية باعتبارهما أساس شبكة الأمان الاجتماعى، لا تزال هناك جهود، بعد عقود من الزمن، لخصخصتها أو تخفيضها. ولا يمكن لديمقراطية ناضجة الاستمرار فى تحدى دعائم الاستمرارية والعدالة الاجتماعية. والمعروف، أن المحاكم تتبنى مبدأ السوابق القضائية التى تمنح اعتمادا للقانون، وبالتالى للسلوك الإنسانى. ولاشك أن الأمة التى تصر على إعادة النظر باستمرار فى تنظيماتها الأساسية ليست ناضجة ولا جادة.

وتنشأ السياسات المحلية عن الجدل والحلول التوفيقية وتوافق الآراء. ونظرا لأن الزمن يتغير، كما تتغير الظروف الاقتصادية، ينبغى أن تتكيف السياسات والبرامج مع تلك التغيرات. ولكن الطعن فى جوهر صحة سياسة أو برنامج مرارا، خاصة مع التهديد بعواقب مدمرة مثل الإلغاء، ليس سلوك ديمقراطية ناضجة وجادة. تخيل، مثلا، النتائج المترتبة على حركة ليبرالية داخل الحزب الديمقراطى، تطالب بإغلاق جميع المنشآت العسكرية الخارجية الأمريكية أو أن تتأخر حكومتنا عن سداد ديونها.

وهناك إجماع على أن التغيرات الديموجرافية تتطلب إعادة النظر فى شروط وظروف برامج الاستحقاقات والنظام الضريبى لدينا والأولويات المحلية، وهو ما يجب أن يسمى بالصفقة الكبرى. ولكن مثل هذه الصفقة لا يمكن التوصل إليها إذا تم استبعاد العناصر الرئيسية لتلك الصفقة، مثل إعادة المعدلات الضريبية التى كانت مفروضة سابقا على الأثرياء (قبل تخفيضات بوش الضريبية «المؤقتة»)، من طاولة المفاوضات أو إذا تم رفض إدخال تعديلات على سن التقاعد.

والمعروف أن المساومة، وفقا لتعريفها، عملية أخذ وعطاء وتبادل الأولويات التفضيلية والتضحية بشىء لكسب شيء آخر. ولا تنجح المطالب من جانب واحد. وتعتمد القيادة التشريعية على توعية أطراف المساومة أنهم لا يمكن أن يحصلوا على كل ما يريدون؛ بدلا من تعمل لحساب تحيزات هذه المجموعات.

ولا يتطلب الأمر أن يكون لديك خيال أو قيادة، لتصبح بطلا لمجموعة أو أخرى. ولكن يجب أن يكون لديك قدرة تخيل عظيمة وشجاعة حقيقية وقوة شخصية كى تشرح طبيعة ديمقراطيتنا لأولئك الذين يختارون عدم قبولها.

التعليقات