فى أول يناير عام 1936 قدم لنا حسين مظلوم ومصطفى الصباحى كتابا أدبيا قيما عنوانه «تاريخ أدب الشعب» وهو كتاب يرصد ويحلل فن الزجل المصرى المعاصر مستعرضا نشأته وتطوراته وأعلامه، ومن بين الزجالين الذين ذكرهم الكتاب حسين مظلوم نفسه الذى قدمه واختار نماذج من أشعاره الأستاذ محمد طاهر.
وقد ذكر الكاتب أن مظلوم قد حفظ القرآن والتحق بالأزهر واشترك مع زملائه فى تأسيس مدارس عديدة عدا مدارسه الخاصة، وقد كان والده الضابط الكبير أحمد رياض مظلوم ينهاه عن الانصراف للزجل العامى باللين والشدة لكنه مضى فى طريقه وأجاد فيه حتى إن والده فى نهاية الأمر أصبح يدعوه ليسمع منه ويطرب لمعانيه وتشبيهاته.
ومن بين القضايا المهمة التى عالجها مظلوم فى زجلياته المختارة بالكتاب قضية الانتخابات التى خصص لها نصا طويلا قدم من خلاله دليلا للناخب المخلص فى اختيار المرشح الأنسب لخدمة الوطن بغض النظر عن المصالح الشخصية، حيث يقول مثلا:
اجعل النائب نصير شعبك نصيرك
غربله واختار خبير يصبح ظهيرك
مش صديقك أو قريبك أو سميرك
انتخب خصمك ما دام أرضيت ضميرك
واترك الأحقاد وأسرارنا الخفيه
وقد كان مظلوم يرى أن العِلم شرط أساسى فى المرشح، والضمير الحى شرط أساسى فى الناخب، وأن غيابهما يؤدى إلى الهدم المتعمد لمستقبل الوطن، حيث يقول:
اخذل المغرور ما دام ساقط كفاءه
انتخابه مهزله وكدب وجراءه
واختيارك له مع علمك دناءه
والجدال فى الحق أسباب المباءه
والمعانده هدم من غير حسن نيه
وقد أشار مظلوم أيضا إلى الرشاوى الانتخابية التى تؤدى فى كثير من الأحيان إلى سقوط العلماء الأفاضل ونجاح أصحاب المال بغض النظر عن مصادره، وعن مدى أحقيتهم فى تمثيل دوائرهم، حيث يقول:
كام حقايق وانطوت فى طى رشوة
كام عليم فاضل سقط والسر عشوه
كام لأرباب الغايات حفله ونشوه
والأكول لما يشوف قدامه حشوه
يقلب الدنيا ويقضى ع البريه
وقد وجه مظلوم إنذارا حاسما لهؤلاء الناخبين المرتشين، وكشف النقاب عن طمعهم فيما يتجاوز العشوة، وهو أن يكونوا ضمن المحاسيب المستفيدين من عطايا النائب بعد تربعه على المقعد البرلمانى، حيث يقول:
كل مأجور ينصرف عنا لحاله
من طريق غيرنا يجيب أرزاق عياله
الخداع فى الانتخاب شىء طال مطاله
قصده ظاهر كل ألعابه وجداله
إنه يصبح ضمن كشف المحسوبيه
كما عقد مظلوم مقارنة طريفة بين ما يحدث فى الانتخابات بكل دول العالم التى يختار فيها الناخبون المرشح القادر على الفعل، بينما نختار نحن المرشح الذى يخدعنا بالكلام العاطفى المعسول عن حب الوطن، ثم يتحول الأمل فى إنجازات حقيقية إلى سراب بعيد المنال، حيث يقول:
الشعوب عند انتخابها البرلمانى
تنتخب نائب لتحقيق الأمانى
واحنا يطلع عندنا نائب شيطانى
يدخل المجلس يقول حبك كوانى
والبلد فى محبته تذهب ضحيه
وقد رد مظلوم وجود برلمان ضعيف إلى الناخب قبل المرشح، محذرا من الأخطار التى يمكن أن تهدد الوطن فى ظل برلمان مثل هذا، حيث يقول:
انتخب نواب حقيقى مش نوايب
عضو جاهل يفهم إيه حاضر وغايب
لو جعلت المسأله مجاملة حبايب
لِم لك فى البرلمان حبة زكايب
وانتظر يا شعب للخيبه القويه
والذى لا يعرفه الكثيرون عن مظلوم أنه قد نظم 115 رباعية من رباعيات الخيام فى شعر عامى معتمدا على ترجمة كل من وديع البستانى ومحمد السباعى للرباعيات، والطريف أن الذى نشرها وقدم لها عام 1944 هو كامل الكيلانى الذى اشتهر بإعلاء شأن الفصحى والحط من قدر العامية، لكن الشعر يظل شعرا مهما اختلفت لغته وتنوعت لهجاته، كما يبقى الزجل هو أدب الشعب المعبر عن قضاياه ومواقفه عبر العصور، ولهذا أضم صوتى إلى صوت الراحل العظيم رجاء النقاش الذى طالب فى مقاله بمجلة الكتاب فى 17/2/2002 بإعادة طبع هذا الكتاب المهم.