الاستفتاء لن يحقق الاستقرار - عزة كامل - بوابة الشروق
الجمعة 17 يناير 2025 8:41 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاستفتاء لن يحقق الاستقرار

نشر فى : السبت 29 ديسمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 29 ديسمبر 2012 - 8:30 ص

من يوقف جحافل التتار التى ترفع رايات الخزى والعار وتشهر الصلف الأسود فى وجوه الجموع العزل وتبيح هتك العرض وقتل الأرواح وتشرب من أكواب دم مازال يسفح.

 

شر وغل وسواد وغبار، رهائن وأكفان وجنازات تنضح بالمرارة وحزن فاضح مستوحش يحيطه الدخان، عيون وقحة لا تعرف الخجل ولا الشفقة تتأجج حقدا وسعيرا مشتعلا وشبقا مزمنا للكراهية، وأياد تنسج الردى من نسيج الغدر والغل والخزى والكراهية، يتقدمون لينصبوا الفخ لعشاق الوطن الذين يهتفون بحبه قبل أن يغير عليهم غربان البيعة وينصبوا فخاخهم ويلطخوا سيوفهم وسكاكينهم وطلقات رصاصهم، أجساد ووجوه بريئة حاولت أن تكون متراسا أمام قوى الظلام الذى ملأ فحيحها الفضاء ولطخ سماءها وجه القمر فى جولته الاخيرة.

 

إن الاخوان المسلمين لا يتورعون فى الإقدام على أى فعل عنيف ولا أخلاقى من أجل البقاء فى الحكم والاستئثار به، يريدون احتكار السلطة  من خلال أسلمة الدستور وبالتالى أسلمة جهاز الدولة ومن ثم أسلمة المجتمع وفرض سيطرتهم على كل مؤسسات الدولة التعليمية والقانونية والقضائية والإعلامية والثقافية والعسكرية والبوليسية ، وفرض قانون طوارئ (قانون حماية الثورة) يشكل نظاما قانونيا وقضائيا موازيا لمواجهة القوى السياسية التى تخالفهم.

 

إن الدستور الذى وصل الينا بفجر كاذب تم تفصيله على الرئيس وسلطته التنفيذية من أجل حماية جماعة الاخوان المسلمين ومصالحهم الضيقة الأنانية، لقد حولوا الدستور الى وثيقة سياسية وليست وثيقة قانونية تنضح بالركاكة والصياغات الفضفاضة، تهدر فيها الحريات وحقوق المواطنة وحقوق المرأة والحقوق الخاصة بالعبادة للأديان غير السماوية، ويفتح المجال للسخرة والرق ويغيب عن بنوده ضمانات تحقيق العدالة الاجتماعية وتغتال فيه السلطة القضائية  ويعطى صلاحيات واسعة للرئيس تجعله ديكتاتورا بامتياز.

 

البوق الإعلامى والحشد الجماهيرى للإخوان يعتمد على كذبة كبرى وهى الاستقرار، وخلط الشرعية بالشريعة.

 

•••

 

ونحن نتساءل هل حقق استفتاء مارس 2011 الاستقرار، هل حقق العدالة الاجتماعية، هل حقن الدماء وهل نجح فى جلب برلمان ديمقراطى ، هل نجح فى أن تأتى الجمعية التأسيسية معبرة عن أطياف الشعب المصرى، هل نجح فى تهدئة الغضب والاحتجاجات، هل نجح فى عدم المساس باستقلال القضاء، هل نجح فى إطلاق حرية الإعلام؟

 

لقد أتى هذا الاستفتاء بمزيد من الشهداء وآلاف المصابين وحصار المحاكم والإعلام، أتى بجمعية تأسيسية باطلة منحازة للإخوان المسلمين والسلفيين معادية للتوافق، أتى برئيس جمهورية متخبط فى قراراته تحركه القيادات الاخوانية وتفصله عن القوى السياسية الأخرى وتخلط شئون الجماعة بشئون الدولة، أصدر إعلانا دستوريا باطلا ليجمع فى يده السلطات الثلاث، حنث بالقسم على إحترام الدستور والقانون وتعدى على السلطة القضائية، لقد تم اتخاذ الشريعة كحجاب يمارس خلفه أفظع ضروب القمع  والاستبداد وأصبحوا يمثلون قوى القهر التى تريد أن تقطع الطريق على الدولة المدنية الحديثة وتؤسس لأركان دولة دينية ترسخ للاستبداد، دولة تأتى بالقوة ويمارس أتباعها السحل والتعذيب والترهيب  والقتل وربط المتظاهرين كالذبيحة فى سور الرئاسة الذى يقبع وراءه الرئيس المنتخب، يمارسون دور الشرطة والقضاء باستعراض ميلشياتهم العسكرية، يرابضون أمام مدينة الاعلام بلحاهم وجلابيبهم وإبلهم لإرهاب الاعلام، هؤلاء السلفيون لا يعلمون أن الاخوان يتعاملون معهم بانتهازية دنيئة المستوى فهم يزجون بهم الى الشارع ليتخذوا مواقف نيابة عنهم من أجل ترهيب المجتمع  كله لتثبيت حكمهم ثم بعد ذلك سيطيحون بالسلفيين وغيرهم ممن سيقف ضد المشروع الاخوانى من أجل الاستئثار بالحكم وتوزيع المغانم والمكاسب.

 

وباسم الدين والشريعة يقومون بالمزيد من عمليات الإخضاع والتضليل وكأن الشريعة لم تكن مطبقة فى مصر قبل وصول الإخوان للحكم، وكأن المحكمة الدستورية العليا ومحكمة القضاء الادارى لا تحتكم للشريعة الإسلامية فى تفسير التشريعات، وكأن قوانين الأحوال الشخصية والمواريث لا يطبق عليها الشريعة.

 

الكل يعلم أنه لا يوجد قانون واحد فى تاريخ مصر يتصادم أو يتعارض مع الشريعة الاسلامية، لا يوجد نص واحد فى القانون المصرى يتصادم مع الشريعة.

 

•••

 

إن مصر الآن بوتقة محمومة تشعلها نخب إسلامية أصولية متعصبة ، وفى هذا الآتون المستعر  تحاول هذه النخب استقطاب النخب البوليسية والعسكرية  لتكريس حكم الاستبداد وإقامة  دولة دينية تقوم على الحاكمية لله والخلافة للإنسان.

 

إن المعادلة التى ستخرجنا من الانقسام وتنقذنا من شبح الحرب الأهلية هو أن تؤمن جماعة الاخوان والسلفيين بالتنوع والاختلاف، وتسمح بتعددية سياسية والتوازن بين جميع القوى السياسية، وتفتح الطريق لطرح عقلانى يتيح التوصل إلى حل يحول الصراع السياسى العنيف إلى صراع سلمى فى إطار هذه البيئة التعددية.

 

لذلك إن هذا الاستفتاء لن يحقق الاستقرار بل سيزيد الانقسام، إن الاحتجاج الشعبى يؤكد على أن هذا الدستور باطل لأن الجمعية التأسيسية التى وضعته باطلة ولأن قطاعا واسعا من القضاة رفض الإشراف عليه، بل إنه لأول مرة فى تاريخ مصر تقوم السلطة القضائية بتعليق عملها.

 

•••

 

إن شرعية الرئيس على المحك وموجات الغضب الشعبى وإصرار الثوار على استعادة وطنهم الذى خطف منهم وهم يشيعون جثامين الشهداء سيسقط هذه الشرعية إن عاجلا أو آجلا.

 

فى هذا الليل الخالى من الرحمة لن ننحنى حتى لو لم تمر العاصفة فحلمنا صاخب ولن ننهزم فالهزيمة صنو الموت وعشقنا للوطن يكبر، رغم أن شتاءنا طويلٌ طويل لكننا سنكتب تاريخنا بملح دمنا وسننتصر.. سننتصر.

 

عزة كامل كاتبة مصرية
التعليقات