الديمقراطية فى المغرب تبدأ بالمصالحة - بسمة قضماني - بوابة الشروق
الأحد 20 أبريل 2025 6:55 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الديمقراطية فى المغرب تبدأ بالمصالحة

نشر فى : الإثنين 30 مارس 2009 - 10:30 م | آخر تحديث : الإثنين 30 مارس 2009 - 10:30 م

 يبحث المغرب حاليا عن مسمى لحالة التغيير السياسى الذى يعيشه. فهل تشهد البلاد حاليا الجيل الثانى أم الثالث من الإصلاحات؟ وإلى أى حد تعد هذه الإصلاحات عميقة أم سطحية أم حاسمة أم محدودة الأهمية؟

وقد وضع صانعو السياسة والمجتمع المدنى رؤية للتحول السياسى ترتكز على عدة مراحل. وكانت البداية إجراء تغييرات شكلية فى منتصف الثمانينيات، تضمنت القيام بأول إصلاحات دستورية، وبدء الحوار حول نزاهة الانتخابات، والانفتاح لأول مرة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان.

وبدأت الموجة الثانية من الإصلاح بناء على مبادرة من الملك الحسن الثانى قبل رحيله بعام، حيث أرسى الرؤية التى سار عليها نجله.

وكان سماح الملك الحسن الثانى بإجراء انتخابات نزيهة عام 1998، وتكليفه زعيم المعارضة عبدالرحمن اليوسف بتشكيل الحكومة، بمثابة إقرار من جانبه ــ فى آخر أيامه ــ بأن الشعب بلغ مرحلة النضج ويستحق حياة سياسية.

ومن ثم، اتُخذت إجراءات لرفع الحظر عن المجتمع المغربى، مثل القيام بإصلاحات دستورية وإقرار قانون انتخابى جديد وقانون للمنظمات غير الحكومية والتصريح لعديد من الأحزاب والصحف بالعمل.

وعلى خلاف الوضع فى الجزائر أو مصر أو الأردن، حيث تعرضت الإصلاحات لانتكاسات خطيرة، تكتسب الموجة الثانية من الإصلاحات فى المغرب مزيدا من العمق فى الوقت الراهن، وهو ما يشير إلى التوجه لتعزيز الانفتاح الديمقراطى وإضفاء الطابع المؤسسى عليه، وهو ما يقلل بدوره من احتمالات الارتداد.

وقد أقام الملك محمد السادس مؤسسات جديدة كالهيئة العليا للاتصال السمعى ــ البصرى، ومجلس حقوق الإنسان. وللمرة الأولى، أصبحت القطاعات المهمة ــ التى يطلق عليها فى المغرب حقول ــ تُنظم بواسطة هيئات مهنية، ولم تعد واقعة بطريقة متعسفة تحت سيطرة الملك.

وتسهم هذه المؤسسات، التى تعمل بقوة واستقلالية تثيران الدهشة، حاليا بدور فى تشكيل المشهد السياسى.
ويعد المجال الاجتماعى حقلا أكثر تعقيدا يسعى الملك إلى تحديثه؛ ذلك أنه عقب المحاولة الأولى الفاشلة لإقرار قانون تقدمى للأسرة فى عام 2002، وهو ما قوبل بضجة من جانب القوى المحافظة فى البلاد، جرى إقرار قانون جديد بهذا الخصوص فى 2004.

فقد استغل غضب الشعب المغربى إزاء الملك الهجمات الإرهابية التى وقعت فى الدار البيضاء فى 2003، بمهارة للتأكيد على أن النزعة الجامدة المحافظة تمثل حجر الأساس بالنسبة للجهاديين. ومن ثم استطاع تسويق القانون الجديد الذى كان بمثابة قفزة على طريق الحداثة ومواجهة القوى الظلامية.

غير أن ما أحدث تغييرات كبيرة فى المزاج العام هو رغبة الملك الجديد فى فتح حوار حول الممارسات التى تمت خلال العهد السلطوى السابق.

وكان تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة عام 2004، وهى الآلية الأساسية لمحاسبة تلك السنوات الصعبة التى شهدت عمليات القمع السرية وعُرِفت «بسنوات الرصاص». وجاء قرار الملك بإنشاء تلك الهيئة، واختياره لعضويتها نشطاء فى مجال حقوق الإنسان ومحامين يحظون بالاحترام، استجابة لكفاح منظمات حقوق الإنسان فى المغرب التى ظلت سنوات تطالب بفتح ملف حقوق الإنسان وتعويض الضحايا.

وخلال عامين، أعطيت الهيئة حق الاطلاع على الملفات المتعلقة بهذا الشأن، وسُمح لها بجمع المعلومات وتوثيق أكثر من 16 ألف حالة اختفاء وتعذيب، وسماع الشهادات ونشر هذه الشهادات.

ولم يحقق التقرير النهائى للهيئة الرضا الكامل لأولئك الراغبين فى الإنصاف؛ ذلك أنه كان محظورا منذ لحظة تأسيس اللجنة القيام بأى نوع من المحاسبة القضائية لمن قاموا بممارسة التعذيب، وجرى الإبقاء على سرية أسماء هؤلاء.

كما وضعت قيود كبيرة على سلطات الهيئة، حيث استثنى من البحث فى حالات الاختفاء الحالات الأكثر سرية مثل اختطاف زعيم المعارضة السابق المهدى بن بركة فى الستينيات، وهى القضية التى مازالت محظورة إلى يومنا هذا.

وبالرغم من تلك القيود، كانت المساهمة الأهم للهيئة أنها أحدثت ثقة داخل المجتمع فى جدية عملية الإصلاح.

فجماعات المعارضة، سواء فى المغرب أم فى أى بلد آخر، تدخل فى حوار مع الحكومة، وهى محملة بميراث ثقيل من المعاناة، وهو ما يجعلها لا ترغب فى الحصول على تنازلات من الحكومة فحسب، بل على اعتراف أخلاقى من جانب تلك الحكومة.

وكان اختيار اسم الهيئة يمثل رسالة ضمنية إلى المجتمع تفيد بأن الدولة ترغب فى الاعتراف بأخطائها وتصحيحها. وكانت كلمة «المصالحة» تحمل معانى اكتسبتها من تجارب سابقة فى الأرجنتين وجنوب إفريقيا وشيلى.

ومع ذلك؛ فقد كانت للهيئة نتائج سياسية أخرى وضعت المجتمع والدولة على طريق جديد.

فقد نقلت مركز الثقل فى الجدل حول الديمقراطية، من التركيز المبالغ فيه على الإسلاميين ومدى جديتهم فى تبنى القيم والممارسات الديمقراطية، إلى مناقشة أهمية الحل الوسط والإجماع لأجل التوصل إلى نوع جديد من العلاقة بين الحاكم والمواطنين، تقوم على الاعتراف بأن الكرامة والحقوق يقعان فى قلب العملية الديمقراطية، بغض النظر عن المرجع الأيديولوجى للقوى السياسية.

كما أنها أظهرت رغبة الدولة فى كشف النقاب عن أكثر القطاعات غموضا، وهو المؤسسات الأمنية، وكشف طريقة عمل هذه الأجهزة.

وأخيرا، أثبتت الهيئة عبر عامين من العمل المتواصل أنها قادرة على التعامل مع القضايا الحساسة بطريقة مسئولة، والحفاظ على مصداقيتها واحترام المواطنين فى نفس الوقت. واستمر تأثير الهيئة رغم انتهاء أعمالها، لأن الزخم الذى أحدثته لم ينته.

وظلت العملية التى أخذتها على عاتقها بمثابة إطار مرجعى للحكومة والمجتمع على حد سواء، ونموذجا يمثل تجسيدا للتحول القائم على التوافق.

وقد يكون الدرس الأهم الذى يمكن استخلاصه هو أن الملك احتفظ دائما بالمبادرة ورفع شعبية العائلة الحاكمة. وعبر تعريف التوافق باعتباره قاعدة اللعبة، جعل الملك ذلك مصدر قوة فى حد ذاته.

وبموافقة المجتمع الغربى على التحول القائم على التوافق، سار خطوة للأمام، ولم يبلغ حتى هذه اللحظة أى حائط يستحيل تجاوزه. غير أنه مازالت هناك أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابة. فأى نوع من الملكية يمكن أن يصبح المغرب؛ دستورية أم برلمانية؟

وما هو دور الدين فى شئون الدولة؟ وكيف يمكن إجراء الفصل الحقيقى للسلطات بين الأفرع المختلفة للسلطة فى ظل استمرار الملك فى السيطرة على المصادر الحقيقية للثروة الاقتصادية باعتبارها مجالا محفوظا له. لقد أصبح الرأى العام نافد الصبر إزاء سرعة العملية الديمقراطية.

فبينما أخذت الجارة إسبانيا ثلاثة أعوام فقط لتحقيق التحول الديمقراطى، يأخذ المغرب أكثر من 20 سنة فى ذلك. ويرغب الناس فى تسريع الديمقراطية ويحلمون فى تجربة العملية الغامضة التى تحمل البلاد والمجتمع إلى الشاطئ الآخر، إلى أرض الديمقراطية. والمغرب على استعداد لذلك.

بسمة قضماني  مدير مبادرة الإصلاح العربي
التعليقات