لا أعرف كيف يشعر الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى حاليا تجاه دونالد ترامب، إلا أنى لا أستبعد تسرب القلق لحساباته فى ضوء ما ظهر من ترامب منذ تنصيبه قبل شهرين ونصف. وبعد البداية المشجعة التى أعقبت لقاء السيسى وترامب فى مدينة نيويورك خلال سبتمبر الماضى والتى صاحبها خروج بيانات رسمية من حملته تؤكد أنه «فى ظل إدارة ترامب، ستكون الولايات المتحدة صديقا وفيا، وليس فقط مجرد حليف يمكن أن تعول عليه مصر»، وما تلاه كذلك من خروج بيان صحفى عقب المحادثة الهاتفية التى جرت بين الرئيسيين بعد تنصيب ترامب بثلاثة أيام يشير إلى إشادة الرئيس الجديد بجهود القاهرة فى مكافحة الإرهاب، ويؤكد التزامه باستمرار المساعدات العسكرية لمصر، إلا أنها لا تفى بالتوقعات الرسمية المصرية.
***
خلال ديسمبر الماضى، قدمت القاهرة «السبت» متوقعة «الأحد» من ترامب وذلك عندما سحبت مصر مشروع قرار إدانة عمليات الاستيطان الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة المقدم لمجلس الأمن بعدما قدمته رسميا قبل نهاية ديسمبر الماضى عقب مكالمة هاتفية تلقاها السيسى من ترامب. وعلى الرغم مما سبق، لم يقدم ترامب بعد بما يطمئن الحكومة المصرية تجاه القضايا المهمة للقاهرة. ويتعلق الإحباط المصرى بثلاث نقاط أساسية: وهى تأمين وربما زيادة المساعدات العسكرية، ونظرة ترامب للدور المستقبلى للجيش المصرى، وأخيرا موقف إدارة ترامب من جماعة الإخوان المسلمين.
فقد تركت ميزانية ترامب المقدمة للكونجرس للعام القادم القاهرة فى حالة ارتباك كبير، إذ قلص ترامب ميزانية وزارة الخارجية بمقدار 29% وانخفضت من 38 مليارا إلى 27 مليارا، وهى التى تتضمن داخلها المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر. ولم تُحصن الميزانية الجديدة سوى المساعدات لإسرائيل والتى تبلغ 3.1 مليار دولار سنويا. وذكر مسئولون أمريكيون أن الأموال المقدمة إلى مصر والأردن ودول أخرى ما زالت رهن التقييم، وهو ما يجب أن يمثل صدمة كبيرة للحكومة المصرية. فقد تفاءلت القاهرة بقدوم ترامب وبالغت فى توقع إعادة إدارته لطريقة تمويل شراء الأسلحة المفضل لصالح الحكومة المصرية والذى أوقفه أوباما، وهو الذى حرم مصر من إمكانية فتح خط ائتمان يسمح بالدفع الآجل، وهو ما يسمح بتمويل صفقات عسكرية كبيرة تتخطى قيمتها إجمالى قيمة المساعدات فى عام واحد، وهو ما أعطى مصر ميزة التعاقد والدفع اللاحق. وبالغت القاهرة فى تفاؤلها وذهب البعض لتصور إمكانية أن يزيد ترامب مقدار المساعدات العسكرية البالغ 1.3 مليار دولار سنويا، وأن يُسمح لمصر بالحصول على أسلحة أكثر تطورا وأن يجرى تسلمها بطرق سريعة.
ولم يُقدم ترامب أى إشارات لتغيير الشروط التى فرضها أوباما عندما أعاد المساعدات بعد تجميدها لأكثر من عام والتى تُقصر نظم التسليح الجديدة لمصر على الاستخدام فى أربعة مجالات: هى مكافحة الإرهاب (الشراكة فى الحرب الأمريكية على الإرهاب)، والحفاظ على الأمن فى سيناء (مكافحة الجماعات الإرهابية هناك)، تأمين الحدود (ضبط الحدود بين غزة وسيناء بما يمنع التهريب)، وأخيرا الأمن البحرى (مواجهة الهجرة غير الشرعية). ولا أعتقد وجود إمكانية لحدوث أى تغييرات فى هذه النقطة حيث يوجد توافق جمهورى ديمقراطى على شروط أوباما.
النقطة الثانية التى يجب أن تُزعج مصر تتعلق بتصنيف إدارة ترامب للجيش المصرى بكونه «الجيش السنى العربى الأكبر». وتم استدعاء هذا التوصيف ضمن بحث تصورات مختلفة لمستقبل الشرق الأوسط ولكيفية مواجهة تنظيم داعش، ومستقبل حل الأزمات المستعصية فى سوريا والعراق، ومواجهة النفوذ الإيرانى «الشيعى». ويمثل تصنيف جيش مصر ــ بأنه جيش سنى ــ مخاطر متعددة، فجيش مصر جيش وطنى يجمع المسلمين والأقباط، وليس جيشا طائفيا. ولم يُعَرف الجيش على مدى تاريخه بكونه جيشا سنيا، حيث إن هذا الوصف يضعه فى مواجهة مع (الجيش الشيعى)، ويبعده عن مواجهة (الجيش الإسرائيلى). ويرتبط بتلك النقطة التقارير التى تشير لبحث تشكيل تحالفات عسكرية فى الشرق الأوسط لا يستبعد معها أن يُطلب من دول مثل مصر والأردن والمغرب أن تشارك فى ترتيبات أمنية مع دول خليجية بإشراف أمريكى لمواجهة إيران، ولحفظ استقرار شرق المتوسط والخليج العربى. ويرتبط بتلك النقطة ما يبدو من تناقضات بين العسكريين الأمريكيين ونظرائهم المصريين تعرقل معاودة مناورات النجم الساطع العسكرية فى ضوء اختلاف وجهات نظر الطرفين حول طبيعة هذه المناورات والتحديات العسكرية التى يجب للجيوش التدريب على مواجهتها فى المستقبل.
آخر نقاط الإحباط الحكومى المصرى ترتبط بما تراه من بطء من إدارة ترامب فى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من اتهام ترامب منافسته السابقة هيلارى كلينتون بأنها «سلمت مصر للراديكاليين من الإخوان المسلمين، وهو ما أجبر الجيش على إعادة تولى السلطة»، وعلى الرغم من وجود مبادرات يتبناها مشرعون أمريكيون لتمرير مشروع قرار فى الكونجرس يصنف الإخوان جماعة إرهابية، لم يتحرك ترامب بعد. وكانت شهادة وزير الخارجية الجديد ريكس تيلرسون أمام مجلس الشيوخ أقوى إدانة من الإدارة الجديدة للجماعة إذ ساوى فيها بين جماعة الإخوان وتنظيم داعش وتنظيم القاعدة. من هنا تفاءلت القاهرة وضغطت من أجل أن يسرع ترامب ويصنف الجماعة بالإرهاب، وهو ما شأنه إحداث تضييق كبير على الجماعة وشرعيتها ومصادر تمويلها ووزنها الدولى. يستطيع ترامب أن يفاجئنا بإصدار أمر تنفيذى رئاسى لا يصنف الجماعة كلها بالإرهاب لما لذلك من تداعيات إقليمية كبيرة ومكلفة لواشنطن، فقط يصنف جماعة «الإخوان المسلمين المصرية»، إلا أنه لا يبدو عازما على المضى فى هذا الاتجاه. ويذكر بعض الخبراء أنه ربما فقط يصنف حركتى «حسم» و«لواء الثورة» بالإرهاب.
***
ترامب رجل أعمال بالدرجة الأولى، وفى إطار حساباته دائما ينظر على ما يحصل عليه من الجانب الآخر، ويبدو أن فريق ترامب، الذى يعرف مصر جيدا، يدرك أن القاهرة لا تستطيع أن تقدم المزيد فى ظل أوضاع الشرق الأوسط الملتهبة. ورغم الثناء الذى نالته دعوة الرئيس السيسى «للإصلاح والثورة الدينية داخل الإسلام» وتنامى الثناء بعدما وقعت مصر اتفاقياتها مع صندوق النقد والبنك الدوليين، إلا أن فريق ترامب يدرك تزايد أدوار دول مثل إيران والسعودية وإسرائيل وتركيا، مقارنة بمصر. ولا يترك ضعف الاقتصاد المصرى واستمرار معضلة مواجهة الإرهاب فى سيناء أى اوراق مهمة فى يد الجانب المصرى يستطيع المناورة بها مع الإدارة الأمريكية الجديدة.