نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى، تساءل فيه عما إذا كان احتياطى غاز شرق المتوسط سيكفى الطلب الأوروبى ــ خاصة بعد مقاطعة الغاز الروسى ــ بجانب تلبية الطلب المحلى والإقليمى. كما تساءل عن وسيلة التصدير الأنسب وتكلفتها.. نعرض من المقال ما يلى.تُعدّ أوروبا السوق الأفضل لغاز شرق المتوسط؛ نظرا للتقارب الجغرافى ما بين المنطقتين، ومن ثم ركزت معظم الدراسات على تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، لكن فى الوقت نفسه برز عاملان مهمان أضيفا إلى هذه الفرضية: هل الاحتياطات الأكيدة كافية لتلبية الطلب الأوروبى؟ وماذا عن الطلبين المحلى والإقليمى؟ وقد أضيف مؤخرا «العامل الأوكرانى»؛ بمعنى إمكانية تعويض إمدادات الغاز الروسية التى قررت أوروبا مقاطعتها.
ويتوجب عند دراسة تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، الأخذ بنظر الاعتبار، وسيلة التصدير (عبر أنبوب يَعبر البحر الأبيض، وما هو الطريق الأنسب لهذا الأنبوب؟) وإمكانية تسييل الغاز (كما يجرى حاليا فى مصر)، ومن ثم شحنه إلى أوروبا. هذه العوامل، وكثيرٌ غيرها من العوامل الجيواستراتيجية (هل يتوجب التصدير خلال خط أنابيب يمتدّ عبر قبرص، ومن ثم اليونان، أم خط أنابيب بحرى إلى تركيا حيث يتم ربطه هناك مع أحد الخطوط البرية العاملة حاليا عبر دول جنوب وجنوب شرق أوروبا؟)، وأخيرا هناك مسألة تكاليف المواصلات أو مصانع التسييل، وأثرها على السعر النهائى للغاز.
يطرح السؤال الأول نفسه تلقائيا: هل الاحتياطات المؤكَّدة لغاز شرق المتوسط كافية لتلبية الطلب الأوروبى، وفى الوقت نفسه تلبية الطلب المحلى الإقليمى للغاز، حيث السوقان الضخمتان المصرية والتركية من جهة، والأسواق الأردنية والفلسطينية والإسرائيلية واللبنانية والقبرصية حيث لا تتوافر مصادر طاقة وافية أخرى معروفة حتى الآن. لقد أصبح الغاز بفضل سعره المنافس للنفط والفحم ودوره بصفته وقودا «نظيفا»، مقارنة ببقية الوقود الأحفورى، هو العنصر المعتمَد عليه فى تزويد محطات توليد الكهرباء والمصانع بالوقود.
من المعروف أن التقنيات الحديثة تعتمد أكثر وأكثر على الكهرباء. هذا معناه ازدياد استهلاك الكهرباء سنويا، مما يعنى بدوره أن دول شرق المتوسط ستحتاج إلى طاقة كهربائية أكثر مستقبلا، مع ازدياد اعتمادها على الكهرباء، وخصوصا فى تلك الدول، ومنها ما يعانى عجزا كهربائيا فادحا غير مسبوق؛ بمعنى أنه مع زيادة استهلاك السيارة الكهربائية وكثير من السلع الاستهلاكية المعتمدة على الكهرباء، يتوجب أيضا الأخذ بنظر الاعتبار الزيادة السريعة المتوقعة للاستهلاك الداخلى والإقليمى للغاز.
تستفيد الدول المصدِّرة للغاز فى شرق المتوسط من الأسواق الإقليمية عبر شبكات وأنابيب قصيرة المدى وقليلة الكلفة نسبيا. وبالفعل، نجد الآن أن مصر والأردن وإسرائيل تزوِّد الأغلبية الساحقة من محطاتها الكهربائية بالغاز.
المسألة المهمة فى الوقت الحاضر هى الطلب الأوروبى للغاز فى ظل حرب أوكرانيا. وأقطار السوق الأوروبية تختلف فى سياساتها الطاقوية المستقبلية، إذ إن هناك مصالح اقتصادية مختلفة فيما بينهم، وخصوصا فرنسا وألمانيا وحلفاءهما.
تزور وفود أوروبية دولا مصدّرة للغاز لتعويض الإمدادات الروسية. ورغم أن الدول الغازيّة مستعدّة للتصدير، وخصوصا الغاز المسال للدول خارج منطقة البحر الأبيض، فهناك عقبة رئيسة تواجه الأقطار الأوروبية: مدة العقود التى عادةً تتراوح نحو عقدين أو أكثر من الزمن، نظرا للمصاريف الباهظة التى تتحمّلها الدولة المصدِّرة، ومحاولة الأوروبيين تقليص هذه الفترة إلى نحو 15 سنة، الأمر الذى تعتبره الدول المصدرة غير اقتصادى لها. وهناك طبعا المفاوضات حول المعادلة السعرية للغاز.
النص الأصلي