يخوض شباب الثورة فى سوريا معركتين على الأقل واحدة داخلية ضد الاستبداد والقمع، والأخرى ضد الأعداء فى الخارج، أى معركة لتبرير براءة وشرعية مطالبهم فى ظل اتهامهم من قبل النظام بأنهم مدسوسون ومنفذون لأجندة أعداء سوريا الذين يحيطون بها من كل الجوانب.
أعداء سوريا كثيرون ــ كما يرى النظام فى دمشق وكما يعى الشعب ــ أولهم إسرائيل ثم الولايات المتحدة التى تحدد سياساتها فى الشرق الأوسط حسب مصالح إسرائيل، والتى سعت فى عهد الرئيس بوش إلى تغيير النظام فى سوريا وهذا صحيح، وهناك أوروبا المتعجرفة والتى لن تتخلّص يوما من عقليتها الاستعمارية والمتأثرة كل التأثير أيضا بضغوط دائمة من قبل إسرائيل، وهناك الفئات اللبنانية المتآمرة بدورها والمتحالفة مع كل الأعداء الكبار، جميع هذه الجهات انهالت على سوريا الأسد فور اندلاع أول مظاهرات احتجاج فى درعا لتسعى كل منها إلى تنفيذ أجندتها.
ربما تكون كل هذه الجهات تريد الإساءة لسوريا وهى حتما تسعى إلى تنفيذ أجنداتها، لكن السؤال الأهم هو هل أجندة النظام فى سوريا واضحة؟ وما هى الأولويات والمصالح التى نسعى إلى حمايتها وبأى وسيلة؟
ها نحن قد أقمنا تحالفا استراتيجيا مع إيران وذلك منذ عهد الأسد الأب لنحتمى من كل الأعداء، واضح بالنسبة للجميع مدى استفادة إيران من العلاقة هذه، التى تعطيها منفذا على ساحة الصراع مع اسرائيل وتسمح لها بالوجود المباشر فى لبنان لدعم الطائفة الشيعية وتسليح حزب الله؟ هذه الأهداف تتفق مع أهداف سوريا الصمود والتصدى، لكن هذا لا يعنى أن تدخل سوريا فى مواجهة مباشرة مع إسرائيل عندما تشنّ الأخيرة حربا تدمّر فيها نصف لبنان، فسوريا اختارت فى ذلك الوقت أن تقف جانبا.
تدعم دمشق حركة حماس وتستضيف قيادات الحركة فى العاصمة من ناحية، وتتجه نحو تركيا لتستعين بها كوسيط لفتح مفاوضات مع إسرائيل، مفاوضات غير مباشرة لم ينتج عنها شيئا بسبب التعنت الإسرائيلى لكن تظل سوريا فى النهاية تتأرجح بين دعم المقاومات اللبنانية والفلسطينية دون أن تعرّض نفسها لخطر والخط المعاكس الذى يسعى إلى الحل السياسى، بذلك تشكّل سوريا العدو المثالى لإسرائيل: الخطاب الخشن والهدوء على الحدود، ثم تتعاون دمشق قليلا مع الأجهزة الغربية فى حربها على الإرهاب بينما تصعّد خطابها ضد الغرب.
فى الواقع فإن الأعداء كلهم يعلمون تماما ما الذى يريدونه، أما نحن فإلى أين متجهون؟ ماذا نريد وما هى أجندتنا التى تستحق أن يلتزم الشعب الصمت اثرها أمام انتهاك حقوقه؟
أصدر فلسطينيون بيانا ليستنكروا فيه الزج باسم فلسطين والقضية الفلسطينية الذى يقوم به النظام السورى لتبرير قمعه للشعب، ويقولون إن استخدام القضية الفلسطينية من جانب النظام لتبرير قمع الحريّات فى سوريا يلحق الضرر بفلسطين وقضيتها.