صرح وزير الموارد الطبيعية لحكومة إقليم كردستان العراق أشتى هورامى لوكالة بلومبرغ فى 16 أبريل، التالى: «إن إقليم كردستان يستطيع أن يصدر خلال هذا العام (2013) نحو 250 ألف برميل يوميا من النفط الخام كما أن الخطط قائمة على قدم وساق لتصدير 1 مليون برميل يوميا بحلول عام 2015 ومليونى برميل يوميا فى عام 2019.» وأضاف الوزير هورامى: «نحن بحاجة الى تصدير النفط من إقليم كردستان، وبقية شمال العراق، الى الأسواق. وتوقع أنه سيكون بالإمكان تصدير نحو 3 ملايين برميل يوميا من شبكة انابيب شمال العراق الى الأسواق الدولية عبر تركيا. لكن، من أجل تحقيق هذا الهدف يستوجب تشييد البنى التحتية اللازمة للتصدير، وهذا يتطلب بناء خطوط الانابيب .» وتابع الوزير هورامى تصريحه قائلا:» نحن نتمنى أن نبقى جزءا من عراق ديمقراطى وفيدرالى. لكن اذا نأخذ بنظر الاعتبار تاريخ الدولة الشمولى المضطرب، فنحن نعمل من أجل سياسة نفطية غير مركزية ومشاركة فى السلطة والموارد المالية كعوامل أساسية من أجل عراق موحد». وأضاف هورامى: « يحق لحكومة إقليم كردستان، وباستطاعتها، تصدير النفط والغاز بالتعاون مع الحكومة فى بغداد. لكن، مع الأسف لا يحترم المسؤولون الاتفاقيات التى يوقعونها».
يعكس هذا الكلام الخطير توقعات نمو صناعة النفط الكردية وفى نفس الوقت بعض التحديات التى تواجهها. فإنتاج إقليم كردستان حاليا هو نحو 150 ألف برميل يوميا، وتوقع الزيادة الى مليونين أو ثلاثة ملايين برميل يوميا هو أمر مهم جدا لإقليم كردستان بخاصة والعراق عموما (لكن غير معروف ما يعنى السيد هورامى بالإنتاج من بقية شمال العراق الذى سيؤهله تصدير 3 ملايين برميل يوميا، فهل يعنى بالشمال كركوك أيضا التى يبلغ معدل انتاجها نحو 400 ألف ــ500 ألف برميل يوميا، والتى هى تابعة حاليا للحكومة الفيدرالية، لكن تعتبر جزءا من المناطق «المتنازع عليها «بين الحكومة الفدرالية وحكومة إقليم كردستان) لكن، مهما كان الرقم مليونين أو ثلاثة ملايين برميل يوميا من صادرات النفط الخام فهى كميات ضخمة ومهمة وتعادل ما يتم تصديره تقريبا من الكويت أو دولة الإمارات العربية حاليا.
●●●
كما أن تأكيد الوزير أن هذه الصادرات ستمر عبر تركيا ومن ثم الأسواق الدولية يعنى أن إقليم كردستان ماضى قدما فى خططه لتشييد خطوط انابيب يتفق عليها مباشرة مع تركيا التى لديها مصالح استثمارية وتجارية مهمة جدا فى إقليم كردستان معظمها فى قطاع التشييد والكهرباء وتجارة التجزئة والجملة ناهيك عن انتاج النفط والغاز. لكن تصدير النفط والغاز مباشرة من قبل حكومة إقليم كردستان الى الأسواق الدولية دون موافقة وزارة النفط الاتحادية هو مخالفة صريحة للدستور العراقى وأمر تعارضه بغداد بشدة.
لكن الخلاف بين الطرفين هو أوسع بكثير من هذا الأمر رغم أن الحكومة الفيدرالية تدفع سنويا نحو 17% من ريع النفط العراقى الى حكومة إقليم كردستان. فبغداد ترفض أن تفاوض وتتفق حكومة إقليم كردستان مباشرة مع شركات النفط الدولية وتمنع بغداد من جانبها الشركات النفطية الأجنبية العاملة فى إقليم كردستان من العمل فى بقية انحاء العراق. لكن نتيجة لطبيعة العقود التى تمنحها حكومة الإقليم للشركات الدولية ونظرا لجيولوجية المنطقة الواعدة وللوضع الأمنى المستتب فى إقليم كردستان، فقد استطاع الإقليم توقيع نحو 50 اتفاقا مع الشركات الدولية دون علم وزارة النفط العراقية بفحوى الاتفاقات لكن مع مطالبتها أن تتحمل النفقات المترتبة عليها. وقد رفضت بغداد هذا الأمر مما خلق مشكلة سياسية كبرى إذ اصبح المبلغ المترتب دفعه للشركات، والمتأخر دفعه، يعادل بضعة مليارات الدولارات.
●●●
تصاعدت الخلافات مؤخرا عندما قررت شركة اكسون موبيل الأمريكية العمل فى إقليم كردستان. والشركة، كما هو معروف هى أكبر شركة نفط عالمية، وكانت مشاركة فى تطوير حقل عملاق فى جنوب العراق حسب عقد كانت قد وقعته مع بغداد. إلا أن قرارها العمل فى إقليم كردستان اضطر الحكومة فى بغداد الضغط عليها للتخلى عن امتيازها فى الجنوب. إلا أن الأهم من ذلك هو أن ولوج اكسون شمال العراق قد فتح الباب أمام الشركات العملاقة الأخرى لمتابعة خطوتها هذه، مما يعنى عدم تمكنهم من العمل فى بقية انحاء العراق. طبعا هذه الخلافات وغيرها الحقت اضرارا كبيرة فى تطوير صناعة النفط العراقية. وبهذا الصدد يشكل الخلاف ما بين حكومتى بغداد واربيل حول قانون النفط والغاز الذى حولته الحكومة للبرلمان فى فبراير 2007 والذى لم يتم تشريعه حتى الآن واحدة من أكبر العراقيل أمام صناعة النفط العراقية.
تعقدت الأمور بين حكومة الإقليم وبغداد مؤخرا لسببين خارجيين. أولهما التحدى السافر لشركة اكسون لسياسة الحكومة العراقية وتدخلها فى الشؤون الداخلية العراقية. وثانيا، لدخول الطرف التركى على الخط مما اعطى الفرصة لإقليم كردستان فى تصدير النفط للأسواق الدولية لعدم اطلال الإقليم على منفذ بحرى. كما أن الذى عقد الأمور هو الخلاف السياسى بين بغداد وانقرة، حيث استضافت الحكومة التركية نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمى الذى صدر عليه حكما قضائيا بعد خلافه مع رئيس الوزراء نورى المالكى.
●●●
تكمن المشكلة الأساسية فى البنود الغامضة والمتناقضة فى دستور 2005، الذى أبقى على سبق إصرار العلاقات الفيدرالية بالذات فى القطاع النفطى، غامضة، دون الفصل الواضح ما بين مسئوليات الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم. وبما أن النفط هو المورد الاساسى للبلاد من ثم الخلافات فى وجهات النظر والمصالح ما بين الاطراف المعنية. كما ساعد على تأجيج الأمور ما بين الطرفين هو مبادرة حكومة إقليم كردستان الإنفاق ثنائيا ومباشرة مع تركيا الأمر الذى اعتبرته بغداد انتهاكا لسيادة البلاد وللدستور. من جانبها، تصر حكومة إقليم كردستان على نجاح سياستها النفطية واستطاعتها ليس فقط فى التعاقد مع عشرات الشركات، منها شركات عملاقة، بل العمل بطريقة مهنية أدت الى اكتشاف بلايين البراميل من النفط الخام بالإضافة الى احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعى.
إلا أن الخلاف الأساسى هو كيفية إدارة دولة فيدرالية وهى تجربة جديدة فى العراق وبقية الدول العربية. وتكمن المشكلة فى توزيع المسؤوليات عند رسم السياسة النفطية للبلاد، فهل ترسم السياسة من قبل المحافظات والأقاليم دون العودة الى الوزارة الاتحادية؟ والمشكلة الأكبر فى طريقة ونسب توزيع الريع النفطى. وهذا الأمر الأخير خلق حساسيات واعتراضات عديدة من قبل أهل الجنوب، حيث أغلبية احتياطات النفط العراقى، نحو أهالى المنطقة الشمالية.
مستشار فى نشرة ميس “MEES” النفطية