أمريكا فى ضلالها القديم - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 6:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا فى ضلالها القديم

نشر فى : السبت 1 أكتوبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 1 أكتوبر 2011 - 9:00 ص

لم تجد إسرائيل حليفا أو صديقا واحدا فى المنطقة، تلجأ إليه عندما هاجم المتظاهرون الغاضبون سفارتها بالقاهرة. كانت قد قوضت ــ وبمهارة تحسد عليها ــ جسور التواصل مع تركيا، ولم يكن الأردن على استعداد للمساعدة وسط الغليان الشعبى هناك. فكان على إسرائيل أن تعبر البحار والمحيطات حتى تحط على شواطئ الولايات المتحدة لترتمى على الصدر الحنون الوحيد الباقى لها، شاكية مواجعها، ومطالبة إياها بأن تهب لنجدتها. يتصل نتنياهو بأوباما، وبهيلارى كلينتون. أما وزير الدفاع إيهود باراك فيتصل بنظيره الأمريكى ليون بانيتا. وهنا يجب أن نتوقف لنسأل عن علاقة وزيرى الدفاع فى البلدين بوضع «السفارة بالعمارة»، اللهم إلا إذا كانت إسرائيل قد صورت الأمر على أنه هجوم يماثل مع ما تعرضت له بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، حينئذ استنجدت بالولايات المتحدة، وبكت على كتفها، طالبة العون الفورى. تحدثت صحيفة جيروزاليم بوست، عما سمته بالتهديدات الأمريكية لمصر بعمل أمريكى مباشر بسبب الهجوم على السفارة الإسرائيلية. أما منظمة مناهضة التشهير اليهودية الأمريكية Anti- Defamation League، فقد أصدرت بيانا تشكر فيه الرئيس الأمريكى ووزير دفاعه على تدخلهما السريع والحاسم لضمان سلامة حراس أمن السفارة الإسرائيلية، إلى أن تم إجلاؤهم تحت جنح الظلام.

 

●●●

 

كل هذا التوتر وتلك العصبية إنما تكشف عن أمور عدة بالغة الأهمية. تكشف أولا عن مدى اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة فى كل صغيرة وكبيرة، وتكشف من ناحية أخرى عن مدى عجزها عن التعامل مع أى تهديد مهما قل حجمه، ومن الناحية الثالثة، وهى الأهم، فتكشف عن مدى العزلة التى تعيش فيها إسرائيل حاليا مهما حاولت الظهور عكس ذلك.

 

شواهد هذه العزلة الخانقة لم تعد تخفى على أحد. احترمت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل نصا وروحا على امتداد 32 عاما، بالرغم من الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة على الشريط الحدودى وداخل الأراضى المصرية. وعندما ارتكبت إسرائيل جريمتها الأخيرة خرجت القوة متعددة الجنسيات عن صمتها، وأدانت إسرائيل دون مواربة، أولا لانتهاكها للحدود الدولية، وثانيا لإطلاقها النار على الجنود المصريين. كان الشعب المصرى كله ينتظر ردا حاسما من الجانب المصرى كاستدعاء السفير المصرى من تل أبيب، وهذا هو أضعف الإيمان، لم يحدث ذلك، فاستأسدت إسرائيل. لا اعتذار لمصر، ولا نتائج لتحقيقات، وأكثر من ذلك تقوم باستدعاء السفير المصرى إلى الخارجية الإسرائيلية للاحتجاج على تصريحات رئيس الوزراء المصرى التى اعتبرتها مساسا بقدسية معاهدة السلام. ثم اتبعت إسرائيل ذلك بالقول بأنها لا تقبل أى تعديل لبنود المعاهدة، وهى تعلم تماما أن مثل هذا الموقف العنترى، إنما يتناقض مع منطوق المعاهدة الذى يؤكد إمكانية تعديل ما جاء بها خاصا بترتيبات الأمن، وكذلك التزام إسرائيل بالدخول فى مفاوضات مع الجانب المصرى فى خلال ثلاثة أشهر من الطلب المصرى. اشتكت إسرائيل فى السابق مما أطلقت عليه بالسلام البارد القائم بينها وبين مصر، وأقول إن ذلك السلام البارد سيصبح صقيعا زمهريرا، مادامت إسرائيل ممعنة فى تصرفاتها وممارساتها. كانت إسرائيل تدعى أن الثورات العربية، إنما هى أمور داخلية، منقطعة الصلة بفلسطين أو إسرائيل.. شاء الله أن يخيب ظنها كلية.

 

●●●

 

هذا فيما يتعلق بعلاقات إسرائيل بمصر. أما فيما يتعلق بتركيا فقد أقدمت الأخيرة على طرد السفير الإسرائيلى، وتخفيض مستوى العلاقات، وتجميد التعاون العسكرى. إجراءات لم تكن إسرائيل لتتوقعها من حليف لها حتى وقت قريب. وها هو رئيس وزراء تركيا يطوف بالعواصم العربية منددا بالتصرفات الإسرائيلية الهوجاء ومتحديا إياها فى البحر والجو.

 

ولنأتى الآن إلى علاقات إسرائيل بالسلطة الفلسطينية. تحملت السلطة والشعب الفلسطينى الأمرين منذ توقيع اتفاق أوسلو. المستوطنات والحواجز والمداهمات لم تتوقف، إنما الذى توقف كان عملية السلام. حسمت السلطة الفلسطينية موقفها، وقدم الرئيس الفلسطينى محمود عباس طلبا إلى سكرتير عام الأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر الماضى لانضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية إلى المنظمة الدولية. مرة أخرى لم تجد إسرائيل إلا الولايات المتحدة، كى تهب لنجدتها وتحبط المسعى الفلسطينى، وتستخدم حق النقض فى مجلس الأمن إذا لزم الأمر ضد إرادة المجتمع الدولى.

ويبدو الآن أن التاريخ يعيد نفسه. مارست الولايات المتحدة فى شهر نوفمبر 1947 كل أنواع الضغوط والابتزاز والتهديد على ثلاث دول هى هايتى وليبيريا والفلبين لحملها على التصويت لصالح قرار تقسيم فلسطين، من أجل أن يصدر القرار بالأغلبية المطلوبة فى الجمعية العامة. وها هى الولايات المتحدة تمارس اليوم نفس الضغوط والإغراءات والتهديدات على ثلاث دول أعضاء فى مجلس الأمن هى البوسنة ونيجيريا والجابون، لحملها على التصويت ضد الطلب الفلسطينى بالانضمام للمنظمة الدولية، وبالتالى لا يحصل مشروع قرار الانضمام على الأصوات التسعة المطلوبة لإقراره. أضير الشعب الفلسطينى عام 1947، ويضار الآن عام 2011.

 

جاء خطاب الرئيس الأمريكى أوباما فى افتتاح جلسات الجمعية العام للأمم المتحدة صادما. ساق حججا فى معارضة المطلب الفلسطينى لا تنطلى حتى على أى ساذج. أهان الأمم المتحدة فى عقر دارها ومن على منبرها، حيث اعتبرها غير مخولة لتدلى بدلوها فى قضية حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى، وهى المنظمة المنوط بها، وفقا لميثاقها، خلق الظروف الضرورية للحفاظ على الأمن والسلم العالميين وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان. نسى أوباما فى غمرة حماسه فى نصرة إسرائيل، أن الأخيرة مدينة فى إنشائها إلى المنظمة الدولية نفسها عندما أصدرت الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين فى 29 نوفمبر 1947. كان هذا القرار هو سند إسرائيل الأساسى فى إعلان قيامها فى 14 مايو 1948، وفى قبولها كعضو فى الأمم المتحدة فى 11 مايو 1949. يدعو أوباما فى خطابه إلى العودة إلى التفاوض، مشيرا إلى مشروعه الذى أعلن عنه فى 19 مايو الماضى بأن تتأسس الحدود بين إسرائيل وفلسطين على خطوط 4 يونيو 1967. مرة أخرى أغفل أوباما كيف استقبلت إسرائيل هذا المشروع، وكيف عارضه نتنياهو بشراسة أمام الكونجرس الأمريكى يوم 24 مايو الماضى. وهل نسى أوباما معاركه مع إسرائيل حول المستوطنات والتى خرجت إسرائيل ظافرة منها فى كل مرة؟ ما قاله أوباما فى خطابه، إنما يعنى رهن قيام الدولة الفلسطينية بإرادة المحتل وهى الإرادة التى ظهرت بكل تجلياتها فى خطاب نتنياهو فى الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر الماضى، حيث جاء مليئا بالأكاذيب والمغالطات وتحريف الكلم عن مواضعه.

ربما عبر المجتمع الدولى مبكرا عن موقفه الداعم للحق الفلسطينى بذلك الاستقبال الحماسى لخطاب الرئيسى محمود عباس فى الأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر الماضى، والذى أعلن فيه تقدمه بطلب انضمام دولة فلسطين إلى المنظمة الدولية. لكن المناورات الأمريكية والإسرائيلية لن تتوقف، وسيكون على السلطة الفلسطينية مدعومة بالدول الصديقة فى مختلف قارات العالم، أن تخوض معركة تقرير المصير للشعب الفلسطينى. فقدت أمريكا بالقطع ما بقى لها من مصداقية فى العالم العربى والإسلامى، بعد أن قال أوباما كلمته التى حاول فيها الوقوف فى وجه مسيرة التاريخ. لم يستطع روبرت فيسك أن يمنع نفسه من القول فى صحيفة الأوبزيرفر أن «أمريكا بموقفها هذا ليست هى أمريكا التى أنجبت وويدرو ويلسون بمبادئه الأربعة عشر فى تقرير المصير، وليست هى التى حاربت النازية والفاشية، أو التى حملت لواء الحرية التى وضع مبادئها الآباء الأولون فى أمريكا، لقد بدت أمريكا دولة لئيمة، أنانية، ومذعورة، برئيس لها يجد نفسه مضطرا إلى مساندة ودعم قوة الاحتلال ضد شعب كل مطلبه هو الحصول على حقه المشروع فى إقامة دولته».

 

●●●

 

من الواضح إذن أن أمريكا قد عادت إلى ضلالها القديم، بعد أن كنا قد تصورنا فى وقت من الأوقات أنها استطاعت أن تنفض عن نفسها غبار ذلك الضلال، وتسلك طريق الحق والعدل.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات