تابعت دائما أحكام القضاء الإدارى فى مجال صحة الإنسان الصادرة عن محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة.
تابعت دائما بإعجاب واحترام تلك الأحكام التى كان يصدرها السيد المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة والذى حتى اللحظة لم أشرف بلقائه إنما كانت أحكامه فى مجال صحة الإنسان المصرى ما جعلنى انتبه إلى الاسم والفعل.
اليوم يغادر الرجل تلك المنصة التى طالما جلس إليها منتصبا متسلحا بقوة العدل وغلبة القانون لينصف الإنسان المصرى البسيط الذى تعوزه القدرة المالية فيلجأ إلى الدولة مطالبا بحقه فى الصحة وما يحتاجه من علاج. يغادر المستشار العادل إلى القاهرة فى مهمة جديدة عضوا فى المحكمة العليا للقضاء الإدارى الدائرة الأولى.
اليوم أكتب عن أحكام الرجل الأخيرة لعلك ــ عزيزى القارئ ــ تدرك لماذا اليوم أعيد الحديث عن المستشار خفاجى وما قصدى:
< تقدمت أسرة لديها ابنة فى مقتبل عمرها مصابة بمرض التصلب المتعدد المتناثر وهو أحد أمراض الجهاز العصبى القاسية التى قد تصل إلى إصابة المريض بالشلل الكامل وتستدعى العلاج طول العمر تطلب علاجها على نفقة الدولة فامتنع رئيس هيئة التأمين الصحى!.
جاء حكم القاضى العادلا ليحظر على الدولة تحصيل فارق سعر الدواء لطلاب المدارس وإلزامها بكامل ثمن علاجهم من المرض المزمن الخطير.
< جاء فى حيثيات الحكم: «إن الأضرار الناجمة عن امتناع علاج الطالبة يعرض حياتها للخطر بل ينال من حقها فى الحياة، وكان يتعين على القائمين على مرفق هيئة التأمين الصحى بدلا من التحلل من ربقة الالتزام الدستورى بعلاج المرضى المشمولين قانونا برعايتهم صحيا وعلاجيا أن يقوموا بدورهم المنوط به قانونا لإنقاذ حياة الطالبة وهى الضعيفة المجردة من كل سلطان إزاء فقر والدها. وكان الأولى بهم النظر إليها بعين الرحمة وبحث حالتها المرضية لا بحث كيفية التحلل من ربقة الالتزامات التى أوجبها الدستور والقانون تجاه المواطنين من حقوق فى علاجهم بموجب حكم المادة ١٨ من الدستور التى ألزمت الدولة بإقامة تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض. بل جعل الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالة الطوارئ أو الخطر على الحياة جريمة يعاقب عليها القانون. فضلا عما فيه من امتهان لأحكام الدستور وللمواطنين الذين ارتضوا هذا الدستور وعلى سلطات الدولة وهيئاتها الإذعان له باعتباره تعبيرا عن إرادة الأمة.
أعزائى: أرجو أن تعيدوا قراءة تلك الحيثيات لو كان الأمر بيدى لجمعت أحكام هذا القاضى الوطنى العادل ونشرتها كاملة فى كتاب، وتأكدت من أن كل مواطن فى بلادى حصل على نسخة منها.
أما أول نسخة فسأحرص بنفسى على أن اسلمها للسيد وزير الصحة المسئول عن مشروع التأمين الصحى لعله يعينه على الانتهاء منه ولو بعد حين.