نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى عن التوسع الحالى فى استخدام الهيدروجين كوقود طاقوى والتحديات التى تواجهه كون أنتاجه عالى التكلفة إلى جانب الأضرار البيئية التى يسببها... نعرض منه ما يلى.
طلبت اليابان خلال رئاستها الماضية لمجموعة العشرين إعداد دراسة عن دور الهيدروجين فى الطاقة. وأعدت وكالة الطاقة الدولية دراسة تحليلية شاملة فى عام 2019 حول الوضع الراهن للهيدروجين وإمكانات تطويره كوقود طاقوى، وخلصت الدراسة إلى أن الهيدروجين يتمتع خلال المرحلة الراهنة بدعم سياسى وتجارى غير مسبوق؛ حيث إن سياسات ومشاريع تطويره ومحاولة استغلاله كوقود طاقوى حول العالم تنتشر بسرعة، واستنتجت الدراسة، أن الوقت مناسب الآن لتطوير تقنيات استغلال الهيدروجين وتقليص تكاليف الإنتاج لتسهيل منافسته أنواع الوقود الأخرى وشيوع استعماله، واقترحت الوكالة للحكومات والشركات الصناعية الطرق والوسائل لتحقيق الاستفادة القصوى لاستغلال طاقة الهيدروجين.
تشير الدراسة إلى أن إمدادات الهيدروجين للمصانع فى الوقت الراهن هى عملية تجارية رائجة حول العالم، وأن هذه الإمدادات قد ازدادت ثلاث مرات منذ عام 1975، وأن الطلب فى ازدياد مستمر، من الجدير بالذكر، أن الأغلبية الساحقة لمصدر الإمدادات هو الوقود الأحفورى، بحيث إن 6 فى المائة من الغاز العالمى و2 فى المائة من الفحم العالمى يستعمل لإنتاج الهيدروجين. من ثم، فإن إنتاج الهيدروجين مسئول عن انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بما يساوى انبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى بريطانيا وإندونيسيا معا.
كما تفيد دراسة وكالة الطاقة الدولية، بأن هناك ازديادا ملحوظا فى عدد الدول التى تدعم صناعة الهيدروجين. وتضيف الوكالة، أن هناك فى الوقت الراهن 50 هدفا وتوصيات وسياسات لتشجيع استهلاك الهيدروجين أو لاستهلاكه بشكل مباشر، معظمها فى قطاع المواصلات. ومن الملاحظ، أنه خلال السنوات القليلة الماضية، ارتفع الإنفاق الحكومى العالمى على أبحاث طاقة الهيدروجين وتطوير أبحاثه وطرق استعماله، وإن كان هذا الإنفاق العالى أقل مما صرفته الحكومات فى هذه المجالات نفسها قبل ذروة إنفاقها على أبحاث الهيدروجين فى عام 2008.
***
يتم إنتاج الهيدروجين، كما ذكرنا أعلاه، من الوقود الأحفورى. وكذلك من الكتلة العضوية (الوقود العضوى) ومن المياه، أو من دمج العنصرين الأخيرين معا. ويشكل حاليا الغاز الطبيعى المصدر الأساسى لإنتاج الهيدروجين؛ حيث يشكل الإنتاج من الغاز نحو ثلاثة أرباع الإنتاج العالمى من الهيدروجين، أو نحو 70 مليون طن سنويا، وهذا يشكل بدوره 6 فى المائة من إنتاج الغاز العالمى. ويشكل الإنتاج من الفحم المرتبة الثانية؛ نظرا للاحتياطى الضخم المتوفر للصين، من ثم استهلاكه العالى هناك، كما يتم إنتاج كمية محدودة من الهيدروجين من النفط والكهرباء.
تشكل قيمة المحروقات الجزء الأكبر من كلفة إنتاج الهيدروجين حاليا؛ حيث تتراوح هذه الكلفة ما بين 45 و75 فى المائة من مجمل قيمة كلفة الإنتاج، هذا فى حين أقل من 0.1 فى المائة فقط من إنتاج الهيدروجين فى الفترة الراهنة يتم الحصول عليه من التحليل الكهربائى المائى، إلا أنه مع توقع انخفاض أسعار الكهرباء المنتجة بالطاقات المستدامة، بالذات الطاقة الشمسية والرياح، فهذا قد زاد الاهتمام لاستعمال التحليل الكهربائى المائى نظرا لانخفاض كلفة كهرباء الطاقة المستدامة عن الكهرباء التقليدية. وهناك بالفعل مشاريع عدة قد تم تشييدها التى تستعمل التحليل الكهربائى المائى مستخدمة الطاقات الكهربائية المستدامة ومياه البحار. الأمر الذى قلص تكاليف الإنتاج بنسبة عالية. ومما يساعد أيضا فى الوقت نفسه توفر مياه البحار بشكل وافٍ.
***
ما هو مستقبل وقود الهيدروجين؟ تشير دراسة الوكالة، إلى أنه مع الاهتمام العالمى الواسع بالهيدروجين خلال المرحلة الحالية، فمن الضرورى انتهاز الفرصة لدعم الاستثمارات فى التقنيات الحديثة لإنتاج الهيدروجين والبحث فى إمكانية تقليص كلفة إنتاجه، وكذلك تشجيع الصناعات المعتمدة عليه، هذا بالإضافة إلى جعل إنتاجه صديقا للبيئة.
وتشير الدراسة إلى أنه رغم أن الهيدروجين يستعمل حاليا بشكل واسع على الصعيد العالمى، فإن الوقود لا يزال ملوثا للبيئة. من ثم، يتوجب تحويله إلى صديق للبيئة وبتكاليف قليلة منافسة؛ ذلك لكى يستطيع أن يصبح وقودا ملائما للمتطلبات المستقبلية.
واقترحت وكالة الطاقة الدولية حزمة من السياسات التى يمكن للحكومات أو الصناعات تنفيذها جميعا أو البعض منها لكى يكون بالإمكان استعمال وقود الهيدروجين كطاقة نظيفة وبكلفة أقل.
1ــ يتوجب على الحكومات والأقاليم والمدن تخصيص دور للهيدروجين فى خططهم المستقبلية، بالذات، فى قطاعات التكرير، الكيماويات، صناعات الحديد والصلب، قطاع الشحن ووسائل المواصلات الطويلة المدى، والمشاريع السكنية والمنازل، ومحطات توليد وتخزين الكهرباء.
2ــ تبنى سياسات لدعم الأبحاث لتقليص كلف إنتاج الهيدروجين الصديق للبيئة. فهذه التقنية متوفرة حاليا، لكن يتوجب دعمها بالأبحاث اللازمة لتقليص كلف الإنتاج.
3ــ توحيد المواصفات القياسية وتقليص الإجراءات البيروقراطية غير الضرورية.
4ــ الاستغلال الأمثل للمناطق الاقتصادية الحالية وللبنى التحتية الجاهزة لكى تستعمل الهيدروجين النظيف للبيئة وقودا للطاقة.
خلاصة الأمر أن إنتاج الهيدروجين اليوم من الوقود الأحفورى هو أمر مكلف اقتصاديا من ناحية، ومضر للبيئة من ناحية أخرى. كما أن تشييد بنى تحتية متخصصة لتوزيع ونقل الهيدروجين قد أثبتت التجارب أنها عملية باهظة التكاليف وتتطلب الكثير من الوقت. لذا يتوجب التعاون والتنسيق مع بقية القطاعات المماثلة. على سبيل المثال، فإن تشييد محطات وقود فى المرحلة الحالية الأولية عمل مكلف للغاية؛ لذا يقترح خلال المراحل الأولية توزيع الهيدروجين فى محطات الوقود التقليدية الحالية نفسها، وهذا أمر سيتطلب تعديلات قليلة الكلفة نسبيا مقارنة بتشييد محطات متخصصة بالهيدروجين فقط.
إن الأغلبية الساحقة من إنتاج الهيدروجين اليوم مصدره الوقود الأحفورى؛ الأمر الذى ينتج منه الكثير من التلوث. لذا؛ إما إنتاج الهيدروجين من الكهرباء المنتجة من الطاقة الكهربائية المستدامة، أو حصر ثانى أكسيد الكربون الناتج منه وإعادة حقنه أرضا.