نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبداللطيف الزبيدى، تحدث فيه عن المخزون الثقافى الموروث وكيف أدى إلى إخراج أناس تصلح لما قبل ألف عام، داعيا إلى ضرورة تعديل هذه الموروثات، وضرورة تبنى علماء اللغة تحديثات لمواجهة هذه الأمية العربية التى وصلت إلى حد الإيمان بالخرافة، ولم تقف عند حد عدم المعرفة بالقراءة والكتابة... نعرض من المقال ما يلى.
هل من حرج على قدمائنا إذا كان المخزون الثقافى الموروث يفتقر إلى البحوث العلمية المنهجية؟ ذلك كان عاديا، أما أن يتناقله أبناء زماننا على أنه حقائق ووثائق، ويرصعوا به حساباتهم ومواقعهم على الشبكة، فهذا دليل على أن مناهج التعليم العربية نجحت فى تخريج أناس يصلحون لما قبل ألف سنة. الظاهرة تدل على أن تكوين العقل العربى لم يحدث فى تنشئته تحول جذرى وغير هذا كثير.
لا تزال حسابات بلا حساب تردد أمورا تجعل العقل العربى هزؤا أمام العالم، كالقول: من هو أول من نطق بالعربية؟ فيأتى الجواب من أزمنة شتى. من السذاجة أن يتصور أحد أن التراث يفرض علينا الأخذ به جملة وتفصيلا، وأن التصحيح والتعديل والتحوير والتغيير الجزئى أو الكلى عقوق ومروق. هذا المثال الرائج بين بضائع سوق الشبكة أسوأ من إعلانات المواد الغذائية الضارة، فهذه أضرار وفوقها إساءة إلى عقولنا. لن نذهب إلى نظرية المؤامرة وندعى أن نشر هذا الموروث الذى كان قديما مقبولا، تعيد جهات مغرضة طرحه لتشويه صورة العقل العربى، وجر فئات أخرى من العرب إلى نبذ البحث العلمى والتحقيق.
المشكلة تربوية تعليمية قطعا، وهى ضاربة الجذور فى التاريخ. لقد انشغل القدامى طويلا بقضية: هل اللغة توقيفية أم لا؟ أى أن يصحو أحد من النوم وإذا به يتكلم لغة كاملة بنحوها وصرفها، من دون سابق علم بها. من المسئول عن انتشار هذا الخيال العجيب فى الأدمغة، وانتقاله إلى مواقع الشبكة؟ هذا دليل على أن غربلة الميراث الثقافى عديمة الأثر، وهنا علينا أن نسأل عن الدور التوعوى التحديثى الفكرى الذى يلعبه علماء اللغة العربية والمفكرون والنقاد، فى إيجاد جسور فعالة إلى المؤسسات التعليمية، إلى جانب بث الوعى عبر وسائط الإعلام؟
مأساة أن يتوهم الناس أن المسألة بسيطة لا تحتاج إلى إثارة ضجة، بينما القضية ككرة الثلج؛ لكونها بعد كشف تقصير المؤسسات المعنية تكشف مدى استفحال الأمية الذى تجاوز انعدام القراءة والكتابة إلى داء التفكير الخرافى اللامعقول. أصحاب المواقع يستطيعون القراءة والنشر على الشبكة، المصيبة تكمن فى سوء أداء الدماغ. تخيل أن يتبرع الذين هم على نياتهم بنقل هذه الأدواء إلى أسرهم على أنها علم نافع!
النتيجة القياسية: هذا الموضوع لا يقتصر على النقطة المطروحة، فالمحور هو تحديث تكوين العقل العربى لإعداده لريادة البحث العلمى فى عصر العلوم والتقانة.