للمرة الثانية .. هل يفشل مشروع زويل؟ - ايمان رسلان - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 8:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

للمرة الثانية .. هل يفشل مشروع زويل؟

نشر فى : السبت 31 مارس 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : السبت 31 مارس 2012 - 9:20 ص

فى صباح أول أيام عام 2000 كنا مجموعة من الصحفيين نقف فى صحراء مدينة 6 أكتوبر ننتظر وصول د.أحمد زويل بصحبة رئيس الوزراء عاطف عبيد وعدد من وزراء حكومته لوضع حجر الأساس لمشروع د.زويل العلمى. حيث كانت مصر تعيش وقتها حالة من النشوة بسبب حصول ابن آخر لها (بعد محفوظ) على جائزة نوبل، لا سيما وأن الجائزة هذه المرة كانت فى العلم الذى ظن الكثيرون أنه حلم بعيد المنال. وفى عام 2009 كنت فى طريقى إلى مدينة 6 أكتوبر حينما شاهدت حركة عمران واسعة فى نفس الموقع الذى حضرت وضع حجر الأساس له ولكن هذه المرة تغيرت اللافتة لتحمل اسم جامعة النيل !

 

●●●

 

ما بين التاريخين كانت قد جرت مياه كثيرة على الساحة السياسية والتعليمية أدت إلى أن يدخل مشروع زويل العلمى إلى كهوف النسيان. وكان ذلك حسبما تقصيت من معلومات (وأغلبهم ما زال حيا يرزق) يعود إلى الضوء الأحمر الذى أعطته القيادة السياسية ليموت المشروع فى هدوء!! وبالإلحاح فى سؤال جهات عديدة حول الأسباب كانت الإجابة هى عدم الارتياح للدكتور زويل شخصيا خاصة مع ازدواج جنسيته المصرية الأمريكية، وكذلك زياراته المتكررة لعدد من الدول التى لا ترحب مصر بها. وهناك من فسر الأمر أيضا بالغيرة العلمية التى تحكم مقادير صنع القرار العلمى فى مصر والتى استخدمت أساليب البيروقراطية المصرية حتى يتوقف المشروع من تلقاء نفسه ومن ثم يتم دفنه نهائيا.

 

وتزامن مع ذلك أن تغيرت وزارة عبيد ليتولى وزير الاتصالات د.أحمد نظيف مسئولية الحكومة ويبدأ معها تطبيق طموحه ورؤيته الخاصة لمستقبل العملية التعليمية فى مصر.  فبعد ان فشل مشروعه لخصخصة الجامعات المصرية نتيجة عقبات قانونية ودستورية تحولت فكرته إلى إنشاء جامعة خاصة، وبالفعل بدأ فى تحويل المركز الصغير التابع لوزارته السابقة فى الاتصالات إلى نواة لهذه الجامعة التى حملت اسم «جامعة النيل» وسعى ليكون مقرها على أرض مشروع د.زويل. والأكثر من ذلك أنه ضغط على شركات الاتصالات لتخصص الأموال والمعونات للمساهمة فى ضخ التبرعات والهبات لتمويل إنشاء الجامعة الجديدة التى تمت أغلبها باستثمارات حكومية من وزارة الاتصالات.

 

وحينما اكتملت نواة المشروع من أراض بتمويل حكومى فى الأساس سعى لاكتمال الشكل القانونى تم الحصول على القرار الجمهورى عام 2006 بإنشاء جامعة خاصة والتى قيل فى حيثيات الترخيص إنها جامعة بحثية، ولكن بعد إتمام الإشهار بفترة قليلة سرعان ما تغيرت الأهداف وفتحت الجامعة أبوابها لقبول طلاب الثانوية العامة بمصروفات تجاوزت الخمسين ألف جنيه مصرى، بل وتجاوزت طموحات نظيف التعليمية فى استخدام المخصصات المالية الحكومية لإنشاء «مدارس النيل الدولية» التى تدرس المناهج الأجنبية لكى تمد الجامعة على المدى البعيد بكوادرها من الطلاب.

 

●●●

 

ولكن الرياح دائما تأتى بما لا تشتهيه السفن. فقامت ثورة يناير وأطيح بالدكتور نظيف، وتعطل تحويل الجامعة الخاصة إلى أهلية. وخلال أيام قليلة من تولى أحمد شفيق رئاسة الحكومة تم إصدار قرار وزارى بنقل تبعية وأصول الجامعة إلى صندوق التعليم التابع لمجلس الوزراء على اعتبار أن ذلك «مال عام».

 

هذه المقدمة التى طالت كثيرا ولكنها مهمة وضرورية حتى نتعرف على تفاصيل وخلفيات المشهد الحالى فى قصة الصراع الذى يحمل اسم «جامعة النيل».  ولم يكن حتى تلك اللحظة التى تم فيها تحويل الجامعة إلى الإشراف الحكومى وموافقة مجلس الأمناء عليها قد ظهر اسم د.زويل فى الصورة، ولكنه ظهر بقوة بعد ذلك حينما تولى د.عصام شرف المسئولية وتقرر بالضغط الشعبى أن تعود الحياة إلى مشروع زويل العلمى وتم الاتفاق  على عودة مشروعه القديم على نفس الأرض التى شهدت وضع حجر الأساس بها ، ورأت الحكومة أنه بما أن «جامعة النيل» مال عام يخضع لإشراف وولاية صندوق التعليم فليس هناك ما يمنع من أن يكون ذلك بمثابة النواة ونقطة البداية لإحياء المشروع القديم.. وكان هذا كلاما منطقيا وواضحا.

 

 ولكن مرة أخرى تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن وتتغير حكومة شرف ويحدث الصدام بين مشروع خرج للنور فى أطر لا تخفى على أحد أقلها العبث بالمال العام حتى وإن كان الهدف نبيلا وهو التعليم والبحث العلمى ، وبين مشروع جديد طال الحديث عنه أكثر مما ينبغى ولم ير النور بعد. وآن الأوان وبعد ثورة شبابية فى الأساس من إعادته إلى مساره مرة أخرى حتى لو كان به الكثير من المطبات.

 

وبدلا من حسم واضح بين الملفين ووضع الخطوط الفاصلة بينهما لا سيما فى إطار الدمج ،خاصة وأن كليهما ينتمى إلى المال العام. فإن الأمور تركت للتداعيات بدون إيضاح كامل للحقائق على الأرض. هنا تحول الصدام الخفى إلى العلن ، بل تحول فى الأيام الأخيرة إلى حملة منظمة ضد المشروع الوليد الذى حمل اسم د.زويل.  وزاد من تعقيدات المشهد الحالى دخول مجلس الشعب على الخط عن طريق تقديم طلبات للأسئلة والإحاطة حول الأزمة الحالية التى يبدو من استعراض ما يقال فى أوراقها أنها غير مرحبة بالمشروع الجديد وباسم صاحبه أيضا.

 

بل وتطور الأمر هذا الأسبوع ليدخل القضاء المصرى على خط الأزمة بعدما رفع طلاب وأولياء الأمور يجامعة النيل وعددهم 85 طالبا قضية يطالبون فيها بأحقيتهم فى المبانى لتتحول بذلك إلى قضية علمية وبحثية إلى أزمة مبان وخلاف على تخصيص عقار!!!

 

وهكذا بسبب السياسة ودهاليزها قد يدخل مشروع د.زويل  النفق المظلم ــ مرة ثانية ــ ونسى الجميع أنه يمكن أن تختلف مع د.زويل وآرائه ، ولكن الشىء الذى لا يمكن أن تختلف عليه هو أن مثل هذا المشروع العلمى يمكن أن يمثل إضافة جديدة للبحث العلمى فى مصر وإطلالة حقيقية ــ إذا خلصت النوايا من الجميع ــ على عصر البحث العلمى الذى غابت مصر طويلا عن خارطته العالمية.

 

●●●

 

الخاسر الأكبر فى صراع الإرادات وسياسة العناد الحالى هو شباب مصر الذى حلم بالمستقبل العلمى ويتعلق «بشعرة» .. فإذا بالسياسة وأبواب المصالح بها تهدد بالعصف بآماله فى مستقبل أفضل كما عصفت المصالح بآماله فى جنى ثمار ثورته

ايمان رسلان صحفية متخصصة في التعليم
التعليقات