منحنيات خطرة: الإرهاب وما حوله - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 11:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منحنيات خطرة: الإرهاب وما حوله

نشر فى : الأربعاء 31 مايو 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 مايو 2017 - 9:10 م
الحرب مع الإرهاب لا تحسم بضربة قاضية وقد تستهلك معاناتها فترات طويلة.
لا يوجد أمن مطلق أو مجتمع بلا ثغرات.
التحدى الحقيقى أمام مصر الآن هو خفض كلفة هذا النوع من الحروب بما يساعد على تحمل أى ضربات مباغتة دون اهتزاز فى تماسك المجتمع والنيل من ثقته فى نفسه.
وهذه مسألة سياسية قبل أن تكون أمنية.
أهم ما يجب الاعتراف به أنه لا توجد أى استراتيجية متماسكة ومقنعة قادرة وكفؤة على حسم الحرب بأقل كلفة ممكنة.
الأمن يتحمل قسطه لكنه ليس وحده وإلا فإنه يحمل فوق طاقته.
فى مصر، كما أى دولة فى العالم، لا أمن بلا سياسة، كما أن الأمن ليس بديلا عن السياسة.
وأخطر ما يجب الاعتراف به أن الأخطاء السياسية تتكاثر فى المشهد العام كأنها ألغام مرشحة للانفجار عند المنحنيات الخطرة.
أول منحنى خطر، تواصل استهداف الأقباط المصريين فى مدى زمنى متقارب كعمل منهجى مقصود.
الضرب على البطن الرخوة هدفه إثبات عجز الدولة عن حماية مواطنيها وجر المجتمع إلى فتن طائفية مدمرة تأخذ منه سلامته الداخلية وقدرته على مواجهة أى أزمات أخرى.
جرى استهداف الأقباط فى سيناء بالترويع حتى أصبح تهجيرهم أمرا مقبولا.
وجرى استهداف كنيسة البطرسية فى قلب القاهرة وبعدها كنيستا طنطا والاسكندرية حتى يكون الذعر من ارتياد دور العبادة أمرا معتادا.
وجرى استهداف حافلة للأقباط فى المنيا، كانت متوجهة لأحد الأديرة، حتى يكون الموت حاضرا عند كل ناصية.
بأى مدى منظور من غير المستبعد ارتكاب جرائم إرهابية أخرى ضد الأقباط بصورة جديدة، ربما أكثر بشاعة.
لم يكن حادث المنيا «انتحاريا» ولا استخدمت فيه طاقة تفجير كبيرة مثل العمليات التى سبقته.
اعتمد أساسا على المعلومات والمتابعة قبل الحركة والتنفيذ ومغادرة مسرح الجريمة، وهذا مؤشر على التمركز بالقرب من المكان.
ثم أنه تعمد أن يترك بعض الصبية على قيد الحياة حتى يحكوا مشاهد الفزع التى انتابت الضحايا وقدر العنف الذى ارتكبه المتشددون.
وقد كانت للعمليات الجوية المصرية على معسكرات لجماعات متشددة داخل ليبيا قيمة سياسية ومعنوية لكنها لا تحول دون المساءلة الجدية عن حجم التمركز الإرهابى فى الداخل وقدرته على توجيه ضربات موجعة، وأين مواطن الخلل فى الأمن والسياسة؟
أرجو ألا ننسى أن ذلك الحادث الإرهابى جرى فى ظل حالة «الطوارئ» وتغليظ القوانين بصورة غير مسبوقة.
لا «الطوارئ» حالت دون نقلته النوعية الخطيرة ولا العقوبات المغلظة ردعت جماعات العنف.
ما نحتاج إليه بالضبط رفع مستوى أجهزة المعلومات حتى يمكن إجهاض الجريمة الإرهابية قبل وصول مرتكبيها إلى أهدافهم.
إذا ما وصل الانتحارى إلى عين المكان فكل شىء انتهى.
أسوأ النتائج المتوقعة من استهداف الأقباط الانكفاء من جديد بعيدا عن العمل السياسى الوطنى، الذى تقدموا إلى ميادينه كمواطنين فى غمار ثورة «يناير».
عندما تتعطل حيوية الدمج السياسى يخسر المجتمع قدرته على التوحد الطوعى فى الحرب على الإرهاب.
وثانى منحنى خطر، الضيق البالغ بأى قدر من الحريات والتنوع فى المجال العام.
عندما تضيق الدول تضعف مناعتها على نحو منذر.
قضية السياسة الأولى صناعة التوافقات الوطنية.
وهذه غائبة بفداحة.
الحوار العام شبه متوقف والمجتمع المغلق مشروع انفجار محتمل.
التماسك قضية اقتناع لا فرض، ثقة لا خوف، حوار لا إقصاء.
«دولة القانون» مدخل ضرورى لكسب الحرب على الإرهاب و«جمهورية الخوف» تصب فى طاحونته الدموية، فالخائفون لا يقدرون على أى مواجهة قادرة على الحسم.
العدل الاجتماعى مدخل ضرورى آخر.
التمييز الاجتماعى أزمة مواطنة، كما التمييز الدينى.
الضيق بالعمل الأهلى التطوعى ــ كما فى قانون الجمعيات الأهلية الذى جرى إقراره على نحو مفاجئ ــ يفضى إلى تفريغ حيوية المجتمع ويوفر مزيد من الحضانات الاجتماعية للعنف والإرهاب.
نحن نتحدث عن أكثر من (٤٥) ألف جمعية أهلية أغلبها تساعد فى توفير خدمات صحية وتعليمية لمناطق تعجز الدولة عن الوصول إليها.
من يملأ الفراغ؟
إنها الجماعات التى توصف بالإرهاب.
هكدا فإنه باسم ضمانات الأمن يمكن أن يجد الإرهاب بيئاته الحاضنة.
لا يمكن بأية استراتيجية جادة للحرب على الإرهاب كسبها دون أن يكون هناك تماسكا اجتماعيا يطمئن إلى غده ويستشعر عدالة فى توزيع الأعباء لا أن تتحملها ـ كالعادة ـ الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا.
الأزمة الاجتماعية المتفاقمة كحقيبة متفجرات يمكن أن تنفجر بأى وقت.
صوت الآنين الاجتماعى يغلب أى صوت آخر تحت وطأة ارتفاعات الأسعار.
ذلك الآنين المتصاعد يسحب من رصيد التماسك الضرورى للحرب مع الإرهاب.
وهذه مسألة الاستهانة بها مكلفة.
وثالث منحنى خطر، ما يتبدى الآن من توجه لإنهاء تسليم جزيرتى «تيران» و«صنافير» قبل بداية شهر يوليو وإنزال العلم المصرى من فوقهما.
تجرى الآن تحركات واجتماعات غير رسمية وغير معلنة مع نواب بالبرلمان على مستويات عدة لتمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية السعودية على الرغم من الأحكام القضائية الباتة من المحكمة الإدارية العليا ببطلان توقيع الاتفاقية ومصرية الجزيرتين.
لن تكون هناك مشكلة كبيرة فى تمرير الاتفاقية داخل البرلمان، غير أن كل المشكلات سوف تبدأ بعد ذلك التمرير.
البرلمان سوف يفقد اعتباره ومستقبل الدولة سوف يوضع بين قوسين.
هكذا يجد البلد نفسه أمام مجازفة كبرى تقوض الشرعية وتضرب أمنه القومى وتهز بعمق أية ثقة فى نظامه القانونى، أو أى اعتبار للدستور.
وهذه ليست أمورا عارضة يمكن تجاوزها فى يوم أو اثنين، عقد أو اثنين.
كما أنها تسحب من رصيد أى تماسك ممكن فى الحرب مع الإرهاب.
ذلك يستدعى الاستماع إلى صوت العقل وأن توقف أى مجازفة من هذا النوع حتى لا ندخل فى غيبوبة طويلة لا يعرف أحد المدى الذى سوف تصل إليه فداحتها.
وإذا وضعنا فى الاعتبار التزامن بين التخلى المحتمل عن الجزيرتين ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء فإن المجازفة تفضى إلى اضطرابات لا يحتملها بلد منهك وصدامات محتملة تدفع البلد إلى منزلقات بلا نهاية.
كل عطب يمكن إصلاحه وكل خلل قابل للتصحيح.
هذه إحدى حقائق العمل السياسى.
غير أن هناك تصرفات تستعصى على أى إصلاح أوتصحيح مثل التخلى عن الجزيرتين التى تؤمن أغلبية المواطنين أنهما مصريتان.
بالحساب القانونى هذا خطأ فادح.
بالحساب السياسى فإنها خسارة مسبقة.
وبالحساب الأمنى فإنها غير مأمونة العواقب.
وبالحساب الاجتماعى فإن شيئا جوهريا سوف يكسر وحسابه عسير مهما طال الزمن.
تلك المجازفة المحتملة توفر لجماعات العنف والإرهاب غطاء سياسيا وأخلاقيا لا تستحقه على أى نحو، أو بأى قدر.
حتى الإرهابيون يحتاجون إلى مثل تلك الغطاءات وذلك يفتح أبواب جهنم على البلد كله.
أرجو التنبه للكمائن الماثلة عند المنحنيات الخطرة قبل فوات الأوان.