خطأ استراتيجى وكارثة أخلاقية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطأ استراتيجى وكارثة أخلاقية

نشر فى : الأربعاء 31 يوليه 2024 - 7:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 يوليه 2024 - 7:50 م

فى منتصف يوليو الماضى، أجرى الكاتب مايكل يونج حوارا مع ستيفن م. والت، أستاذ الشئون الدولية، ومدير برنامج الأمن الدولى فى مركز بيلفر التابع لكلية كينيدى فى جامعة هارفرد، لمناقشة تأثير الحرب الدائرة فى غزة على القوة الأمريكية وعلى إسرائيل، ولا سيما فى ظل سياق دولى متغيّر تواجه فيه الولايات المتحدة تحدّيات من دول الجنوب العالمى.. نعرض أبرز ما جاء فى المقابلة كما يلى:

مايكل يونج: كيف تقيّم أداء كلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة فى حرب غزة؟
ستيفن والت: شكّلت هذه الحرب كارثة لكلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة، على الرغم من أن سكان غزة، بمن فيهم عشرات آلاف القتلى هم الذين تكبّدوا المعاناة الأكبر. لقد ظنّت إسرائيل أن بإمكانها إقامة «إسرائيل الكبرى»، وحرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه السياسية إلى الأبد. لكنها فشلت فى رصد الهجوم الذى نفّذته حماس فى 7 أكتوبر. ومنذ ذلك الحين وهى تشنّ حربًا وحشية كان هدفها المزعوم القضاء على حماس، إلّا أنها عجزت عن تحقيق ذلك. أدت إلى إلحاق أضرار جسيمة بمزاعم إسرائيل بامتلاك الشرعية الأخلاقية، وفاقمت الانقسامات المتنامية داخل إسرائيل نفسها.
أما طريقة تعامل إدارة بايدن مع الحرب فكانت مروّعة. لم توجّه الولايات المتحدة سوى أخفّ الانتقادات لأفعال إسرائيل وفشلت فى استخدام أوراق الضغط التى فى حوزتها لإنهاء المذابح. وتبيّن أن مزاعم الإدارة الأمريكية بدعم «نظام قائم على القواعد» كانت جوفاء، ولم تسهم سوى فى تزويد النقّاد والخصوم حول العالم بأسباب وفيرة لتوجيه المزيد من الانتقادات إليها. أحيانا تقتضى الضرورات الاستراتيجية من الدول اتّباع سياسات مشبوهة أخلاقيًا، لكن فى هذه الحالة تُعدّ السياسة الأمريكية خطأ استراتيجيًا فادحًا وكارثة أخلاقية.
• • •
يونج: ألّفت كتابًا مثيرًا للاهتمام قبل بضع سنوات، حمل عنوان The Hell of Good Intentions: America’s Foreign Policy Elite and the Decline of U.S. Primacy جحيم النوايا الحسنة: نخبة السياسة الخارجية الأمريكية وانحدار التفوق الأمريكى، جادلت فيه بأن الولايات المتحدة منخرطة بما أسميته «الهيمنة الليبرالية». وعنيتَ بذلك أنها سعت إلى نشر الديمقراطية فى جميع أنحاء العالم. لكن الدعم العسكرى الأمريكى لإسرائيل ضد غزة نمّ عن سلوكٍ غير ليبرالى بشكل صارخ. هل تعتقد أن الحرب على غزة قادرة على تقويض مفهوم «الهيمنة الليبرالية»؟
والت: الدعم لنهج «الهيمنة الليبرالية» يتضاءل قبل اندلاع حرب غزة بفترة طويلة. يُضاف إلى ذلك أن الديمقراطية تشهد انحدارًا فى العالم أجمع منذ خمسة عشر عامًا، ناهينا عن عدم وجود حماسة كافية اليوم لتغيير الأنظمة بقيادة الولايات المتحدة أو بذل جهود تستند إلى القوة المفرطة لنشر الديمقراطية. وقد تراجع دونالد ترامب وجو بايدن على السواء عن الالتزام الأمريكى السابق بهدف «العولمة المفرطة» غير المقيّدة. لكن بايدن ما زال يميّز بشكل قاطع بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة السلطوية، وقد أدان هو ووزير الخارجية أنتونى بلينكن روسيا وإيران وبعض الدول الأخرى لانتهاكها المعايير الدولية. لكن حرب غزة تكشف عن النفاق الكبير فى هذه المسائل.
• • •
يونج: كيف قد يتصرّف ترامب برأيك فى حال انتخابه مرة ثانية، ولا سيما حيال الشرق الأوسط؟
والت: كانت مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية قادرة خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى على احتواء الكثير من مبادراته لأنه لم يكن مخضرمًا وواسع المعرفة، لكن إن انتُخب مجدّدًا، ستواجه المؤسسة صعوبة أكبر فى السيطرة عليه. فسيكون واثقًا أكثر بقراراته، إذ كان أمام حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» أربع سنوات لوضع لائحة طويلة من الأشخاص الذين يشاركون ترامب وجهات النظر نفسها لتعيينهم فى المناصب العليا. وقد تستمر مؤسسات الخدمة العامة الدائمة فى الوقوف فى وجه مساعيه، لكن المجموعات الجمهورية المتنفّذة تبذل قصارى جهدها لتخطّى هذه العقبات.
مع ذلك، لا أعتقد أن هذا الأمر سيؤثر كثيرًا على المقاربة التى ينتهجها ترامب تجاه الشرق الأوسط. فهو قدّم لإسرائيل كل ما أرادته خلال فترة ولايته الأولى، والمرشح لمنصب نائب الرئيس جاى. دى. فانس يعتقد أن على الولايات المتحدة توفير المزيد من الدعم حتى لمساعدة إسرائيل على تدمير غزة، وأن ترامب يريد كسب ودّ حكّام مثل ولى العهد السعودى محمد بن سلمان. وهذا ما كان بايدن يقوم به أيضًا. ترامب لن يتقرّب من إيران أو يحرّك ساكنًا للتشجيع على تحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين. فهو ببساطة لا يكترث لهذه القضايا. والنبأ السار هو أن ترامب لن يكون متحمّسًا للتدخّل عسكريا فى الشرق الأوسط، حتى لو أن أفعاله قد تزيد احتمال نشوب صراع إقليمى.
• • •
يونج: فى العام 2007، ألّفتَ مع زميلك جون ميرشايمر، كتابًا عن اللّوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة. هل ترى اختلافًا عن الوضع الذى وصفته فى العام 2007؟
والت: تغيّرت الكثير من الأمور منذ أن نشرنا كتابنا فى العام 2007. آنذاك، كان الموضوع لا يزال من المحرّمات. لم يكن بإمكانك الحديث عن النفوذ السياسى للّوبى الإسرائيلى من دون تلّقى وابلٍ من الاتهامات الكاذبة والشتائم. أما اليوم فبات الناس يتحدثون عن هذا اللّوبى بصراحة.
فى نهاية المطاف، ثمة تغيّر كبير يطرأ على مواقف الشباب الذين ينتقدون إسرائيل والصهيونية عمومًا أكثر بكثير من الأمريكيات والأمريكيين الأكبر سنًّا. وينطبق هذا أيضًا حتى على الكثير من اليهود الأمريكيين الأصغر سنًّا، الذين لا يعتبرون إسرائيل نموذجًا أو مصدر إلهام كما كان يراها أهلهم. حتى إن بعضهم ينظر إلى سلوك إسرائيل على أنه خيانة للقيم اليهودية.
المؤسف أن هذه التغييرات لم تُحدث تحوّلًا كبيرًا فى السياسة الأمريكية. لقد فقد اللّوبى الإسرائيلى السلطة الأخلاقية، لكن ما زال يؤثّر بشكل كبير على الساسة وصنّاع السياسات، ويُعزى ذلك بصورة أساسية إلى قدرته على تخصيص مبالغ مالية ضخمة لدعم مرشّحيه المفضّلين فى الانتخابات الأمريكية. لنأخذ مثالًا على ذلك لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية وغيرها التى أنفقت مبالغ قياسية، ناهزت 14 مليون دولار أمريكى، لضمان خسارة النائب جمال بومان فى الانتخابات التمهيدية الأخيرة، لمجرّد انتقاده ارتكابات إسرائيل فى غزة.
• • •
يونج: من اللافت بالنسبة لى التباين الشاسع بين مواقف النخب فى الولايات المتحدة والغرب بشكلٍ أوسع، وبين من هم خارج الغرب، حيال ما يجرى فى غزة. هل يُنبئ ذلك بما سيؤول إليه فى المستقبل نموذج الهيمنة الليبرالية فى العالم، الذى تدافع عنه الولايات المتحدة؟
والت: لا شكّ من أن الفجوة كبيرة بين النخب الأمريكية والغربية من جهة، والجنوب العالمى من جهة أخرى، حيال هذه المسألة. ويُعزى ذلك إلى أسباب عدّة. فقد حدث تعاطفٌ عارمٌ ومفهومٌ تمامًا مع اليهود فى أعقاب المحرقة النازية لليهود (الهولوكوست)، وبالتالى أبدى الغرب دعمًا كبيرًا لإسرائيل منذ تأسيسها وحتى اليوم. فى المقابل، لم يُبدِ كثرٌ فى الغرب تعاطفًا يُذكر مع الشعب الفلسطينى، ولم يعرفوا حتى قدرًا كبيرًا عمّا حلّ بهم.
أما بالنسبة إلى سائر أنحاء العالم، فكان تأسيس إسرائيل قصة قديمة ومألوفة، أي: أتت مجموعة من الناس إلى هذه البلاد من الغرب وهجّرت وحكمت السكان المحليين (أو قامت بالأمرَين معًا) الذين كانوا يعيشون على هذه الأرض منذ قرون ويرغبون فى حكم أنفسهم.
تُعدّ هذه الفجوة القائمة بين المواقف والسياسات الغربية ومواقف سائر أنحاء العالم أحد أسباب الفشل الذى مُنيت به «الهيمنة الليبرالية»، لكن برأيى هذا ليس السبب الأهم. لقد افترضت الهيمنة الليبرالية أن الولايات المتحدة توصّلت إلى المعادلة السحرية لكيفية حكم دولة ما، وأن التاريخ يسير باتّجاه يتوافق مع الرأسمالية الليبرالية الديمقراطية. وافترضت أيضًا أن نشر المُثُل الليبرالية سيكون مهمّةً سهلة نسبيًا، وأن الدول الأخرى سترحّب بممارسة أمريكا الهيمنة الخيّرة. كما رأينا، كانت وجهة النظر هذه خاطئة تمامًا، لا بل ارتدّت علينا بنتائج عكسية.
مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى
النص الأصلى:

التعليقات