فى منتصف يوليو الماضى كانت هناك بوادر تصاعد للمنحنى الوبائى فى إشارة لموجة جديدة، أو ما يسمى بموجة رابعة، وقبلها، عالميا، ظهرت متحورات جديدة من الفيروس انتشرت بسرعة عالية بين جميع بلدان العالم، وخصوصا المتحور دلتا من فيروس كورونا، شديد العدوى والمسئول حاليا عن معظم الإصابات الجديدة فى الدول التى دخلها، والمتحور دلتا سيكون الأكثر هيمنة خلال الأشهر المقبلة وفقا لتوقعات منظمة الصحة العالمية.
فى السياق المصرى، وبخصوص المتحور دلتا، كان من المتوقع وصول المتحور دلتا كحال جميع بلدان العالم التى دخلها المتحور. وأعلنت وزارة الصحة (فى 23 أغسطس) أنه تم اكتشاف أول حالة مصابة بمتحور دلتا فى مصر فى منتصف يوليو الماضى لسيدة وحالتها لم تستدع الذهاب إلى مستشفى، وتوقعت وزارة الصحة ارتفاع أعداد مصابى فيروس كورونا خلال الأيام الماضية. والملاحظة الأساسية هنا هى، لماذا تأخر الإعلان عن ذلك لمدة شهر كامل؟ أولا يجب تقدير المجهود الذى يبذله التنفيذيون فى التعامل مع أزمة صحية غير مسبوقة والضغوط الشديدة والمفاجئة (مثل ضغط حصول العمالة التى ستسافر للخارج على اللقاح كشرط أساس) كل هذه الظروف ضغوط وأمور طارئة تشكل حملا وعبئا. ولكن، مع اجتياح فيروس كورونا المستجد للعالم، وحالة عدم اليقين والخوف، يحتاج المواطنون والمواطنات إلى مستوى معين من الشفافية، حتى تكون هناك ثقة فى إجراءات الدولة. ومع عدم الإعلان عن المعلومات أول بأول قد يتعذر على المواطنين التثبت مما إذا كانت التقارير والتحديثات اليومية صحيحة.
•••
ومن المتفق عليه الآن أن اللقاحات هى الوسيلة الحاسمة للسيطرة على الوباء وتحجيمه، ومنذ شهر يناير الماضى وقبل بدء حملة التطعيم القومية، كانت هناك توصيات ورؤية محددة بتوفير أكبر قدر ممكن من اللقاحات من خلال؛ التعاقد الثنائى مع الشركات (وهو ما لا نعرف تفاصيله حتى الآن)، والمساعدات الدولية (آلية كوفاكس)، والشراء الموحد (وهو ما حدث أخيرا من خلال آلية الشراء الموحد التابعة للاتحاد الإفريقى والتى وصلنا من خلالها إلى لقاح جونسون)، والاعتماد على التصنيع المحلى بما تسمح به البنية التحتية لدينا. وقد وقعت وزارة الصحة المصرية بالفعل اتفاقيتين لتصنيع لقاح «سينوفاك» الصينى، وتم الإعلان عن توريد أول مليون جرعة لحملة التطعيم القومية. وفى هذا السياق، أعلنت وزارة الصحة عن خطة طموحة بأنه شهريا سينتج من 15 مليون جرعة إلى 18 مليون جرعة من لقاح سينوفاك... ولكن هل هذه الأرقام واقعية وقابلة للتطبيق الفعلي؟ من المفترض أن تكون هناك إجابات واضحة من التنفيذيين على هذا السؤال.
وفى سياق الشفافية وأهمية المعلومات الدقيقة، هناك موضوع لم يتم بحثه أو نشر معلومات كافية عنه حول العلاقة بين معدلات المرضى فى المجتمع عموما والعبء المزدوج للمرض وبين معدلات الوفيات، وما يترتب على ذلك من فجوة معلوماتية لحصر وتفسير حالات الوفاة. وفى هذا الصدد، قد يكون سبب وضع مصر فى المنطقة الحمراء ببعض الدول هو قلة البيانات والمعلومات، والتى يحدث تأخير فى الإعلان عنها، بالإضافة إلى انخفاض معدلات التطعيم.
•••
الملف الأكثر أهمية الآن هو ما طرحته وزارة الصحة عن إلزامية التطعيم لبعض المجموعات فى المجتمع:
أولا: الأصل فى التطعيمات الأساسية أنها إجبارية، وقصص نجاح مصر عموما فى القضاء والسيطرة على بعض الأمراض المعدية عائد إلى ذلك؛ على سبيل المثال برنامج التطعيمات الأساسية الإجبارى القوى فى مصر.
ثانيا: فى ظرف مثل كوفيدــ19، ومع ندرة المنتج قياسا للطلب عالميا، وغياب عدالة توزيع اللقاح عالميا، من الممكن أن يكون التطعيم إلزاميا لبعض فئات المجتمع بعينها؛ مثل العاملين بالقطاع الصحى أو العاملين بالوظائف الأساسية والحيوية لاستمرار الحياة.
وعلى الرغم من اسمه، «التطعيم الإجبارى»، لا أحد يتحدث عن اللجوء إلى القوة أو التهديد بعقوبة فى حالات عدم الامتثال. إن سياسات «التطعيم الإلزامى» تحد من الاختيار الفردى بطرق عديدة عن طريق جعل التطعيم شرطا، على سبيل المثال، للذهاب إلى المدرسة أو العمل فى قطاعات أو أماكن معينة، مثل الرعاية الصحية. وذلك بالتوازى مع العمل على القيام بنشر المعلومات الصحيحة عن أهمية التطعيم والقيام بحملات للتوعية.
ومن الضرورى الإشارة إلى أن مصطلح الترخيص بالاستخدام فى حالات الطوارئ لا يقلل من أمان وفاعلية وجودة اللقاح، بحسب منظمة الصحة العالمية يتيح الإجراء المتعلق بإذن الاستخدام فى حالات الطوارئ بموجب بروتوكول الاستعمالات الطارئة تقييم مدى ملاءمة المنتجات الصحية الجديدة فى حالات طوارئ الصحة العامة. والغرض منه هو إتاحة الأدوية واللقاحات ووسائل التشخيص بأسرع ما يمكن من أجل التصدى للطارئة، مع التقيد بالمعايير الصارمة المتعلقة بالمأمونية والفعالية والجودة.
ويشمل إذن الاستخدام فى حالات الطوارئ تقييما صارما لبيانات التجارب السريرية المتأخرة للمرحلتين الثانية والثالثة، فضلا عن البيانات الإضافية الهامة بشأن المأمونية والفعالية والجودة، وخطة لإدارة المخاطر. ويتولى خبراء مستقلون تابعون للمنظمة مراجعة هذه البيانات. لذلك، كل اللقاحات التى وافقت عليها منظمة الصحة العالمية يجب الثقة بها. والإلزامية هنا لا تقيد من الحرية الشخصية. وحتى الدول الليبرالية بها برامج تطعيم إجبارية.
وفى الخلاصة، المحور الأهم الآن هو توفير أكبر قدر من اللقاحات، وتوفير معلومات عن مدى القدرة على تنفيذ الخطة الطموح بتطعيم ما يقرب من 5.5 مليون فى قطاع التعليم العالى وما قبل الجامعى قبل بداية الدراسة. وتوفير اللقاحات وتطعيم العاملين بالقطاعات الأساسية والحيوية كالتعليم (تحديدا قطاعات المخابز والكهرباء والمياه والنقل)، وبالطبع أعضاء الفريق الصحى، فلا نعلم حتى الآن معدلات التطعيم بينهم.