كتبت باميلا دروكرمان، مؤلفة وصحفية أمريكية، مقالا بعنوان «آخر المغامرات الأمريكية فى الخارج» نشرته جريدة نيويورك تايمز تناولت فيه كتابها الجديد «كيف يتخلص الشعب الفرنسى من القمامة». وهو يتعلق بأسلوب الفرنسيين الراقى والمهذب فى التعامل مع النفايات.
وتشير الكاتبة الى أنه من الممكن أن يحقق الكتاب نجاحا مفاجئا ــ وربما يكون هناك بالتأكيد الكثير من هذا النوع من الكتب. وقد صدرت مؤخرا سلسلة من الكتب جديدة عن سلوكيات الفرنسيين، كما أن هناك كتبا أخرى فى طريقها للنشر، تحت عناوين مثل «المرأة الفرنسية لا تقبل على شد الوجه»، «اتقان فن الأكل الفرنسي»، و«أنيقة للأبد» و«أوه لا لا»! أسرار المرأة الفرنسية من أجل شعور جميل كل يوم.
ومن السهل أن تسخر من هذه العناوين. فهى ترتبط بالتشابك المؤسف لعلاقة الحب /الكراهية بين الولايات المتحدة وفرنسا، وذلك الفرع الأكثر إثارة للضحك من الرسائل الأمريكية: التنمية الذاتية.
وليس من قبيل المصادفة، أن هناك طفرة فى كتب مساعدة الذات التى لا تستلهم المشاهير أو المديرين، وإنما تستلهم تجارب بلد آخر. ويعتبر هذا جزءا من تحول أكبر فى الطريقة التى يرتبط بها الأمريكيون ببقية أنحاء العالم. فهم يتطلعون بشكل متزايد إلى الخارج، بحثا عن الحكمة فى كل شىء، وليس فقط فى كيفية اختيار العطر الملائم.
وبطبيعة الحال، يضع الأمريكيون دائما عينا على البلدان الأخرى. ولكنا اعتدنا النظر إلى عدو أو منافس معين؛ الاتحاد السوفييتى أو اليابان، وغالبا ما كنا نحاول هزيمة هذه البلدان، وليس الاقتداء بها. وفى حالة الاتحاد السوفييتى، لم نكن نعرف الكثير عنه فى الواقع وهو ما سهل علينا تصديق أن أمريكا فوق المقارنة.
•••
وتضيف الكاتبة، فى هذه الأيام يضع التصنيف العالمى الولايات المتحدة فى مواجهة عشرات الدول فى مئات المجالات. ويدحض هذا بالإضافة إلى حرب العراق والأزمة المالية بعض الأفكار التى التى تبنيناها طويلا عن أنفسنا. وعلى سبيل المثال، تظهر الدراسات الجديدة عن الحراك الاجتماعى أن الشعوب فى كندا والكثير من دول غرب أوروبا تعيش أحوالا أفضل منا فيما يتعلق بتحقيق «الحلم الأمريكى» فى أن يصبح الأبناء أكثر ثراء من آبائهم.
وجاءت لطمة جديدة، من اختبار «برنامج تقويم الطلاب فى العالم» الذى يطلق عليه «بيزا»، وهو يقيس قدرات الأولاد فى سن 15 عاما أو ما حولها على تطبيق مهارات القراءة والرياضيات والعلوم، على مشكلات الحياة اليومية وبتعبير آخر مدى استعدادهم للعمل. وتم نشر النتائج عام 2000.
وبالنسبة لصانعى السياسة الأمريكية جاءت نتائج بيزا مؤلمة. حيث احتلت كوريا الجنوبية وفنلندا المركز الأعلى من كل الفئات أو كانت قريبة منه، بينما جاءت أمريكا إما فى المركز المتوسط أو أقل من المتوسط. وعندما أعلنت النتائج فى عام 2010، دعا آرنى دنكان، وزير التعليم، الأمريكيين إلى «التعلم من الدول الأخرى مرة أخرى»، وأمر بإعادة تقرير عما يمكن أن نتعلمه من نظم المدارس ذات الأداء المتميز فى العالم. وقد توجهت الصحفية اماندا ريبلى الى كوريا الجنوبية وفنلندا، لأداء نفس المهمة، وهو ما ضمنته كتابها «أذكى أطفال العالم» الحائز على تصنيف «أعلى الكتب مبيعا». تنبيه: حجم الفصل لا يهم، ولكن المهم هو ما يحصل عليه المدرسون من أجر.
ولا تبدو الدلائل المستقبلية مشجعة أيضا. ففى أول ختبار «بيزا»، الذى صدرت نتائجه فى وقت سابق من هذا الشهر، سجل أداء الشباب الأمريكيين انهيارا فى الرياضيات، واقترب من القاع فى القراءة، مقارنة مع أقرانهم فى الـ 22 دولة الأكثر ثراء الأخرى. ويقى الاختبار المهارات فى مكان العمل، مثل تفسير نتائج الانتخابات البسيطة أو معرفة عدد صفوف الشموع فى صندوق.
•••
وتشير دروكرمان الى وجود فجوة بين حشد كل هذه البيانات ومعرفة الدروس المستفادة منها، خاصة بالنسبة لبلد كبير ومعقد مثل الولايات المتحدة. وتستشهد بمقولة محلل فى منظمة التعاون والاقتصاد الدولى: «استطعنا تعريف الوضع لكننا لم نستطع تحديد أسبابه».
ويتفاوت الاهتمام بالأمثلة الدولية، بين كل من الحزبين. حيث يعترف الجمهوريون بأن أمريكا تعانى من مشكلات، ولكنهم لا يميلون بنفس القدر إلى الاعتراف بأن الدول الأخرى لديها حلول. ويحذر البعض على نحو مربك من أن الديمقراطيين يريدون أن يجعلوننا نتشبه أكثر بهذه البلدان الناجحة.
كما أن الديمقراطيين، لا يجوبون العالم للتعرف على أفضل التجارب، وغالبا ما تكون بريطانيا وأستراليا من أوائل الدول الأجنبية التى يرد ذكرها فى المناقشات السياسية، لأنهما مألوفتان، وجميع وثائقهما باللغة الإنجليزية. وقد ذكر لى وزير سويدى سابق أن وفد تقصى الحقائق الوحيد الذى جاءه من عندنا كان وفد صحيفة «ديلى شو» لاستكشاف نظام الرعاية الصحية فى السويد (وأضاف مؤكدا أن: «السويد أيضا لا تهتم بغيرها»).
غير أن المقارنات الدولية، ربما ساعت فى حشد الدعم لقانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة، الذى أصبح قانونا فى عام 2010. وفى المناقشات العامة حول ذلك، تزايد إدراك الأمريكيين أنه لا يوجد بلد غنى غيرنا لديه مواطنون غير مؤمن عليهم بالقدر الذى لدينا، وأن الرعاية الصحية لدينا من بين الأغلى فى العالم، مع نتائج متواضعة للغاية.
وفى هذه الأيام، يدور النقاش حول كل شىء من السيطرة على السلاح إلى زواج مثلى الجنس، وربما لا تكون المقارنات الدولية كاشفة، لكنها على ما يبدو أكثر أهمية. فعلى أقل تقدير، تراجع عدد من يتحدثون بثقة عن أن أمريكا أعظم دولة على وجه الأرض أو يصرون على أنها ينبغى أن تكون نموذجا للدول الأخرى. بل إنه صار من الصعب الادعاء بأننا نختلف عن الآخرين.
وتختتم دروكرمان المقال قائلة «لقد حان الوقت». ربما يساعدنا التطلع الى العالم من أجل تقييم مشكلاتنا على حلها. ولكن، مع وجود كل هذه الكتب فى التنمية الذاتية، لن يفوت أبدا الأوان لكى تعيد ابتكار نفسك».