كتبت بالأمس فى هذا المكان أن «العالم ليس رهنًا بمشيئة دونالد ترامب وفريقه وأنصاره الأكثر إيغالا فى تأييد إسرائيل المتطرفة». لكن ختمت مقالتى بأن تحقيق ذلك مرهون بالعمل والنضال المستمر والتضحيات، ومن دون ذلك فقد نستيقظ نحن العرب على نكبة أسوأ من نكبة ١٩٤٨.
ما أخشاه أنه لو استمر التعامل العربى والإسلامى مع العدوان الإسرائيلى الأمريكى على فلسطين ولبنان وكل من يفكر فى دعم المقاومة بنفس الطريقة الحالية والمستمرة منذ أكثر من عام، فقد لا يكون مستبعدًا أن يتحقق أسوأ الكوابيس العربية.
نعم معظم الدول العربية، بل العديد من دول العالم الأخرى رفضت وأدانت وشجبت واستنكرت العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر من العام الماضى، وعلى لبنان منذ بدايات سبتمبر الماضى.
ونعم أن بعضها وخصوصا مصر قدم مساعدات إنسانية كبيرة للشعب الفلسطينى لتثبيت وجوده فى أرضه.
ونعم أن كل هذه الدول خصوصا مصر رفضت تصفية القضية الفلسطينية، ورفضت أى تهجير للفلسطينيين من أرضهم سواء من القطاع أو الضفة الغربية واعتبرت تهجيرهم إلى سيناء خطًا أحمر.
ونعم أن جميع هذه الدول صوتت ضد الممارسات الإسرائيلية فى كل المحافل الدولية والإقليمية خصوصا فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ولكن ورغم كل ما سبق فإن العدوان الإسرائيلى لم يتوقف بل ازداد شراسة وعنفًا ووحشية، وبدأ ينفذ مخططاته طويلة الأمد فى فلسطين، وبعد أن حول قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة خصوصا فى الشمال، ودمر معظم قرى جنوب لبنان، فهو يستعد الآن لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل بصورة رسمية استغلالا لفوز ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ودفعه لتطبيق مقولته بأن «إسرائيل كيان صغير يحتاج إلى التوسيع» على أرض الواقع.
مرة أخرى غالبية المواقف العربية والإسلامية بشأن العدوان الإسرائيلى ممتازة، وهو ما رأيناه مجسدا عمليا فى البيان الختامى للقمة العربية الإسلامية المشتركة وغير العادية التى انعقدت فى الرياض يوم ١١ نوفمبر الجارى.
لكن ماذا نفعل إذا كانت إسرائيل لا تعترف ليس فقط بهذه البيانات، بل بالأمم المتحدة وهيئاتها وقراراتها؟.
وتمادت وشنت هجوما دبلوماسيا شديد الوقاحة ضد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، واعتبرته شخصا غير مرغوب فيه. كما شنت عمليات تشويه ممنهجة بحق كل شخص أو مسئول انتقد عدوانها وآخرهم رئيس المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، لأنه تجرأ وأعلن قبل شهور أنه سيتم إصدار مذكرات توقيف بحق بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ويوآف جالانت وزير الدفاع لدورهما فى احتمال ارتكاب عملية الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطينى.
بعد كل ما سبق فالمفترض أن يكون العرب والمسلمون قد أيقنوا أن البيانات والشجب والاستنكار ــ رغم أهميتها ــ لا تجدى نفعًا مع هذا الكيان الاستيطانى الإجرامى، وأن المطلوب إجراءات أخرى مختلفة تمامًا.
لا أدعو إلى إعلان الحرب على إسرائيل، لأننى أدرك الواقع المؤلم والمحزن والمؤسف والمهترئ جيدًا على المستويات كافة عربيا وإسلاميا ودوليا، لكن أدعو إلى أن يتم اتخاذ إجراءات جادة تبعث برسالة واضحة إلى إسرائيل وإدارة ترامب القادمة بأن العرب والمسلمين ليسوا جثة هامدة.
هل يعقل أن تبادر بعض دول أمريكا اللاتينية بقطع علاقاتها بإسرائيل، فى حين لم تتجرأ دولة عربية واحدة على فعل ذلك؟!!
النقطة الجوهرية أن هذه الإجراءات التى أدعو إليها ليست لنصرة حماس أو حزب الله، بل دفاع حتى عن مستقبل الدولة الوطنية العربية وحتى عن بقاء الأنظمة العربية.
ما تفعله إسرائيل ليس حربًا للقضاء على حماس وحزب الله وأى حركة مقاومة فقط، هى تعلن بوضوح أن هدفها أكبر من ذلك بكثير، وهو إقامة إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر، بل وضم بعض الأراضى فى دول عربية مجاورة.
أيها العرب استيقظوا قبل فوات الأوان؟
نصَحْتُ قومى بمُنْعرج اللّوى * فلم يستبينوا الرّشد إلا ضحَى الغد