داوود عبدالسيد.. بين شعبية «الكيت كات» وعزوف الجمهور عن رمزية «البحث عن سيد مرزوق» - بوابة الشروق
الأحد 12 يناير 2025 9:45 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

داوود عبدالسيد.. بين شعبية «الكيت كات» وعزوف الجمهور عن رمزية «البحث عن سيد مرزوق»

الشيماء أحمد فاروق
نشر في: الأحد 2 يناير 2022 - 5:53 م | آخر تحديث: الأحد 2 يناير 2022 - 5:53 م

مع بداية العام الجديد، أعلن المخرج المصري داوود عبدالسيد في أحد البرامج التلفزيونية اعتزاله العمل في الفن، في قرار أثار جدلا في الأوساط الفنية.

وقال عبدالسيد، أول أمس، في تصريحات تليفزيونية: "ماقدرش أتعامل مع الجمهور الموجود حاليا ونوعية الأفلام التي يفضلها، لأنه يبحث عن التسلية، ومشكلة أفلام التسلية أنها ممولة بشكل كبير، وأفضل أن يكون تمويل الفيلم من تذكرة السينما، ومن وجهة نظري أن جمهور هذه الأيام لا هم أو اهتمام له لمناقشة القضايا، لكنه يبحث عن التسلية".

لم يكن المشوار مفروشاً بالورود
المخرج داوود عبدالسيد أحد أبناء جيل جديد حاول تغيير شكل السينما المصرية، ونذكر منهم محمد خان وعاطف الطيب وخيري بشارة، حاول كل منهم أن يقدم رؤى وأفكار مختلفة، ورغم الهجوم الذي لحقهم أحياناً إلا أنهم استمروا وحققوا نجاحات متنوعة، سواء على المستوى الجماهيري أو النقدي.

ومن الهجوم الذي لقاه هؤلاء المخرجين عندما أطلق على أعمالهم لقب "أفلام الصراصير"، ويقول الناقد محمود عبدالشكور عن ذلك في كتاب "عين على السينما عين على النقد" لأمير العمري:"المخرج الذي أطلق هذا اللفظ هو الراحل حسام الدين مصطفى، الذي يمثل تياراً أساسياً في السينما المصرية، يمكن أن يسمى تيار مخرجي الأفلام التجارية المتأثرة بشكل خاص إعداداً واقتباساً بالأفلام الأمريكية وتعبير الصراصير أطلقه حسام ارتباطاً بلقطة لصرصار ظهرت في فيلم خان البديع أحلام هند وكاميليا فاعتبر حسام أن الواقعية تظهر القبح وتسيء للبلد، وهذا الحديث ربما كان يخفي انزعاجاً من المنافسة فقد كان مخرجو الأفلام التجارية يعتقدون أن خان ورفاقه سيقدمون فيلماً أو اثنين ثم يختفون ولكنهم فوجئوا بأنهم مستمرون، يقتحمون الصناعة من داخلها وبنفس إمكانياتها ولكنهم يصنعون أفلاما مختلفة تمثل مصر في المهرجانات وتفوز بالجوائز المصرية والأجنبية والخلاف بالأساس مرتبط بالتأثير المكتسح الذي حققه خان ورفاقهما لدرجة أن نجمة مثل فاتن حمامة عملت مع داوود وبشارة ".

إذا وفق ما ذكره عبدالشكور، مر هؤلاء المخرجين بكثير من الأزمات للتعبير عن نفسهم، ومن بينهم داوود عبدالسيد، سواء من داخل صناعة السينما نفسها أو من الجمهور عندنا يتم رفض بعض الأعمال أحياناً دون تحقيق مشاهدة كثيفة، وعلى مدار سنوات قاوم عبدالسيد الضغوط ولحظات اليأس والتعب، واستمر في عمله، وكان يظل سنوات طويلة يبحث عن منتج لعمل من أعماله، على حد قوله في كثير من التصريحات، حتى يعثر على من يتحمس لأفكاره.

بين نجاح الكيت كات ورمزية البحث عن سيد مرزوق:

كما ذكرنا أن سينما داوود عبدالسيد هوجمت أحياناً وأيضاً لم تلق الدعم الإنتاجي أحياناً أخرى ولكنها أيضاً تخبطت بين حب شديد من الجمهور يتزامن مع عزوف آخر، وذلك ما حدث أمام فيلمين مهمين وهما الكيت كات والبحث عن سيد مرزوق، والذي تذكر مواقع الأرشفة السينمائية أنهما من إنتاج عام 1991.

فيلم الكيت كات بطولة محمود عبدالعزيز، وتأليف إبراهيم أصلان وسيناريو وإخراج داوود عبدالسيد، حقق نجاحاً جماهيراً وقت عرضه، وحتى الآن مازال يعرض على شاشة التلفزيون، وحصد عنه الراحل محمود عبدالعزيز جائزة أحسن ممثل منافساً على هذا اللقب نور الشريف وأحمد زكي.

يقول محمود عبدالشكور عن الكيت كاتب: "أتذكر أني ترقبت الفيلم بشغف بعد أن جاءت أخبار الأصدقاء الذين شاهدوا الفيلم في مهرجان الإسكندرية، وأن محمود وداوود عاملين تحفة، انفجر الكيت كات كحدث استثنائي قبل عرضه التجاري وفاز محمود عنه بجائزة أحسن ممثل في مهرجان الإسكندرية بعد منافسة ضارية مع نور وزكي، ونقل وقتها أن نور نفسه قال ما معناه أن محمود عمل دور عمره، بينما قال زكي أن محمود يستحق الأوسكار عن الشيخ حسني، هكذا جاء الكيت كات إلى القاهرة تسبقه سمعته وبعد المشاهدة قلت إن ما قيل أقل كثيراً، وكانت السينما تهتز بالضحكات وكان الشيخ حسني قد حفر اسمه وشخصيته وعباراته إلى الأبد في ذاكرة جمهور السينما، كان الحلم قد طار بالناس مكتسحاً العجز والفشل والقهر وكانت أغنية درجن هي أغنية الموسم كنا نضحك من عجزنا ونحلم مثل الكفيف الظريف بالطيران".

ومن الكيت كات إلى البحث عن سيد مرزوق، وهو من تاليف وإخراج داوود عبدالسيد، وبطولة نور الشريف، وننقل في هذا السياق ما قاله الناقد المغربي الدكتور مجدي شبو، تحت عنوان "دلالات الرمز في فيلم البحث عن سيد مرزوق".

يقول شبو: "يشكل فيلم البحث عن سيد مرزوق علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية وكغيره من عيون الأفام جاء تلقي الجمهور العرض للعمل دون المستوى، وسحب من القاعات السينمائية بعد أسبوع واحد... وإن سحر هذا الفيلم إنما جاء من كونه لا يكشف عن كل خيوطه بمجرد المشاهدة الواحدة وإنما ينبغي تكرار مشاهدته لتفكيك كافة رموزه والوقوف على دلالات أحداثه وخلفيات شخوصه.
حاول شبو كشف البناء السردي للفيلم وإزالة غموضه عبر محاولة تفكيك رموز الفيلم، من خلال بعض الدلالات معتمد في ذلك على حوار الفيلم والارتباط بين الدال والمدلول في سياقه.

بدأ شبو تحليله من البطل يوسف كمال، نور الشريف، والذي يرى أنه رمز للإنسان العادي المنتمي للطبقة الوسطى، المصري العادي الذي يمكن أن يجد فيه أي شخص في المجتمع ذاته، ويحاكم داوود عبدالسيد في شخص يوسف تخلي الطبقة المتوسطة عن الاهتمام بكل ما يتعلق بالشأن العام وانغماسها في الحياة اليومية بتوجيه من السلطة، حيث ظل لسنوات لا يخرج في أي مظاهرة، ولكن خروج يوسف لاكتشاف التغييرات التي طرأت على المجتمع طيلة غيابه لم يكن برغبة مسبقة وإنما جاء عفوياً وبالصدفة عندما ذهب للعمل يوم أجازة".
يقول أيضاً: "عبر الفيلم عن القيود التي تكبل هذه الطبقة، من خلال تكبيل يوسف بالأصفاد التي ربط بها إلى كرسي في قسم الشرطة، إذ ترمز الأصفاد إلى القيود فيما يرمز الكرسي بدلالته اللغوية إلى الاستكانة ويتحقق المعنى بالربط بين الشيئين فتكون القيود سبب استكانة يوسف وغيره من أبناء هذه الطبقة".

بينما جسد سيد مرزوق سحر برجوازية ما قبل الثورة، حيث تتضافر الإيحاءات لتشكل ملامح شخصيته، مثل استخدام كلمة المهراجا، للدلالة على الأصول الاجتماعية الراقية، والفيلم إلى الثروة والوجاهة الاجتماعية معاً، وسيد لم يخسر والده كل ثروته بسبب سياسات التأميم مثل باقي البرجوازيين حيث استبق القرار وأخفى ثروته، ليعود الابن ويستعيد الثورة بعد سياسة الانفتاح، وهو شخصية جذابة وقوي الشخصية، يجسد الزواج المكروه بين السلطة والمال، وحافظ الفيلم على اعتباره بشكل يجعل المتفرج لا يستطيع أن يكرهه فبعد أن يورط يوسف في حادثة سير يكتب له إقراراً بالمسئولية عن الحادث ويمنحه مبلغاً من المال ، ثم يسمح للصعاليك أصدقاءه بنهب محتويات فيلته.

أما سلطة المعرفة ومحدوديتها تمثلت في رمز سليمان شكري الحكيم، سامي مغاوري، وهو كيميائي وخريج كلية العلوم وكان أول من التقاه يوسف كمال في رحلته المثيرة، كان مهموماً وهو يشرح كيف ولدت طفلته بشكل مبكر ناقصة الوزن مما جعلها تحتاج لحضانة مدة شهرين ولانعدام حضانة فارغة في مستشفى حكومي يحتاج لمبلغ كبير لا يتوفر لديه، ولكنه نجح في توفير ظروف طبية مماثلة للحضانة في المسكن، وهنا تجسد انتصار سلطة المعرفة على العوز وقصر ذات اليد.

ويقول شبو إنه كما حاكم الفيلم نكوص الطبقة الوسطى عن الاهتمام بالقضايا المصيرية للوطن حاكم الفيلم سلبية المثقفين في شخص سليمان شكري الحكيم، لأننا نجده يبرر لتصرفات السلطة في أحد الحوارات عندما قال: "السجن اللي إنت كرهته حماية لينا لحد ما يبقى الواقع ممكن التعايش معه وإنت جوه حدودك بتحافظ على نفسك زي الحيوان البحري جوه القوقعة"، وبينما كان سليمان متقوقعا في بيته ظناً أنه يحافظ على نفسه تقتحم قوات المطاردة التي تتعقب يوسف غرفة الحضانة المعقمة بأحذيتها البوليسية لتفسد كل ما بنته سلطة المعرفة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك