الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر، الزعيم العربى الراحل قائد ثورة يوليو تنطلق منه رواية «الذى لا يحب جمال عبد الناصر» للكاتب العمانى سليمان المعمرى، والصادرة حديثًا فى طبعة جديدة عن دار الشروق.
تتناول الرواية ذلك الشخص الذى يكره جمال عبد الناصر، وهو المصرى المقيم بعمان منذ عمر بسيونى سلطان، تبدأ الرواية بمدخل غرائبى سحرى تبدأ من عالم البرزخ، وتحديدا من القبر قبر جمال عبد الناصر نفسه، وحواره مع حارس البرزخ، وتدمج فى هذه الافتتاحية التاريخ بالسياسة بالروح، فيذكر الاختلاف الكبير على شخص الزعيم، وتذكر زيارة الشيخ الشعراوى لقبر الرئيس الراحل ومصالحته معه، ويتم ذكر العلاقة الطيبة التى ربطت الزعيم بالصحفى الأشهر محمد حسنين هيكل، هنا عتبة هذا النص قد خطفت القارئ خطفا سرديا جذبك داخل الرواية رغما عنك خطفا امتزجت فيه السحرية، بالسخرية، بالتأريخ، مفتاح مميز لجواب يظهر من عنوانه.
يذهب جمال عبد الناصر لينثر سحره على الرواية، يذهب لعمان ليبحث عن كارهه الأكبر الذى لو قلت كراهيته له واحد بالمائة سيسمح لناصر بزيارة مصر كما يشاء، ولكنه عندما يلتقى ببسيونى سلطان ينهار بسيونى من هول المفاجأة، ويدخل فى غيبوبة لا يفيق منها، هنا ينتهى الدور الفعلى لجمال عبد الناصر، وتبدأ روايتنا من التغير فى السرد من ذلك الراوى العليم إلى رواية أصوات شخوص كل منها يسرد حكاية بسيونى سلطان وذلك الرجل الذى انتحل شخصية الزعيم الراحل الذى ليس من الممكن أن يقوم من مرقده ليأتى ويزور أعتى كاريهه على وجه الأرض، وتسرد كل شخصية رأيها فى بسيونى، وفى قصة كرهه العظيم لناصر، ومع تلك الشهادات نرى حكايات الشخصيات المختلفة، والتى صورة أوضح عن مقصد ولب الرواية.
تبدأ الأصوات بصوت ابن بسيونى سلطان نفسه، وهو جار النبى، وحكايته مع السلطة الأبوية المطلقة التى يمارسها عليه والده، ووضعه فى المجتمع العمانى، وأيضا علاقته مع صديقه محسن فتح الباب، والذى قاطعه بسبب أبيه، وترك الفتاة التى يحبها من أجل أبيه أيضا، إنها علاقة تجسد ذلك التسلط الأبوى، وتفتح لنا بداية لفهم شخصية بسيونى سلطان.
فى الرواية نحن فى عام 2012 فى أوج اشتعال ثورات الربيع العربى فى المنطقة، بعد نجاح الثورة التونسية، والثورة المصرية ثورة الخامس والعشرين من يناير فى العام الذى قبله 2011، ومع وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم فى مصر، وعلى رأس السلطة محمد مرسى، ومسرح الأحداث فى عمان حيث جريدة المساء العمانى الجريدة الخاصة والمستقلة، وصالة التحرير، أو التى سماها المشتغلون بالجريدة «ميدان التحرير» تيمنًا بميدان التحرير المصرى، وبكونه رمزًا للثورة المصرية، هنا نرى التمثيل والرمزية ولكل عربى يجتمع فى ميدان التحرير المصغر هذا العمانى، المصرى، التونسى، السودانى، وكأنها نظرة سريعة على العالم العربى، وتأريخ لتلك الفترة المشتعلة بالأحداث فى العالم العربى.
نرى سالم الخنصورى مثلاً رئيس قسم المحليات، والرجل الذى لا يطيقه بسيونى، والذى يعمل على إغاظته كلما رأه بسيرة جمال عبد الناصر، والتى هى نقطة ضعف بسيونى، فسالم هو تمثيل وتأريخ لتلك الفترة فى عمان فهو الصحفى المؤمن باحتجاجات العمانيين فى ذلك التوقيت وبمطالبهم وحقوقهم.
هنالك أيضا حسن العامرى رئيس قسم الثقافة، والذى هو تمثيل للأوساط الثقافية سواء العمانية أو العربية، وهو الكاشف لتلك الأوساط من كونها ليست كما يعتقد الجميع، وهو الضوء على مشاكل وتعقيدات الثقافة والمثقفين.
وهنالك رئيس التحرير مرهون، والذى يمثل رأس السلطة الإعلامية فى المؤسسة الإعلامية، وخوفه من نقل الصورة كاملة فى احتجاجات العمانيين من أجل أن يبقى قريبا من الدولة لعله يعين فى منصب كبير، رافعا مصلحته فوق مصلحة المهنية، ونرى زوجته زوينة عضوة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والتى حضور المرأة العمانية فى الصورة، أيضا نرى المصحح السودانى، والمصحح التونسى، واللذين كانا لمحة ضوء على كل من تونس والسودان فى ذلك التوقيت، وهنالك أيضا زينب العجمى رئيسة القسم الاقتصادى، والتى كانت أقرب شخص لبسيونى، والتى تمثل علاقتها بزوجها ثم ابنها رمزا للابتعاد عن النزعة الطائفية، ونجد أيضا داود رئيس القسم الدينى، والذى يتجادل معه بسيونى على بعض الأمور الدنيا، والذى أيضا شخصيته هى تأريخ لفترة فى تاريخ عمان.
أحد أهم الفصول هو الفصل الذى يتحدث فيه بسيونى سلطان، ويخبرنا أخيرا بعد رحلة طويلة لماذا يكره جمال عبد الناصر كل هذا الكره، ويعدد تلك الأسباب، ونفهم منها أن بسيونى لا يهمه إلا مصلحته الشخصية حتى لو كان عبد الناصر رجلا صالحا.
وكما تحدثنا عن بنية الرواية، وبعض مقاصدها فلا يجب أن نغفل اللغة، والتى غلبت عليها الفصحى سردا، ولكن الحوارات، وبعض الجمل السردية تنوعت بلهجات المتحدثين كل حسب جنسيته، فهنالك بالطبع اللهجة العمانية الحاضرة بقوة، وهنالك العامية المصرية، وأيضا لهجات تونس، السودان، لتكون مزيجا واقعيا متماشيا مع أحداث الرواية وزمنها.
فى النهاية نحن أمام رواية مختلفة بها العنصر الغرائبى، السياسى، التأريخى، الواقعى، والساخر، ربما تحتار فى تصنيفها، ولكنها رواية تكشف البشر، وتنطلق من النقطة السياسية لتحلل البشر، ولتنتصر لجمال عبد الناصر الحاضر الغائب فى هذه الرواية.