يقال العقل السليم فى الجسم السليم، ولكنى أعتقد أيضا أن الجسم السليم فى الروح السليمة. أما علاقة العقل والجسم فهى علاقة أكثر وضوحا من الأخرى التى تتعلق بالروح، حيث ومنذ بداية استعمال الإنسان للعقل وهو ما زال يبحث عن ماهية الروح؛ بين المقدس والتراثى، والمادى، والسيكولوجى، وخلافه. أما أصول عبارة العقل السليم فى الجسم السليم فتعود إلى القصيدة العاشرة من الشعر الساخر للشاعر الرومانى جوفينال حوالى القرن الأول بعد الميلاد الذى يقول فيها: صل من أجل عقل سليم فى جسم سليم اطلب قلبا شجاعا لا يخشى الموت قلبا يتحمل أى صعوبات من أى نوع، ولا يمسه الحنق أو الرغبة. أما الصراع بين العقل والقلب فهنالك الكثير مما قيل وخاصة فيما يتعلق أيضا بموضوع شغل بال الإنسان كثيرا ألا وهو الحب.
وحسب موقع مستشفى ان بى إسطنبول للدماغ المتخصص فى علاج الأمراض العصبية والنفسية NIPISTANBUL Brain Hospital «لطالما كان القلب رمزًا للحب. لأن حقيقة أن قلبنا ينبض بسرعة وبقوة عندما نرى أحبائنا ونتفاعل معهم عززت الاعتقاد بأن الحب موجود فى قلبنا. وهذا ما جعل القلب مركز الحب فى الجسم. ووفقًا للفحوصات والأبحاث، فإن هذه المعتقدات غير صحيحة للأسف. فالقلب ليس له علاقة بالحب. على الرغم من أن القلب هو أهم عضو فى الجسم، إلا أنه ليس له وظيفة أخرى غير وظيفته الرئيسية كعضلة تضخ الدم فى جميع أنحاء الجسم. فى الواقع، القلب فى خدمة الدماغ. ومنذ 2500 عام، تتحقق بذلك مقولة أبقراط بأن العواطف تولد من الدماغ». ولكن بالطبع هناك مزايا وفوائد للحب كغذاء للروح. لقد أُثبت أن للحب العديد من الآثار الإيجابية على الناس. فيمكن القول بأنه يحفز الإبداع، ويجدد الدماغ، ويحسن الصحة. وإن كان يساعد على التفاؤل إلا أنه قد يؤدى إلى الحسرة والندم. والمنطق الأساسى فى اعتبار أن بالمخ بذرة الحب، أن تدفق الدم والأكسجين إلى بعض مناطق الدماغ يؤثر على منجزات حيوية. إذ بسبب الشعور بالحب هناك بعض التأثيرات على الجسم، وتظهر أعراض مثل زيادة النبض والتعرق والخفقان وانخفاض الشهية وحمض المعدة أو حركة الأمعاء. على ذلك، يمكننا القول إن الحب يبدأ فى الدماغ ويجد انعكاسه فى القلب. وهنالك العديد من مكونات غذاء الروح كالفن عامة والموسيقى والثقافة والتأمل والصلاة واليوجا وتجنب الغيظ والحقد والحسد والفرح والانشراح وتقدير اللحظة والصحبة الطيبة والضحك والمزاح والنكتة كما نجد فى كتاب «غذاء الأرواح بالمحادثة والمزاح» تأليف الشيخ زين الدين مرعى بن يوسف الكرمى المقدسى، 1580-1624، المنشور عام 1996 بعناية بسام عبد الوهاب الجابى، دار ابن حزم؛ الذى يقول فيه: «أحببت أن أضع بعض لطائف فى ذكر المزاح، وبعض حكايات تزيل الهموم عن قلب المغموم، وتحسن به المعاشرة، وتلذ بها المسامرة. اعلم أيدك الله أن النفس تملُ، كما أن البدن يكِلُ، وكما أن البدن إذا كلَّ طلب الراحة، كذلك النفس إذا ملت طلبت الراحة. والحديث معشوق الحسن بمعونة العقل، ولهذا يولع به حتى النساء والصبيان. لا سيما إذا كانت المحادثة والممازحة بين الإخوان أهل الصفاء، والمحبة والوفاء؛ فإن ذلك روح الروح وغذاء النفس». أما بالنسبة لغذاء الجسد، فقد كان اكتشاف النار سببا هاما فى نشوء حضارة الإنسان، إذ بواسطتها انتقل من الطعام النىء إلى المطهو، ففارق عالم الحيوان. وهنالك فى الكثير من المرجعيات الدينية الإشارة إلى الروح أو الروح المقدسة، ووصفها بالنار. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذى يطهو فأصبح استثناءً عن بقية المخلوقات. وطهى وجبة جيدة يتطلب أكثر من مجرد مكونات وتقنية، إذ يضع الطباخ الجيد شيئا خاصا به فى التحضير، وما نسميه فى مصر بالنفس، وهى كلمة مرادفة للروح. أى يضع الطباخ الجيد جزءا من روحه فى المنتج النهائى الذى هو غذاء للجسد. فالطعام ليس مجرد حاجة جسدية فقط، بل هو رمز دينى وسياسى، وثقافى، واجتماعى، واقتصادى. وكما قال كلود ليفى ستراوس عن الطعام/ المطبخ، بأنّه يتوسط العلاقة بين الطبيعة والثقافة، فعندما نقوم بتحويل مادة غذائية من شكلها الخام/ النىء إلى الشكل المطبوخ، نحن نقوم بعملية تتضمن الكثير من الدلالات التى بموجبها يصبح الطعام مدونة معرفية قادرة على تشكيل صورة نستطيع أن نقرأ من خلالها المجتمع البشرى فى فترة زمنية ما. وقد كان الطعام فى مصر القديمة جزءا مهما من الثقافة والمجتمع، لمن هم على قيد الحياة وأيضا للذين هم فى طريق عودتهم إلى الحياة الأبدية بعد عمليات التحنيط والدفن فى المقابر الفخمة، وذلك عبر موائد القرابين السخية التى يواظب الأحياء على استمرار تقديمها للمتوفى حتى يستمر فى متعته الأرضية بتناول ما لذ وطاب. بالطبع كان ذلك مرتبطا غالبا بالحكام الآلهة، وأنصاف الآلهة والمقربين إليهم من زوجات وأبناء ومحظيات ووزراء وخلافه من علية القوم. وقد احتوت مائدة الطعام بمقبرة توت عنخ آمون مثلا على أصناف كثيرة من الطعام، منها القمح، والثوم، والحمص، والعدس، والبطيخ، والتمر، والدوم. وكان الخبز العنصر الأساسى الأول فى النظام الغذائى المصرى. ولكننا نرى على نقوش موائد القرابين السخية أنواع اللحوم والأسماك والفواكه. وقد اعتمد المصريون القدماء على لحوم الماشية، واحتل لحم البقر مرتبة متقدمة، ويرجح أن الطبقات العليا وحدها تمتعت بتناول لحوم البقر فى مصر القديمة على أساس منتظم، حين كان عامة الشعب يتناولونها فى المهرجانات والاحتفالات الدينية، كما يحدث فى مصر الآن. وربما كان ذلك لحكمة مسبقة لما يحدث الآن بسبب كميات اللحم التى يستهلكها الإنسان المعاصر وعن مدى التلوث البيئى الضار الناتج عن ذلك بغض النظر عن الطرق الوحشية التى يستبيحها فى ذبح أنواع الماشية المختلفة. لقد كان فى طعام الشعب فى مصر القديمة تناسق بين البقليات والخضراوات والقليل من اللحوم. ومازال المثل المصرى يقول فى العلاقة بين غذاء الجسد وغذاء الروح: لاقينى ولا تغدينى. وفى أغنية عبد الوهاب الخالدة عاشق الروح من فيلم غزل البنات من تأليف حسين السيد وعشق الروح مالوش آخر .. لكن عشق الجسد فانى ويأتى العشق فى ترتيب المحبة بعد الهوى والصبوة والشغف والكلف وقبل النجوى والهيام والجنون.