لماذا أوصت مخرجة أيرلندية بنثر رماد جثتها في البحر؟ - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 11:23 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا أوصت مخرجة أيرلندية بنثر رماد جثتها في البحر؟


نشر في: الأربعاء 8 مايو 2019 - 11:49 م | آخر تحديث: الأربعاء 8 مايو 2019 - 11:49 م

كنت أقف مع مجموعة من 24 شخصا من أصدقاء أليسون ويلك وأقاربها على منحدرات موهير المطلة على بحار أيرلندا لنلقي نظرة على المكان الذي سنشاهد فيه غدا صديقنا غاري وهو ينفذ وصية حبيبتة بنثر رماد جثتها في البحر.

كان المنظر من المنحدرات آخاذا، إذ انطلق شعاع ذهبي في السماء، وسرعان ما توارى خلف غيمة رمادية، وانهمرت الأمطار على رؤوسنا. ولم تكد تتوقف الأمطار حتى ازدانت السماء بألوان قوس قزح.

وقال فيليب، أحد أصدقائنا وفنان من أيرلندا: "إن روعة هذا الطقس تكمن في تقلبه الدائم". لكنني أردفت قائلة: "وكذلك الحزن". فعلى مدى سنوات حياتي، غمرني الحزن مرات عديدة. لكن هذه الرحلة لم تكن من أجلي بل من أجل أليسون ويلك.

وكان يحلو لأليسون أن يناديها الناس بأليسون غريفين، نسبة إلى الكائن الأسطوري الذي يرمز إلى الشجاعة والقوة. ولم التق أليسون إلا مرة واحدة حين زارتني في شقتي بلوس أنجليس في عام 2015 لمناقشة مشروع فيلم مع خطيبي ألان. وقبيل وفاتها كانت تعمل مساعدة منتج في مسلسل "أو إيه" الذي يعرض على شبكة "نتفلكس"، وفي نهاية الحلقة الأخيرة ظهرت على الشاشة رسالة رثاء لأليسون.

وذكرت لي أليسون آنذاك أنها تحن إلى العودة لقرية دولين التي زارتها منذ 11 عاما واختلت هناك بنفسها لكتابة روايات لمدة ستة أسابيع.

وفي عام 2011، اكتشفت أليسون أنها مصابة بالسرطان، وكان عمرها 38 عاما. وألغت أليسون مشروعاتها وقررت في المقابل إنتاج فيلم وثائقي عن صراعها مع السرطان.

وتظهر أليسون في الفيلم في غرفة العمليات قبل لحظات من عملية استئصال الثدي، ومرة أخرى بعد جراحة تجميلية في الثدي، عندما رسم أحد الفنانين وشما على شكل جناحي النصر على جسدها. وبعدها تظهر في سيارتها وهي تبتسم بعد أن بشرها الطبيب بانتصارها في الجولة الأولى على المرض.

ونشرت أليسون الفيلم في عام 2014، ودشنت مؤسسة لمساعدة الآخرين في محاربة السرطان. لكن لم يكد يمر عامان حتى أخبرت شريك حياتها وعائلتها وأصدقاءها المقربين من على فراش المرض بالمستشفى بأنها تحتضر. وفي الأيام الأخيرة من حياتها، أوصت بنثر رماد جثتها في قرية دولين، حيث تصورت نفسها ترقد في سلام.

وبعد عامين من وفاتها، جئت إلى قرية دولين، التي كانت أليسون تتمنى زيارتها، لكن من دون أليسون. وقد شعرت أنني لا أستحق أن أقف بجوار أصدقائها وأقاربها الذين ساعدوها في محنتها، مثل شريك حياتها غاري الذي كان يبادلها الرسائل الغرامية، ووالدها الذي كان يلقبها بـ "ذات الشعر الذهبي"، أو صديقتها التي كانت تساعدها في غسل ملابسها، أو ألان، الذي ساعدها في إعداد فيلمها الوثائقي لأنها لم تتحمل إعداده بنفسها.

وفي هذا الوقت كانت جلسات العلاج الكيماوي قد اكتملت ونبت شعرها من جديد، لكنها لم تكن مستعدة لخوض الأجزاء الأكثر رعبا من الصراع.

ووضع صديقها فيليب، الذي يدير معرضا للصور في بلدة لاهينش المجاورة، صورة لها وهي تتمتع بصحة جيدة في أحد أماكنها المفضلة، بجوار بئر سانت بريجيد الذي يقال إن مياهه تشفي من الأمراض. وقد اعتاد الناس على وضع صور لمرضاهم أو أقاربهم المتوفين في كهف مجاور للبئر.

ورغم أن علاقتي لم تتوثق بأليسون، إلا أنني لم أتردد في الحضور عندما قال لي آلان إنه يحتاج لوجودي. فقد تعلمت، بحكم عملي كمغنية في الجنازات، أن أفعل أي شيء لأخفف عن الأخرين أحزانهم.

وبعد وفاتها عثر صديقان لأليسون على لقطات صورتها لنفسها، كان بعضها أثناء زيارتها إلى أيرلندا وبعضها أثناء صراعها مع السرطان. ومن ثم قرر أصدقاؤها المقربون وأقاربها أن يصور كل منهم الآخر وهو يتحدث عن أليسون في إطار فيلم جديد عن الحزن.

ولم يكن الغرض من هذه الرحلة رثاء أليسون فحسب، بل كان الهدف منها أيضا مساعدة أقاربها في التغلب على أحزانهم، واسترجاع اللحظات السعيدة التي عاشتها أليسون، وإعادة البسمة إلى وجوه الجميع. وعلى مدى أسبوع، بحثنا في صور أليسون القديمة ولقطاتها وقصصها عن الأماكن التي زارتها حتى نقتفي أثرها، من البئر إلى المنحدرات وحتى الحانة التي كانت تزورها في قرية دولين.

وتجولنا في "ممرات الجنيات"، التي كانت تزورها أليسون في أيرلندا وألهمتها للكتابة عن السحر والتعاويذ السحرية. وكتبت قصة عن الجنيات لطفلتي شريك حياتها غاري. وشاهدنا المنازل والأكواخ القصيرة المتناثرة في ممر الجنيات ويشاع أنها مسكونة بالأرواح.

وجلسنا على طاولة العشاء في الحانة التي كانت تفضلها أليسون، واستمعت إلى حكايات أقاربها عنها، إذ ذكرت عمتها أنها كانت تؤثر الآخرين على نفسها حتى في مرضها، وتحدث والدها عن رحلاتهما البحرية في الصيف معا. وشعرت أنني أصبحت شاهدة على حياتها، أعيش التجارب التي خاضتها قبل مماتها وأستمع إليها.

وعندما طلب مني غاري أن أقف إلى جواره في حواره عن أليسون أمام الكاميرا، زال الشعور بالغربة وأصبحت أشعر أن وجودي مهما بين أصدقائها. وقال غاري إنه اختارني لأنني أتفهم أحزان الأخرين ولأنني أدرك أن أليسون أضفت، ولا تزال تضفي، سحرا على حياته. وأسرّ لي بأنه رأى بعض الإشارات التي تدل على أن أليسون زارته بروحها.

صنع ألان صندوقا ليضع فيه المعزون أمنياتهم وآمالهم، التي سيتركوها في بئر سانت بريجيد، مع صورة لأليسون وهي تبتسم
وعندما تحدث غاري عن مشاعره حين كان يجلس بجانب جثمان حبيبته بعد أن فارقته روحها، شعرت أن هذه ليست نهاية أليسون، لأن حياتنا لا تنتهي طالما ظل الشهود موجودين.

وحين طلبت مني صديقتها أن أقف أمامها أثناء تسجيل الحوار عن أليسون، طمأنتني بأنها قادرة على مواجهة أحزانها. وقالت إن الحياة عندما تصبح غير محتملة، كانت أليسون تشجعها على تحويل المواقف السلبية إلى إيجابيات.

صورة تجمع أصدقاء أليسون وأقاربها في بئر سانت بريجيد، الذي كانت أليسون تسعد بزيارته في الفترة التي اختلت فيها بنفسها في أيرلندا لكتابة الروايات.

واصطففنا جميعا إلى جوار بعضنا بعضا وتشابكت أذرعنا في اللحظة التي وقف فيها غاري لنثر رماد الجثة. إن وجود الشهود الذين يرافقونك في حياتك، قد يخفف عنك الأحزان التي قد تثقل كاهلك وتعصف بك.

وفي هذا الصباح، نثرنا رماد أليسون، وشعرت أنني أصبحت جزءا من عائلتها وأصدقائها.

وانهمرت دموعنا كالأمطار، لكن سماء أيرلندا دائمة التغير، فقد سطعت فيها الشمس مجددا.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك