تراث مصري (9).. مهنة المنادين وأهميتها في زمن ماضِ - بوابة الشروق
الأحد 9 مارس 2025 9:14 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تراث مصري (9).. مهنة المنادين وأهميتها في زمن ماضِ

عبدالله قدري
نشر في: الأحد 9 مارس 2025 - 10:45 ص | آخر تحديث: الأحد 9 مارس 2025 - 11:05 ص

تواصل جريدة "الشروق" خلال شهر رمضان نشر سلسلة "تراث مصري"، المستمدة من كتاب موسوعة تراث مصري للباحث أيمن عثمان، والتي تسلط الضوء على المعالم التراثية التي تركت بصمتها في التاريخ المصري.

وفي هذه الحلقة، نستعرض مهنة "المنادين"، الذين شكلوا جزءًا أساسيًا من حياة الأحياء الشعبية في الماضي، وساهموا في إعادة الأطفال التائهين إلى ذويهم عبر تقاليد وممارسات استمرت لعقود.


كان أطفال الحارات في الماضي، يرددون خلف المنادي وهو يصيح "عيل تايه يا ولاد الحلال"، مرددًا أوصاف الطفل التائه في محاولة لإعادته إلى أهله.

كان هؤلاء المنادون ينتمون إلى طائفة ارتبطت باسم الشيخ محمد العدوي، الذي عاش في حي بولاق في عهد محمد علي باشا، وعُرف بحبه للأطفال وحرصه على حمايتهم.

وكان الشيخ العدوي يجمع الأطفال حوله، يلاعبهم بالفوازير والحكايات، ويخرج بنفسه للبحث عن أي طفل ضل طريقه، ليعيده إلى أحضان أهله وسط زغاريد الأمهات وفرحة الجيران.

تطور مهنة "المنادين"

بعد وفاة الشيخ العدوي، استمر تلاميذه في نهجه، مؤسسين طائفة جديدة تُعرف باسم "المنادين"، وكان من بينهم عدد كبير من المكفوفين الذين امتهنوا هذه المهنة، مستعينين بقدرتهم على تمييز الأصوات والاتجاهات داخل الحارات الشعبية.

كان المشهد المعتاد هو رؤية منادٍ كفيف، متكئًا على عصاه، ممسكًا بيد والد الطفل التائه، وهو يهتف بصوت مرتفع: "نظرة يا عدوي"، مستغيثًا بوليهم الصالح للعثور على الصغير.


اعتراف الأحياء الشعبية بالمنادين ودورهم الحيوي

تمتع المنادون بثقة كبيرة حيث كان لكل حي مقر معروف يجتمع فيه أتباع الشيخ العدوي، عند فقدان طفل، تتوجه الأسرة إلى المنادي، حيث يتم الاتفاق على مقدم الأتعاب و"حلاوة العثور"، والتي كانت تصل أحيانًا إلى جنيه كامل، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، خاصة إذا كان الطفل "ابن عز" أو "وحيد أمه".

يبدأ المنادي جولته في الأزقة، مناديًا بأوصاف الطفل مرددًا: "ولد تائه من امبارح العصر.. وحلاوته أحسن منه يا ولاد الحلال".

في الغالب، ينجح المنادي في العثور على الطفل خلال الجولة الأولى، فتحتضنه والدته وسط دموع الفرح، وتضرب على صدرها قائلة: "كلك خير وبركة يا شيخ يا عدوي"، ولا تتأخر في الوفاء بنذرها بزيارة ضريح الشيخ العدوي في الإسكندرية، وفي بعض الحالات، قد تطول عملية البحث إلى عدة أيام، خصوصًا إذا كان "مقصوف الرقبة" -كما يصفون الأطفال المشاغبين- من هواة الترحال سيرًا على الأقدام.

اندثار مهنة المنادين

مع تطور وسائل الاتصال الحديثة وانتشار مكبرات الصوت والإعلانات عبر الإذاعة والتلفزيون، تراجعت مهنة المنادين تدريجيًا حتى اختفت من الأحياء الشعبية، ومع ذلك، لا تزال ذكراها محفورة في التراث المصري، باعتبارها نموذجًا للتكافل الاجتماعي وروح التعاون التي كانت تسود المجتمعات القديمة، حيث كان الجميع يشارك في البحث عن الطفل التائه حتى يعود إلى أحضان أسرته.

 

اقرأ أيضا:

تراث مصري ( 8 ).. أسطورة الكرة حسين حجازي



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك