أثار مشهد انسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من محور صلاح الدين الشهير بمحور "نتساريم" الكثير من البهجة ومشاعر الفخر بالانتصار الفلسطيني، نظرا لمدى أهمية ذلك الطريق الفاصل بين شمالي وجنوبي قطاع غزة.
وبعد أن كان الطريق دربا دمويا يشتهر بقنص الفلسطينيين العزل وإهانة المدنيين على حواجز التفتيش الإسرائيلية عاد الطريق للحكم الفلسطيني آمنا يتحرك عليه العائدون لشمالي قطاع غزة، مؤكدين فشل قوات الاحتلال في تهجير أهالي الشمال.
وتسرد جريدة الشروق أهم المحطات في تاريخ محور صلاح الدين الشهير بـ نتساريم منذ أن اتخذه الإسرائيليون مستوطنة للسيطرة على غزة وحتى تحول لساحة إبادة للفلسطينيين على أيدي جنود الاحتلال، خلال الاجتياح البري الأخير، وذلك نقلا عن مواقع لوس أنجلوس تايمز، وواشنطن بوست، وهآرتس العبرية.
-مستوطنة إسرائيلية لقمع المقاومة
وبدأ الإسرائيليون استيطان طريق صلاح الدين بما يعرف بمعسكر نتساريم عام 1972، والذي رغم ابتعاده عن تجمع المستوطنات الإسرائيلية في غزة فإن دوره كان إحكام السيطرة على تحركات الفلسطينيين، إذ يتواجد بموقع حيوي يفصل شمال وجنوب قطاع غزة، وتم توسيع مساحة المستوطنة لتشمل أراضي مجاورة تم استغلالها لزراعة المانجو والطماطم.
وبدأت المستوطنة على يد ما يعرف بالحراس الشباب، وهم إسرائيليون يساريون علمانيون، ولكن سرعان ما غادروها ليحل بدلا منهم إسرائيليون أورثوذوكس، ووصفت مصادر إسرائيلية المستوطنة بأنها تحولت لمدرسة لليهود المتطرفين.
-المقاومة تجهض المخطط الخبيث
وتنبه المقاومون الفلسطينيون سريعا لخطورة تلك المستوطنة، حيث تمتعت بقدر عالِ من التسليح، بلغ كتيبة حراسة موزعة على 10 نقاط حول المستوطنة ومدعومة بدبابات، وذلك بجانب كتيبة مشاة مخصصة لحراسة المستوطنين أثناء خروجهم للزراعة أو السفر خارج المستوطنة.
وبدأت عمليات المقاومة تباعا على المستوطنة مع انطلاقة انتفاضة الأقصى، حيث تم قتل 6 جنود إسرائيليين من حرس نتساريم بالعبوات الناسفة، بينما تم قتل مستوطنين بعملية تسلل عام 2002 تبعها قتل 3 جنود داخل المستوطنة بعملية تسلل نوعية.
وأثارت العمليتان النوعيتان عام 2002 تخوف دولة الاحتلال بشأن تزايد الضحايا في نتساريم المعزولة، لتبدأ جولة مباحثات في الكنيست لإخلاء نتساريم، وتبنى رئيس الوزراء شارون وأعضاء حزب الليكود خيار البقاء في المستوطنة باعتبارها حارسة لسائر المستوطنات الإسرائيلية، وذلك لأن إخلائها بالنسبة لهم يعتبر استسلاما للمقاومة الفلسطينية.
واضطرت دولة الاحتلال عام 2005 لإخلاء نتساريم بالفعل تبعا لاتفاق فك الارتباط، وأجبر جنود الاحتلال المستوطنين المتطرفين بالقوة على مغادرة نتساريم التي تحول لأطلال مهجورة منذ إخلاءه.
وعاد جيش الاحتلال لاستغلال محور صلاح الدين إبان حرب 2009، حين اجتمعت 150 دبابات إسرائيلية على المحور لفصل القسمين الشمالي والجنوبي لغزة، رغبة في إضعاف سيطرة المقاومة السياسية على القطاع، ولكن لم تلبث القوات سوى عدة أسابيع قبل أن تنسحب بموجب قرار وقف إطلاق نار من الجانب الإسرائيلي فقط.
-درب الموت المظلم
تكرر احتلال محور صلاح الدين في الاجتياح الإسرائيلي البري الذي أعقب طوفان الأقصى، حيث تمت السيطرة على المحور نهاية شهر أكتوبر 2023، لتقام عليه نقاط التفتيش الإسرائيلية، حيث قامت بجميع وسائل التنكيل بأهالي شمال غزة المتجهين للمناطق الجنوبية من عمليات تفتيش مهينة واعتقالات للمدنيين وعمليات قنص مروعة للفلسطينيين بعد تنفيذهم أوامر القوات ورفع أيديهم.
ونقل تحقيق صحفي إسرائيلي عن أحد المجندين شهادته بأن القوات قتلت على الأقل 190 من المدنيين على حواجز نتساريم دون ثبوت أي دليل على تشكيلهم خطر على القوات المتمركزة.
-جرائم لم تمر بسلام
عجز جنود الاحتلال رغم سيطرتهم على نتساريم عن تحقيق الأمن للقوات المتواجدة، حيث تحولت لفريسة لهجمات المقاومة، وعلى رأس تلك العمليات عملية نتساريم النوعية أغسطس 2024، حين قامت مجموعة من كتائب القسام لم يمضِ سوى أشهر على تخرجهم بمهاجمة قوة متمركزة بنتساريم بالعبوات والأسلحة النارية، ما أوقع القوة بين قتلى ومصابين.
وكذلك تعرضت القوات الإسرائيلية في نتساريم لرشقة ضخمة من الصواريخ الإيرانية الفرط صوتية في ضربة أكتوبر 2024 ضمن الأهداف التي طالتها الضربة الإيرانية.