في رواية لعبة البيت.. الكتابة من أجل الخلاص - بوابة الشروق
الجمعة 18 أكتوبر 2024 10:34 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في رواية لعبة البيت.. الكتابة من أجل الخلاص

محمود عماد
نشر في: الجمعة 18 أكتوبر 2024 - 6:24 م | آخر تحديث: الجمعة 18 أكتوبر 2024 - 6:24 م

الكتابة دائما ما تكون فعل تحرر، فعلا يعبر عن الحرية الكاملة، الكتابة فى أوقات كثيرة تدفع للتحرر وتدمير كل القيود السلطوية بمختلف أشكالها وأنواعها، تمارس الكتابة كفكرة تأريخ لسيرة الشخصية، للحياة، للأماكن، تأريخ للكتابة نفسها الكتابة، هى فعل الخلاص، وربما فى أوقات أخرى تكون فعل دمار، ولكنها تبقى نظرة ورؤية العالم بعيون من كتبها، كل ذلك نجده فى رواية «لعبة البيت» للكاتبة والروائية إيمان جبل، والصادرة عام 2023 عن دار دون، الرواية التى وصلت أيضا إلى القائمة الطويلة لجائزة غسان كنفانى للرواية فى نفس العام.

تبدأ الرواية بذلك الصوت السردى لماتيلد التى تعيش مع عمتها بنت عمتها البارة التى تستيقظ فى يوم لترى نفسها مسجونة من قبل عمتها فى سجن سرى، سجن لا تعلم ولا نعلم معها فى البداية أين هو سجن مصمم بشكل فنى مميز، والخروج من هذا السجن مقرتنا بكتابة رواية لماتيلد الكاتبة بالفعل التى كتبت ونشرت من قبل، وتريد عمتها كتابة رواية كاملة فى خمسة أيام فى هذا السجن، وإلا فلا يوجد منفذ للهرب، تقترح ماتيلد على عمتها أن يكتبا رواية مشتركة وبعد تفكير لا يستغرق الكثير تقرر العمة ليلى أن تكتب هى روايتها وتدونها ماتيلد رواية وحكاية هذا البيت السجن الكبير، ورواية وحكاية ليلى عمة ماتيلد وكل عائلتها فى عيونها.

تبدأ ليلى فى إملاء الرواية على ماتيلد رغم الحائط الذى يفصل بينهما، وهنا يبدأ الصوت السردى لليلى فى السيطرة على الحكى والوصف والسرد يأخذ السلطة حتى النهاية هنا تبدأ الرواية الحقيقية أو الرواية داخل الرواية الأصلية، تبدأ ليلى منذ البداية تماما مشكلتها الأولى تلك العقدة النفسية التى ستسيطر عليها طوال حياتها طوال روايتها تبدأ من عيد ميلادها العاشر الذى يحبسها فيه أبوها بدلا من أن يحتفل به معها يحسبها فى سجن ماتيلد نفسه السجن الفنى الذى يتضح أنه سجن صغير جزءا من السجن الأكبر من البيت، ونرى أيضا عدم معارضة الأم لذلك تماما، ومقارنة الأب بين الأخوين بين ليلى وأخيها ويرتبط الأمر هنا بذلك التشريح النفسى للعلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة بين الأب، الأم، الأخ، والأخت العلاقة بين ليلى وأبيها كانت متشعبة ومتغيرة، ورأى فيها أبوها رمزا يعاقب فيها أمها وفضل عليها أخوها العبقرى الذى اكتشف موهبته فى الكتابة، أما أمها فهى العقدة الأزلية لليلى وهى التمثيل الأمثل لفكرة السلطة الأبوية ولكن فرع الأم فهى أيضا وضعت كرهها لزوجها فى ليلى وفى حياتها وفى علاقة الأم بابنتها التى لم تكن كذلك فى أى لحظة من حياة ليلى، بل كانت علاقة تملك لروح ليلى عن طريق أمها التى ألبست ليلى كل العقد النفسية، وتلك العلاقة هى البنية النفسية لشخصية ليلى طوال الرواية فهى المتحكمة بها لعدم تقبل ليلى لفكرة أن تصبح علاقتها مع أمها علاقة البنت بأمها.

نرى أيضا تلك العلاقة العجيبة التى تربطها بأخيها مراد الذى تحبه رغم كل شىء رغم أذيته لها، ورغم تفضيله عليها ورغم كرهها له التى تحاول أن تظهره له هو شخصية أشبه بالإله إله صنع أسطورته بنفسه ضحى بكل شئ من أجل كتابته نسى أمه وأبوه، وضحى بزوجته وابنته فقط من أجل أن يكرس ألوهيته من أجل نجاحه تخلى عن كل شىء ارتبط فقط بالكتابة ليصنع أسطورة كتابية مؤلهة.

نرى ذلك الإحياء الذى حدث لليلى بقدوم سارا زوجة أخيها التى تملك روحا تأخذ منها ليلى الحياة، وهنا تأكيد على فكرة احتياج الإنسان لشخص يأخذ منه الحياة رغم كل ما يبديه من ضياع فى عزلته ورفضه تلك الحياة.

علاقة الحب التى عاشتها ليلى مع عاصم الكاتب أيضا والذى يصبح مشهور مع الوقت وكاتب مميز مثل معظم الشخصيات الرئيسية التى تمارس فعل الكتابة وتتمحور حياتهم جميعا حول الكتابة، شخصية عاصم هى شخصية ملائيكة تحب ليلى بكل ما فيها من عقد أو مشاكل يبقى قلبه مشتعلا بحبها رغم فتورها معه يحبها برغم كل ما يراه، ولكن مشكلته أنه أتى بعدما كثرت الجروح فى قلب ليلى وأصبحت غائرة، وربما هذا ما أخذ قصة حبهم إلى فكرة حب مستحيل.

العلاقة الأخيرة هى علاقة ليلى ببنت أخيها ماتيلد، والتى ربتها منذ كانت طفلة على هيئة ابنتها، ولكن ذلك لم يمنع ماتيلد من أن تكون مثل أبيها التى لا تعرفه أو مثل جدها وجدتها وتساهم فى أذية ليلى بشكل أو بآخر حتى تصل لتدون رواية ليلى.

العلاقة الأهم والمحورية والتى قامت عليها الرواية بأكملها هى علاقة ليلى بالبيت ذلك السجن الكبير، وتلك الهوية المدفونة، المقيد لأحلام ليلى هو يأسرها بداخله حتى عندما تريد الهرب هو سجنها الأبدى، والذى إن تحررت منه تحررت من كل شىء، هنالك أيضا فكرة الكتابة فنجد أن نص «لعبة البيت» هو نص واعى بذاته وبه نص آخر هو يوميات ليلى التى شكلت رواية ليلى أو رواية «لعبة البيت»، وهذا قدر من التجريب الكبير، وكل ذلك عبرت عنه لغة شاعرية تغطت فى معظم محطات النص ليصنع عالم خيالى من قلب الواقع تعبر الكتابة عنه كطريقة للخلاص.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك