نبيل نعوم يكتب: اتمهرج - بوابة الشروق
الأحد 20 أكتوبر 2024 4:09 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل نعوم يكتب: اتمهرج

نبيل نعوم
نبيل نعوم

نشر في: الجمعة 19 فبراير 2021 - 6:09 م | آخر تحديث: الجمعة 19 فبراير 2021 - 6:09 م

يوم الجمعة 29 يناير الماضى، وفى الثامنة مساء، وعبر شبكات الإنترنت، كان من الممكن ولمرة واحدة، مشاهدة العرض الغنائى الراقص اتمهرج «Itmahrag»، من تصميم مصمم الرقص الفرنسى العالمى أوليفييه ديبوا. واعتمد العرض على تراث المهرجانات الشعبية التى نبعت فى الأحياء الشعبية فى مصر على يد شباب تقوم أغانيهم (المهرجانات) على مزيج من «الراب» المحلى القائم على كلمات مستعملة يوميا، وخليط من الموسيقى الإلكترونية مع إيقاعات من موسيقى الرقص الشرقى أو حتى دقات الزار. وقد انتشرت هذه الفرق الشابة فى الكثير من الأحياء الشعبية لإحياء حفلات الزفاف كوسيلة للترفيه معقولة التكاليف، وقد احتفل بها الكثير من الجماهير الشعبية وانتشرت عبر وسائل البث المتعددة، وأصبح لها نجوم ونجمات على شهرة كبيرة، بالرغم من اعتراض وتأفف جزء آخر من المجتمع، وخاصة المتمسكين فقط بتراث الماضى العريق من الغناء المصرى لأم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش وغيرهم، والذين قرروا عدم الاعتراف بهذا النوع الجديد الشاب من الموسيقى، بل اتهامها بالانحطاط وتخريب الذوق والحس الموسيقى الراقى. وكان ذلك أحيانا لغرابة أداء هؤلاء الشباب، وأصولهم الشعبية البعيدة كل البعد عن الأوساط الاجتماعية الأكثر رخاء أو تعليما أو تعاليا. كما أن أسماء بعض هؤلاء الفنانين صدمت هذه الفئة من المجتمع (الراقى) بأسمائهم كشاكوش، ومن قبل أوكا وأورتيجا ووزة، كما فى الفيلم التسجيلى الرائع «اللى يحب ربنا يرفع إيده لفوق» 2013 للمخرجة المبدعة سلمى الطرزى.
وفى الفيلم يقول أوكا، وأورتيجا إنهما يغنيان للطبقات الشعبية (الفقيرة واللى أقل من الفقر)، والكلام المستعمل هو كلام كل يوم العادى والمستعمل، ولكن للأسف تعتبره الإذاعة «فن درجة تانية». وحسب قول «وزة» إن أغانيهم تماثل الراب فى الخارج والذى له جذور شعبية ونبع فى وسط الطبقات الفقيرة. ومن المعروف أن فى تلك الفترة ومع بداية انتشار هذا النوع من الغناء الشعبى، لاقى مهرجان «هاتى بوسة يا بت» نجاحا شعبيا ومحليا، وبالطبع استمعت إليه ورقصت الطبقات العليا ولكن على حياء وأحيانا فى السر.
وبالعودة إلى ذلك العرض (اتمهرج)، قد تبدو الكلمة وكأنها فى صيغة الأمر من المصدر مهرجان، وإن كانت هنا لا تعنى بالضرورة صيغة الأمر اللازم تنفيذه، بقدر اقتراح الفعل المحبب القيام به. وكلمة مهرجان وهى كلمة فارسية مركبة من كلمتين: الأولى مِهْر، ومن معانيها الشمس والوفاء، والثانية، جان، ومن معانيها الحياة أو الروح. والمقصود بها احتفال عظيم بعيد أو ذكرى. والفعل اتمهرج هنا يعنى ادخل فى عالم المهرجانات أو قم بها أو اقبلها.
هذا هو عنوان العرض الذى كان من الممكن مشاهدته لليلة مجانا فى التليفزيون وهو من ضمن جولة فى الأشهر القادمة بمسارح متعددة فى أنحاء فرنسا (بالطبع مع اعتبارات الحظر المعمول بها حاليا)، منها مثلا مسرح شايو الوطنى المتخصص فى الرقص فى باريس، والمطل على برج إيفيل، والمعتبر من أهم مسارح الرقص فى العالم.
وفى هذا العرض ينتقل بنا أوليفييه ديبوا إلى جو بعض الشوارع الخلفية بموسيقاها وجوها الخاص، عبر رقص هؤلاء الشباب المملوء بالحيوية والمشتعل بالطاقة، وأغنية المهرجان التى أُعدت خصيصا لهذا العرض، والتى وضع موسيقاها الموسيقى الفرنسى فرنسوا كوفين، والمصرى على الكابتن. وقام بالرقص على عبدالفتاح، محمد قادر، مصطفى جمى ومحمد توتو، وبالغناء أو الإنشاد كل من على الكابتن، إبراهيم إكس وشبرا الجنرال. وفى نهاية العرض بإمكاننا تخيل الطاقة الإيجابية وغير المسبوقة للشباب المصرى الذين قاموا بثورة 25 يناير، والشباب هنا ليس بمقياس العمر ولكن بمقياس الرغبة فى حلم «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»؛ حيث نرى المسرح وقد تحول إلى كتلة من اللهب والدخان والضباب فى جو بالغ النجاح على يد مدير الإضاءة البارع إيمانويل جارى. ومما يذكر أن إلى جانب العديد من الهيئات الثقافية والفنية الدولية التى ساهمت فى إنتاج هذا العمل الضخم، نجد معهد العالم العربى فى باريس وبالطبع مركز بساريا للفنون والثقافة بالإسكندرية.
وللقارئ الذى قد يتساءل كيف أجرؤ أنا من كتب من قبل عن فيلب جلاس وأخناتون وفردى وماتيس أن أتعرض لمثل هذه الظاهرة المسماة بالمهرجانات، والتى تظل إلى الآن محسوبة على الفن الهابط، أود أن أذكر هذا القارئ أن تنوع الرؤيا واتساع القبول لأنواع متعددة من الفنون هو إثراء لمفهوم الثقافة والفن، ولنتذكر أن فى أثناء الحكم النازى كانت هناك قائمة بأسماء العديد من الفنانين الذين اعتبروا وقتها من منتجى الفن الهابط أو السيئ أو المنحط، وكان ذلك بناء على اعتبار وجهة نظر هتلر نفسه، وكان منهم كاندينسكى، كوكوشكا، أوتو ديكس، ماكس أرنست وموهولى ناجى، والذين تحتفل الآن أهم متاحف العالم بعرض أعمالهم.
وإذا أيضا رجعنا إلى بعض أنواع الغناء والرقص الشعبى الذى لاقى فى أول الأمر الكثير من الاعتراض من الطبقات العليا، وهو الفلامينكو الذى ارتبط فى أول الأمر بالغجر، الأسفل ترتيبا فى الطبقة الاجتماعية فى إسبانيا. وكما المهرجانات، وُلدت فنون الفلامينكو من غنائيات تتميز بالحزن، وكتعبير عن الظلم الاجتماعى ومشاق الحياة والبؤس، والذى ترجع بعض المصادر اسمه إلى «فلاح منهم، أو فلاح منكوب». ولا يمكن أن نغفل عن تأثير الموسيقى العربية الشعبية والرقصات الأندلسية على الفلامنكو والذى يرفع الآن رأس إسبانيا عاليا فى سماء الموسيقى والأداء الحركى؛ حيث أصبحت عروض الفلامنكو مطلوبة فى أنحاء العالم. وقد ألهم فن الفلامنكو الشاعر السورى الكبير نزار قبانى فى قصيدته بقايا العرب المستوحاة من رقصة الفلامنكو التى تعيده إلى أزمنة قديمة فيها كان أجداده يقيمون للسعادة مملكة للفرح:
فلامنكو
فلامنكو
وتستيقظ الحانة الغافية
على قهقهات صنوج الخشب
وبحة صوت حزين
يسيل كنافورة من ذهب
وأجلس فى زاوية
ألم دموعى
ألم بقايا العرب.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك