الفن والسياسة.. من عصر أباطرة الرومان وحتى الذكاء الاصطناعي في كتاب جديد - بوابة الشروق
السبت 22 فبراير 2025 10:19 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الفن والسياسة.. من عصر أباطرة الرومان وحتى الذكاء الاصطناعي في كتاب جديد

منى غنيم
نشر في: الجمعة 21 فبراير 2025 - 7:15 م | آخر تحديث: الجمعة 21 فبراير 2025 - 7:15 م

• المؤلف تناول أبرز الأحداث التاريخية الكبرى التى تمخضت عن مدارس الفن المختلفة.. وشرح أسباب ظهور «الفن السياسى»

هنالك ثمة علاقة وثيقة بين السياسة والفن عبر التاريخ، تتجلى ما بين رءوس الأباطرة على العملات المعدنية إلى رائعة بيكاسو المناهضة للحرب «جيرنيكا» وحتى الأعمال الأكثر حداثة مثل أعمال فنان الشارع البريطانى «بانكسى»، وطالما ما ارتبطت القوة بالثقافة البصرية ارتباطًا وثيقًا، ومن هذا المنطلق، استكشف المؤرخ الفنى البارز تى. جى. كلارك - والذى يعمل أيضًا كأستاذ فخرى فى جامعة كاليفورنيا - ماهية هذا الارتباط من خلال مجموعة مقالات تم تجميعها لاحقًا فى كتابه الجديد بعنوان «تلك الاهتمامات».

تخبرنا صفحات الكتاب أن مؤلفه «كلارك» يتمتع بمعرفة واسعة ونظرة ناقدة لكل من السياسة والفن، ولكنه افتتح كتابه بتحذير محبط نوعًا ما؛ حيث قال: «إن خليط الفن والسياسة جحيم يُصعب يمكن التعامل معه». نقلًا عن صحيفة الجارديان البريطانية.

وسرد «كلارك» عبر صفحات الكتاب - متأثرًا بنزعته السياسية اليسارية الواضحة - أحداثًا تاريخية كبرى، مثل الثورة الروسية التى أفرزت الفن الواقعى الاشتراكى، كما قال إن الفنان الألمانى جيرهارد ريختر، المولود فى دريسدن ويبلغ الآن 93 عامًا، لا يزال «مُطاردًا من قبل ماضيه» فى ألمانيا الشرقية السابقة. كما تناول أيضًا موضوعات أكثر تخصصًا، مثل الحركة الموقفية الدولية، وهى مجموعة من الفنانين والمنظرين الطليعيين الذين نشطوا بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضى.

ورغم أن مقاربة «كلارك» للعلاقة بين الفن والسلطة تأتى فى توقيت مناسب، إلا أن التطورات الحديثة فى زمننا الحالى تطرح تحديات جديدة فى المسألة؛ فـ«إخوة التكنولوجيا» من أصدقاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يمثلون طبقة جديدة من الرعاة الأثرياء الذين يمتلكون نفوذًا سياسيًا موازيًا لأنهم يرعون ثورة فى صناعة الصور من خلال الذكاء الاصطناعى ووسائل التواصل الاجتماعى.

وتحدث «كلارك» عن الصور الفوتوغرافية لأعمال الشغب فى إنجلترا عام 2011، والتى تمت مشاركتها على نطاق واسع والتلاعب بها أحيانًا، لكن كتاباته، التى يعود أقدمها إلى 25 عامًا مضت، تجاوزتها التطورات السريعة فى العالم الرقمى.

إن رؤية كلارك لما يشكل «الفن السياسى» واسعة وشاملة إلى حد كبير؛ ففى أحد الفصول، ناقش المؤلف لوحة صلب رسمت بأسلوب الجريساى (درجات الرمادى) على يد أحد أساتذة عصر النهضة الشمالية متسائلًا هل يمكن اعتبارها فنًا سياسيًا؟ فوفقًا لكلارك، تعبر اللوحة عن «عدمية مسيحية تفتقر إلى الحدة العاطفية التى تميز الإيديولوجيات اللاحقة».

لكن اللوحة نفسها جاءت مباشرة بعد إحدى أكثر الفترات الإيديولوجية «حدة» فى التاريخ المسيحى، وذلك حين قاد الراهب الإيطالى الثائر سافونارولا موجة من التطرف الدينى، ألقى خلالها الكتب واللوحات فى «محرقة الغرور» فى فلورنسا عام 1497 والتى شملت كل ما اعتبره دليلًا على خيلاء وغرور سكان فلورنسا أو أداة من أدوات الفساد الروحى؛ على غرار المرايا والعطور واللوحات غير المحتشمة والكتب غير الدينية والدواوين الغزلية والألعاب والثياب الفاخرة.

وقدم «كلارك» أيضًا شرحًا لوجوه الشخصيات التى رسمها الفنان الهولندى «رامبرانت»، معتبرًا أنها «سياسية» من زواية أن الفنان أصبح مصورًا رسميًا لفئة اجتماعية جديدة فى هولندا؛ ألا وهى البرجوازية. لكن فى الواقع، كان العصر الذهبى للفن الهولندى بأكمله مدعومًا بثروات هذه الفئة.

وتحدث أيضًا عن تذوق الفن؛ فعند الوقوف أمام لوحة فنية فى معرض ما، حيث تتحول الأصباغ والقماش والفرشاة إلى عمل فنى خالد، قد نكتفى بتفسير ذلك على أنه عبقرية فنية أو صدفة جميلة، متخيلين خيطًا حريريًا يربط بين عين الفنان ويده ولوحته، ولكن بالنسبة لمؤرخ فنى مثل «كلارك»، الأمر أشبه بتشابك معقد يتطلب تفكيكًا دقيقًا من أجل الوقوف على طبيعته؛ فعلى سبيل المثال، توقف كثيرًا عند التعبير الغامض على وجه المريخ فى لوحة الفنان الإسبانى دييجو فيلاسكيز، حيث يظهر إله الحرب مرتديًا ما يشبه خوذة إطفائى فى وضع أقرب لما قد يكون راقصًا مرهقًا فى حفلة خاصة كما وصفه.

كما رأى «كلارك» تعبيرًا مشابهًا على وجه أحد الجنود فى لوحة «استسلام بريدا»، وهى أيضًا من أشهر أعمال «فيلاسكيز»، الذى كان رسامًا فى بلاط الملك فيليب الرابع الإسبانى، حيث قال إن هذا الوجه الخالى من التعبيرات كان السمة السائدة فى بلاط فيليب، امتدادًا لفلسفة «الحفاظ على السطحية تفاديًا لأى تفسيرات خبيثة»؛ وهى نمط من أنماط مهارات البقاء على قيد الحياة إن صح التعبير والتى كانت رائجة فى العصور الغابرة خوفًا من بطش الملوك.

ويمكن تشبيه تحليلات «كلارك» للأعمال الفنية وربطها بالخلفيات السياسية فى عصرها عبر الكتاب بنمط من أنماط الوساطة الروحية؛ فمؤرخو الفن يشبهون الوسطاء الروحيين إلى حد ما؛ حيث يحاولون التواصل مع العوالم الأخرى. ورغم وجود بيانات ملموسة عن أى عمل فنى ـ كعمره، ومواده، ومصدره ـ إلا أن بعض النقاد يلجأون إلى نوع من «التحضير الروحى، محاولين استحضار ما كان يدور فى ذهن الفنان أثناء إنجازه لعمله.

فعلى سبيل المثال، زعم «كلارك» أنه يستطيع استنتاج نوايا الرسام الهولندى هيرونيموس بوش (المتوفى عام 1516) من خلال لمسة طلاء على وجه شخصية صغيرة فى إحدى لوحاته؛ حيث قال: «أنا واثق تمامًا أن بوش كان لديه تصور منذ البداية عن كيفية استخدام فم هذه الشخصية لخدمة غرضه».

وفى الختام، وجب التنويه إلى حقيقة أن الناس اعتادوا القول إن العلامة المميزة للوحة الجيدة هى أن عيون الشخصيات فيها تتابعك فى الغرفة، ربما على غرار الموناليزا، ولكن بالنسبة لكلارك، المدقق المتفانى فى تفاصيل الوجوه، فإن العلامة الحقيقية هى أنه هو من يتابع العيون فى الغرفة ليرى تأثير الأعمال الفنية بداخلها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك