نبيل فهمي يكتب: أوكرانيا.. التعامل مع المرض وليس الأعراض - بوابة الشروق
الخميس 19 سبتمبر 2024 8:27 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمي يكتب: أوكرانيا.. التعامل مع المرض وليس الأعراض

نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق
نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق
نبيل فهمى
نشر في: الإثنين 21 مارس 2022 - 7:54 م | آخر تحديث: الإثنين 21 مارس 2022 - 7:54 م

مع تطور الأحداث الأوكرانية، وارتفاع حدة التوترات باعتراف روسيا بولايتى دونيتسك ولوجانسك، ومن ثم عبور قواتها وعتادها العسكرى إلى الأراضى الأوكرانية، دار جدل واسع حول من بدأ النزاع: الغرب أم الشرق، والأهداف المرجوة منه روسيا بعد الإعلان عن عدد من الشروط والطلبات، أو وضع الغرب مستنقعا لها، وكذلك سبل الضغط المتبادلة، والتداعيات الاقتصادية على جميع الأطراف، وأخيرا وليس آخرا كيفية تهدئة الأوضاع أو الوصول إلى حل فى شأنها.
قرأت وتابعت عديدا من المقالات والنقاشات والتصريحات حول هذه الأحداث والأسئلة، وشاركت شخصيا فى عدد لا بأس به منها، ركزت على القضايا الآنية والعاجلة، وهو أمر منطقى وغير مستغرب، وإنما أعتقد أن الأحداث والنقاش الدائر حولها تتصل أساسا بأعراض المشكلة وليس المرض ذاته، الذى يجب معالجته تجنبا لتكرار تلك الأحداث فى أوروبا أو ساحات أخرى.
تتمسك الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية بأن كل دول العالم لها الحق السيادى والمستقل فى تحديد النظام السياسى للدولة، ولقد أصابت فى ذلك، وإن كان لا يخفى على أحد أن واشنطن والغرب هم أكثر من تدخلوا فى النظم السياسية للدول الأخرى، فالدول الأوروبية القديمة لها تاريخ استعمارى غير طيب، وللولايات المتحدة سجل طويل فى تغيير قيادات الدول عندما لم تكن موالية لها، بخاصة فى أمريكا اللاتينية، وهذا فضلا عن العمل على تبنى عديد من الدول لنظم سياسية غربية سبيلا للحكم، وهو ما يعد تناقضا كاملا لما تدفع به كحجج للتنديد بالتحرك الروسى.
فى المقابل تبرر روسيا تدخلها الأخير بأن تصرفات البعض داخل أوكرانيا، والمقربين من الغرب يعملون فى إطار توجهات أمنية غربية تهدد أمن روسيا، وقد أصابت فى ذلك، فتدخلت عسكريا فى دولة أجنبية، وهى فى ذلك تطرح مواقف متناقضة على سبيل تناقض المواقف الغربية نفسه، بل وأضيف أن استخدام القوة العسكرية فى فرض الأمر الواقع وتغيير نظم الحكم أمر جد خطير ويجب أن يظل مرفوضا بصرف النظر عما كان مصدره الغرب أو الشرق.
هل يحلل أو يبرر تناقض المواقف الغربية أن تواكبها تناقضات شرقية أو روسية، بالطبع لا، وإنما تناقضات الجانبين قائمة بالفعل وستستمر، لذا يجب أن تدعونا إلى التفكير بشكل أعمق فى المنهجية والفلسفة السياسية التى تدعو تلك الدول إلى التمسك بهذه المواقف، وبغية بدء التحرك سياسيا لمعالجتها وتجنب مواجهة تداعياتها مستقبلا، حتى وإن كان هذا التحرك له منظور وإطار استراتيجى أوسع ولا يتعامل مع الأوضاع الحالية.
أعود وأقول المشكلة الرئيسة أن الولايات المتحدة منذ إعلان الرئيس مونرو فى 1823 رفضه أن تحتضن الأمريكتان سياسات أو أحلافا أو ترتيبات أمنية غير متسقة مع توجهها الغربى، وعملت على تغيير نظم الحكم فى أمريكا اللاتينية والتصدى للاتحاد السوفييتى عندما سعت إلى نشر الصواريخ الباليستية فى كوبا، وهددت بالتصدى عسكريا للسفن السوفييتية الناقلة لتلك الصواريخ، وفرضت على الرئيس السوفييتى خروتشوف التراجع عن هذه الخطوة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن تراجع القيادة السوفييتية آنذاك كان مشروطا بسحب الحلف الأطلنطى صواريخه من تركيا، وهو ما تم دون الإعلان عنه.
وعلى الرغم من أن الغرب كان حكيما فى تجنب الدخول فى تصادمات عسكرية مباشرة فى أوكرانيا، إلا أن تلك التجربة كانت مؤشرا واضحا للمشكلة حينذاك وما تلا ذلك، ألا وهى أن كليهما يريد صيانة أمنه القومى مستندا فى ذلك إلى تواعد الأمم المتحدة المنبثقة عن الميثاق، وفى الوقت نفسه يتمسك كلاهما بأن له الحق الكامل فى تحديد مساحات معينة لا يقبل أن يتجاوزها الطرف الآخر، حتى وإن شملت دولا سيادية أخرى، وباعتبار أن ذلك يشكل تهديدا لأمنهم القومى.
من المنطقى أن تحدد الدول مساحات لحماية أمنها القومى، وإنما ما أرفضه أن الجانبين يدفعان بأهمية عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، ثم يعطون لأنفسهم الحق فى تحديد مساحات يرمحون فيها سياسيا وأمنيا واقتصاديا إذا لم تكن التوجهات السياسية على هواهما، والسبب فى ذلك أن الدول العظمى ما زالت تحتفظ لنفسها بمناطق نفوذ، كأننا فى الحرب الباردة وعالم القطبين، بخاصة فى ما يتعلق بنفوذ الدولة العظمى الأخرى أو حلفائها، ويدخل فى حساب كل ذلك القدرات التسليحية لكل منهما، مما يجعل المساحات المحددة أوسع وأشمل.
أتوقع أن يهدأ الشق العسكرى للقضية الأوكرانية خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة بأقصى تقدير، وأن تبذل جهود للاتفاق على ترتيبات ضمنية متبادلة قد تتضمن حياد أوكرانيا وعدم انضمامها للحلف الأطلنطى، وقبول الحكم الذاتى الكامل لولايتى دونيتسك ولوجانسك، بما فى ذلك العلاقات مع الدول الأجنبية، وانسحاب روسيا من أوكرانيا، والقبول بوضع القرم على ما هى عليه، مع إعطاء الاتحاد الأوروبى مزايا لأوكرانيا مثلما هى الحال مع النرويج، بما يسمح بالمرور الحر لرأس المال والخدمات والأفراد دون الحصول على العضوية الكاملة، وانسحاب قوات روسية ورفع العقوبات الغربية المفروضة عليها.
وبصراحة لا أرى ذلك كافيا، لأن المرض أو المشكلة تتجاوز الدولة الأوكرانية وترتبط أساسا بالحقوق المكتسبة للدول العظمى وحلفائها، لذا قد تتكرر المشكلة مرة أخرى بين الغرب والشرق التقليدى، وقد تتطور أيضا وتتفاقم إذا أضيفت الصين للمعادلة الدولية، وهو ما يجب أخذه فى الاعتبار لأنه قادم قادم.
لذا يجب خلق مسار للتحاور السياسى بين الدول الكبرى حول مستقبل علاقتها، وإنما سيحتاج ذلك وقتا غير قليل قبل تهدئة الأوضاع، وإنما من الخطأ أن تترك الأمور مرة أخرى لهذه الدول لوضع أُسس النظام الدولى بما يخدم مصالحها فى المقام الأول وحصريا.
وأدعو إلى تشكيل مسار آخر بين عدد محدود من دول العالم المستقلة عن الأحلاف لطرح أفكار محددة حول كيفية بلورة أسس ومبادئ جديدة للنظام الدولى فى القرن الحالى والمقبل، مستفيدا من إنجازات النظام الحالى ومتجنبا أخطاءه، واقترح أن يشمل هذا المسار دولة أو اثنتين كحد أقصى من كل قارة، على سبيل المثال البرازيل والمكسيك والسويد ومصر وجنوب أفريقيا والهند وإندونيسيا، والغرض من ذلك بلورة مبادئ وأُسس جديدة إضافية حاكمة للنظام الدولى، بما فى ذلك اقتراحات حول تعديل المؤسسات الدولية القائمة.
المرحلة الثالثة هى خلق حوارات أو توافق بين المسارين، لأنه لا يمكن المضى قدما دون الأخذ فى الاعتبار الدول الكبرى أو الأخرى، بغية تبنى نظام دولى يؤسس صدقا وشفافية على توازن المصالح والأمن الجماعى بدلا من توازن القوة.
والخطوة الرابعة لكل ذلك، هى وضع ترتيبات حكومية متعددة الأطراف لإقرار هذه الأفكار وتبنيها لعلاقاتنا المستقبلية، ويكون أغلبها من خلال المنظمات القائمة بخاصة الأمم المتحدة ومؤسساتها، وهو مشروع طموح وصعب التحقيق، وإنما أعتقد أن النقاش والتحاور حوله يساعد على إعادة تشكيل فلسفتنا الدولية حتى إذا لم يتم إقرار الاقتراحات كليا وسريعا.

نقلا عن «إندبندنت عربية»



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك