تواصل جريدة الشروق خلال شهر رمضان نشر سلسلة "تراث مصري"، المستوحاة من كتاب "تراث مصري" للباحث أيمن عثمان، والتي تستعرض الشخصيات والمعالم التي تركت بصمتها في التاريخ المصري.
واليوم رحلتنا تغوص في حياة المناضل المصري عريان يوسف سعد..
وُلد عريان يوسف سعد في مدينة ميت غمر عام 1898، وتلقى تعليمه في مدارسها حتى حصل على شهادة البكالوريا، ثم انتقل إلى القاهرة عام 1918 للالتحاق بكلية الطب. كان ذلك بالتزامن مع حالة من الغليان السياسي التي عاشتها البلاد بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر، وانتشار الحركات السرية وتصاعد أعمال المقاومة ضد الاحتلال.
في العام نفسه، تأسس حزب الوفد بقيادة سعد زغلول، وحظى بتأييد شعبي واسع، مما دفع رئيس الوزراء حسين رشدي إلى تقديم استقالته، ودخلت البلاد في أزمة سياسية مع تصاعد مطالب الاستقلال.
كان عريان يوسف من بين النشطاء الذين شاركوا في جمع التوكيلات الشعبية لسعد زغلول للمطالبة بحقه في تمثيل المصريين في مؤتمر فرساي.
في 18 مارس 1919، اعتُقل سعد زغلول، فانطلقت المظاهرات الطلابية احتجاجًا، وكان عريان من بين المشاركين فيها، حيث حاصرهم البوليس وألقى القبض عليهم واقتادهم إلى قسم السيدة زينب. ما إن علم الناس بالأمر حتى احتشدوا تضامنًا مع الطلبة، واشتعلت الثورة.
وفي خضم هذا التحدي الشعبي، كُلّف يوسف وهبة باشا بتشكيل الوزارة، وهو ما قوبل برفض واسع من الساسة والشعب، خاصةً أنه كان مسيحيًّا، وهو ما أثار أيضًا اعتراض الكنيسة والبطريرك، وخرج القساوسة في مظاهرات رافضة لتوليه المنصب.
انضم عريان يوسف إلى "جمعية اليد السوداء"، وهي إحدى الحركات السرية التي كانت تنظم عمليات اغتيال ضد من يُنظر إليهم كموالين للاحتلال. قدّم طلب انضمام للجمعية على ورقة مرسوم عليها خنجر أسود، وقُبل لما عُرف عنه من وطنية. تطوع بنفسه لتنفيذ محاولة اغتيال رئيس الوزراء يوسف وهبة، مبررًا ذلك بقوله إنه قبطي أيضًا، حتى لا يُقال إن الحادث طائفي كما حدث سابقًا مع بطرس غالي والورداني.
نصب عريان كمينًا لموكب رئيس الوزراء، وألقى قنبلة على السيارة، لكن السائق انحرف بها مبتعدًا عن الانفجار. ألقى قنبلة أخرى حطمت مقدمة السيارة دون أن تُصيب وهبة. وقبل أن يتمكن من إطلاق النار، ألقى عليه الحرس القبض وساقوه إلى مكتب يوسف وهبة.
خلال التحقيق، سأله رئيس الوزراء عن سبب محاولته اغتياله، فأجابه عريان:
– لأنك تعادي الوطنية وتقف ضد إرادة الشعب.
– ومن أدراك ذلك؟
– لأن صحف الإنجليز كتبت أنك متفق معهم في الرأي، وأنك ستعمل لتحقيق الأماني البريطانية، وهي لا تتحقق إلا على حساب مصالح مصر.
قُدِّم عريان للمحاكمة أمام محكمة عسكرية إنجليزية، وصدر بحقه حكم بالسجن عشر سنوات أشغال شاقة، قضى منها أربع سنوات ونصف فقط قبل الإفراج عنه. بعد خروجه من السجن، ترك كلية الطب، بينما كان زملاؤه قد تخرجوا وأصبحوا أطباء. عاش سنوات من البطالة والتشرد والجوع.
خلال هذه الفترة، حاول مستر "إنجرام"، المسئول عن التحقيق في قضايا الاغتيالات، أن يستدرجه للاعتراف على شركائه في جمعية اليد السوداء، ومنهم أحمد ماهر والنقراشي وحسن الشيشيني، مقابل مبلغ ضخم بدأ عرضه بستين ألف جنيه. رفض عريان هذا العرض رغم التهديدات بالعودة إلى السجن، وهرب حتى صدر العفو العام عن السياسيين، فعاد للظهور مجددًا.
اقرأ أيضا
تراث مصري (24).. إبراهيم الورداني غزال البر