نجم ماكرون يتهاوى على وقع الاحتجاجات الشعبية ضد الإصلاحات الاقتصادية - بوابة الشروق
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024 10:20 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نجم ماكرون يتهاوى على وقع الاحتجاجات الشعبية ضد الإصلاحات الاقتصادية

(د ب أ)
نشر في: الإثنين 26 نوفمبر 2018 - 2:47 م | آخر تحديث: الإثنين 26 نوفمبر 2018 - 2:47 م

دورة رئاسة الرئيس في فرنسا تمضي على هذا النحو: النشوة ثم الإحباط وخيبة الأمل وأخيرا تبدد الأوهام، مع تباطؤ وتيرة الإصلاحات وتزايد الاضطرابات الشعبية.

كان المفترض أن يصبح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نموذجا مختلفا. فقد وصل إلى السلطة عام 2017، من خلال حركة شعبية أطاحت بأسس النظام السياسي الفرنسي التقليدي القائم على تبادل السلطة بين حزبين اشتراكي ومحافظ،ووصل إلى البرلمان العديد من السياسيين الجدد.

لم تكن لدى ماكرون قاعدة انتخابية سابقة تدعم الحركة الإصلاحية في فرنسا. ومع كل خبراته ومؤهلاته في مجال المالية والحكومة، قدم ماكرون شيئا جديدا ومختلفا تماما. كان ماكرون يعتبر "طبقا طائرا" سياسيا محلقا في الفضاء، لكن يبدو أن طبقه الطائر يهوي نحو الأرض الآن. فقد تراجعت شعبيته بعد مرور عام ونصف العام على توليه الرئاسة إلى أقل من 30% بعد أن كانت 60% في بداية فترته الرئاسية.

حدث ذلك من قبل مع الرئيس الأسبق نيكولاي ساركوزي الذي فاز بانتخابات الرئاسة عام 2007 لكي "يقطع الصلة بالماضي" ومع الرئيس السابق فرانسوا أولاند الذي جرى انتخابه عام 2012 باعتباره "السيد طبيعي".

وبحسب نتائج أحد استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن الثقة في قدرة ماكرون على حل مشكلات فرنسا، تراجعت إلى حوالي 27%، حتى بعد نجاح عدد من الإصلاحات التي قدمها، وغياب أي مقاومة حقيقية لهذه الإصلاحات من جانب النقابات العمالية.

وبحسب وكالة بلومبرج للأنباء فإن هناك منظورا اقتصاديا لكل ما يحدث في فرنسا الآن. الاقتصاد يتباطأ ومعدلات التضخم ترتفع نتيجة تراجع قيمة اليورو وارتفاع أسعار النفط (رغم تراجع النفط مؤخرا). وعجز الميزانية الفرنسية يقترب من 3% من إجمالي الناتج المحلي، في حين يصل معدل الدين العام إلى 100% من إجمالي الناتج المحلي، مما دفع الرئيس إلى إبطاء وتيرة تحركه نحو خفض الضرائب.

وقد انطلقت موجة الاحتجاجات الشعبية الحالية التي يرتدي فيها المتظاهرون قمصانا صفراء، احتجاجا على ارتفاع معدلات الضرائب على الوقود، قبل أن تمتد إلى مجالات أوسع. وتحظى المظاهرات التي تحمل اسم "مظاهرات ذوي القمصان الصفراء" بتعاطف شعبي واسع، على عكس المظاهرات السابقة الذي قادتها النقابات العمالية، احتجاجا على إصلاحات قطاع السكك الحديدية في وقت سابق من العام الحالي.

وفي الوقت نفسه فإن تحول الاحتجاجات الأخيرة نحو العنف يمكن أن يبدد التعاطف الشعبي.

وتقول وكالة بلومبرج للأنباء إن النظام السياسي الفرنسي يشجع الرؤساء الذين يفتقرون إلى التأييد الشعبي على المضي قدما في طريقهم، وهذا هو ما يفعله ماكرون. ومع عدم وجود انتخابات تجديد نصفي للبرلمان الفرنسي، فإن الأغلبية الكبيرة في البرلمان ورئيس الوزراء والحكومة هناك تمتص الانتقادات، في حين يصبح رؤساء الجمهورية، مدللين ومعزولين وحريصين على إظهار قوتهم.

وقال الرئيس ماكرون الأسبوع الماضي إن فرنسا ليست دولة تتقدم بخطى طفل راضية، وشعبها يميل إلى "القفز" والتمرد في مواجهة التحدي. ويبدو أن ماكرون ينظر إلى تراجع شعبيته باعتباره وسام شرف له. وخلال حملته الانتخابية المقبلة قد يضطر إلى الكلام مع سكان المناطق الريفية وعمال الضواحي الذين تضرروا من ارتفاع أسعار الوقود، لكنه لا يحاول ذلك في الوقت الراهن.

ويراهن الرئيس الفرنسي حاليا على عنصر الوقت لتجاوز الأزمة الحالية. فأسعار النفط تتراجع، وهو ما سينعكس على أسعار الوقود خلال الفترة المقبلة، كما أن تأثيرات تخفيضات الضرائب التي ستفيد المستهلكين والشركات ستظهر خلال العام المقبل بحسب "ماك دي ميزو" المحلل الاقتصادي في مجموعة "دويتشه بنك" المصرفية الألمانية.

غير أن الرصيد السياسي للرئيس الفرنسي يتأكل بسبب عدم معالجة السخط المتزايد لدى المحتجين، ولدى هؤلاء الذين يقعون خارج دائرة مؤيدي ماكرون التقليدية من المهنيين في المناطق الحضرية.

وينظر الناخبون في المناطق الريفية إلى ضريبة الوقود باعتبارها دليلا على طريقته المتغطرسة ومعاداته للطبقة العاملة. وحتى الآن لا يبذل ماكرون جهدا كبيرا لتبديد هذه المخاوف.

خلال حملته الانتخابية عام 2017 تحدث ماكرون عن إعادة توظيف حصيلة عمليات بيع محتملة لأصول حكومية بقيمة 10 مليارات يورو (34ر11 مليار دولار) وقال إن هذه الأموال ستساهم في تجديد أجزاء من فرنسا تضررت من تراجع قطاع التصنيع وتسهيل التحول نحو الطاقة النظيفة.

وهذا الموضوع يستحق إلقاء نظرة عليه مجددا. فكلما توافرت أدوات المحاسبة والرقابة على كيفية إنفاق حصيلة الضرائب البيئية في فرنسا، ساعد ذلك الشعب على رؤية الإيجابيات. لكن هذا الأمر ليس يسيرا بالنسبة للرئيس ماكرون، خاصة بعد استقالة وزير البيئة في حكومته "نيكولاي هولو" الذي تركت استقالته ثغرة كبيرة في الحكومة نظرا لشعبيته الواسعة.

والحقيقة أنه من الصعب القول إن فرنسا تعامل شعبها بطريقة سيئة. فالدخل العام في فرنسا يتم توزيعه على الشعب بصورة أكثر عدالة مقارنة بالولايات المتحدة وبريطانيا، كما أنها الدولة الأكبر من حيث معدل الإنفاق العام بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ويحظى نظام الرعاية الصحية في فرنسا بمستوى مرتفع من الرضا العام، وكذلك نظام التعليم والشرطة. لكن مثل الكثير من المجتمعات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، فإن طموحات الشعب الفرنسي تتجاوز الواقع، بحسب أستاذ العلوم السياسية بيير بريكو، وهو ما يواجه ماكرون صعوبة في الوصول إلى نقطة التوازن الصحيحة بين طموح الشعب وحقائق الواقع.

بشكل عام، تستهدف الإصلاحات التي يتبناها ماكرون تحسن القدرة التنافسية لفرنسا، وتقليص حجم الجهاز الإداري للدولة. لكن فرنسا الآن تقف في منتصف الطريق نحو تحقيق هذه الأهداف، فالاقتصاد متباطئ والمزيد من الإصلاحات مازال في الطريق، ويمكن أن تؤدي الإصلاحات إلى المزيد من الغضب الشعبي.

إذا كان للرئيس ماكرون أن يعيد بناء الثقة في رئاسته وإصلاحاته، فسيكون عليه أن ينزل من عليائه، ويعود مجددا كسياسي متعطش إلى التواصل مع الناخبين كما فعل في حملته الانتخابية السابقة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك