«وثائق فى حياة ليلى مراد».. كتاب يكشف مفاجآت جديدة فى حياة قيثارة الفن المصرى «1» - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 8:51 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«وثائق فى حياة ليلى مراد».. كتاب يكشف مفاجآت جديدة فى حياة قيثارة الفن المصرى «1»

ليلى مراد تحفظ القرآن على يد الشيخ محمود أبو العينين
ليلى مراد تحفظ القرآن على يد الشيخ محمود أبو العينين
كتب ـ حاتم جمال الدين:
نشر في: السبت 30 يناير 2016 - 10:15 ص | آخر تحديث: السبت 30 يناير 2016 - 10:15 ص

• تفاصيل الليلة التى أيقظت فيها أنور وجدى لتقول له: «عاوزه أبقى مسلمة»

• المحكة الشرعية تصف ليلى مراد بالإسرائيلية فى أوراق رسمية

• غاب أنور وجدى عن جلسة إشهار إسلام زوجته بناء على طلبها لأنها أرادت أن يكون إسلامها لله وحده

• المطربة غنت عن «مأساة فلسطين» قبل أن تعلن إسلامها.. وديانتها اليهودية لم تمنعها من الغناء لآل البيت

جذورها اليهودية ونشأتها المختلفة، روافد فنها وبداياتها الأولى، زيجاتها الثلاثة، وإشهار إسلامها والظروف المحيطة بها، صفحات ضبابية فى رحلة حياة الفنانة الراحلة ليلى مراد يكشف عنها كتاب «وثائق فى حياة ليلى مراد» للناقد والمؤرخ الفنى أشرف غريب، والذى اعتمد فى تتبعه لسيرة الفنانة الكبيرة بشكل أساسى على وثائق تخصها، وتكشف عن جوانب من حياتها الفنية والخاصة، وتقف على الحقائق فى ملفات شائكة أحاطت بها ومنها علاقتها بإسرائيل والحقائق الغائبة، بشأن هذه القضية، ولغز اعتزالها المفاجئ والمسكوت عنه طيلة ستين عاما.

لم يعتمد أشرف غريب فى كتابة الصادر عن دار «الشروق» على الأسلوب السائد بكثير من الكتب التى تناولت مسيرات نجوم الفن، والتى نالت ليلى مراد قدرا لا بأس به منها، بل اعتمد على قراءة تحليلية للوثائق الرسمية والخاصة التى لا تقبل الشك أو التأويل، وتؤرخ لحياة قيثارة الفن المصرى بشكل منضبط ودقيق، وتكشف تلك القراءة المتأنية عن حقائق تصل إلى حد المفاجآت.

ووضع غريب لنفسه منهجا خاصا، يعتمد على أربعة بنود أساسية وهى المصداقية، والتى استمدها من تدقيق الوثائق التى جمعها على مدى 20 عاما، والتى تعتمد على حقائق صماء لا تقبل أى تأويل أو تحريف، والتزامن الذى تكون من خلاله القراءة لتلك المستندات فى سياقها التاريخى، وما أحاط بها من أحداث فى زمنها، والإحاطة بأطراف تناولتها تلك الوثائق، وأخيرا الحيادية فى التناول.

يتكون الكتاب من عشرة أبواب أساسية، أضاف اليها الكاتب قائمتين مفصلتين، إحداهما تخص أعمالها الغنائية، أما الثانية فتناولت أفلامها السينمائية، فضلا عن فصل خاص بصور الفنانة الراحلة والتى تمثل الكثير منها وثيقة فى حد ذاتها، ومنها أول صورة لليلى مراد فى الاستوديوهات، وكذلك آخر لقطة لها بعد تصوير آخر مشهد فى فيلمها الأخير «الحبيب المجهول» سنة 1955، والذى لعبت بطولته مع حسين صدقى.

ويعد الباب السادس من الفصول الأكثر إثارة فى تناول الكتاب لملفات ليلى مراد الشائكة، حيث يتناول القضية الأشهر فى حياتها والمتعلقة بديانتها، والتى تفجرت بقوة مع رحيلها، والتساؤلات التى أحاطت بمراسم دفن جثمانها، وهل استقر جسدها فى مقابر المسلمين أم تم دفنها بمقابر اليهود فى البساتين كما ردد البعض؟

وينطلق الكاتب فى بحثه عن حقيقة إسلام ليلى مراد من بدايتها، وكيف كان المناخ العام فى مصر مؤهلا لاستقبال نجوم السينما بغض النظر عن ديانتهم، خاصة أن بدايتها جاءت مواكبة لحركة النهضة الحديثة فى المجتمع المصرى فى أعقاب ثورة 1919، وكان السينما آنذاك تبحث عن بطلة تمثل جيلا جديدا من نجمات هذا العصر الجديد.

ويرصد الكتاب هذه الحالة ويشير إلى أن الملايين التى التفت حول نجمتهم المفضلة ليلى مراد منذ إطلالتها الأولى بطلة لفيلم «يحيا الحب» فى يناير 1938 وحتى عرض فيلمها الخامس عشر «قلبى دليلى» فى أكتوبر سنة 1947، لم يكن يشغلها أو يعنيها كون هذه النجمة التى أسرتهم هى فى الحقيقة يهودية الديانة تماما مثلما لم يكن يستوقفهم أن نجيب الريحانى مسيحى، وأن يوسف وهبى مسلم.

المصريون فى هذه المرحلة كانوا منفتحين على الآخر فى مجتمع ليبرالى يحترم التعددية وعقيدة الغير، لم يكن يستوقفهم أن «مارى منيب» أو «جورج أبيض» مُسلمان وأن «راقية إبراهيم» يهودية، كان الكل أمام متعة الفن سواء، وكأنهم كانوا يرفعون شعار «الدين لله والفن للجميع»، ولهذا كانت ليلى مراد بالنسبة لهم مطربتهم وممثلتهم المفضلة فحسب، دون النظر إلى خانة الديانة فى بطاقتها الشخصية.

وثيقة إسلام
«كان استقبال نبأ تحول ليلى مراد من اليهودية إلى الإسلام هادئا عند الإعلان عنه رسميا فى ديسمبر 1947، ومع ذلك فإن قصة إسلام ليلى مراد نفسها حملت كثيرا من التفاصيل المثيرة خصوصا بعد أن لاكتها الألسن فى سنوات حياتها الأخيرة وبعد مماتها أيضا.. والبداية مع نص وثيقة إشهار إسلامها»، والذى يقول:
«بمحكمة مصر الابتدائية الشرعية فى يوم الأربعاء 4 صفر سنة 1367، الموافق 27 ديسمبر 1947 لدى أنا عبدالرازق البحيرى رئيس قلم الموثقين والإشهارات المحال على سماع وضبط الآتى فى حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسن مأمون، رئيس المحكمة، حضرت الست ليلى مراد بنت زكى مراد المقيمة بالمنزل 26 شارع شريف باشا ـ عمارة الإيموبيليا، وبعد تعريفها شرعا بشهادة كل من حضرة الأستاذ محمود أفندى أحمد سكرتير دار الإفتاء، والأستاذ أحمد حسن المحرر بجريدة البلاغ، وأخبرت بأنها كانت يهودية إسرائيلية، واعتنقت الدين الإسلامى من مدة طويلة، ونطقت بالشهادتين قائلة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمدا رسول الله وأن موسى عبدالله ورسوله، وبرئت من كل دين يخالف دين الإسلام، وقد أشهدت على نفسها اليوم بأنها أسلمت لله سبحانه وتعالى، ونطقت بالشهادتين بالصيغة المشروعة، وقد اختارت لنفسها من الأسماء اسمها الحالى، وهو ليلى مراد، وذلك بعد أن أخطرت المحافظة بتاريخ 8/ 12 / 1947 ـ 641 ـ ولم يرد الرد، فصدر هذا بحق وشهادة الشاهدين المذكورين وحددت هذه الصورة طبق أصلها من المقيد 7 تابع جزء سادس قدم سنة 1947 تخص السيدة ليلى مراد المشهدة المذكورة المقيد طلبها 89 صور سنة 1949 بعد موافقة وزارة العدل على إعطائها هذه الصورة بكتابها رقم 3705 المؤرخ 25 / 7 / 1949 فى 31 / 7 / 1949».

كان هذا هو نص الوثيقة الرسمية التى أشهرت بها ليلى مراد إسلامها نهاية سنة 1947، والذى يمعن القراءة فى تفاصيل هذه الوثيقة، يلحظ أن الإعلان الرسمى عن إسلام ليلى مراد، جاء بعد مدة وصفها بيان المحكمة الشرعية بالطويلة من تحولها الفعلى إلى الإسلام ونطقها بالشهادتين على يد فضيلة الشيخ محمود أبو العيون. وعلى الرغم من أن الوثيقة لم تحدد هذه المدة فإن بعض المصادر، ذهبت إلى أنها أربع سنوات قبل ذلك التاريخ، وهو ما يستبعده الكاتب، لأن ذلك معناه أنها أسلمت سنة 1943. والثابت أنها أسلمت بعد زواجها من أنور وجدى وليس قبله، وأنها تزوجته بتاريخ 15 يوليو 1945 وفق وثيقة زواجهما، وهو القران الذى تم الإعلان عنه فى آخر يوم تصوير فيلم «ليلى بنت الفقراء» بعد يومين من عقده، وبالتحديد فى 17 من يوليو سنة 1945، ويعين هذا إن إسلام ليلى مراد فى حدود سنة 1946، وبعد وفاة والدها المطرب زكى مراد فى العام نفسه، والذى لم تشأ التحول إلى الإسلام وهو على قيد الحياة احتراما له، وإن توثيق إسلامها فى المحكمة الشرعية جاء بعد عام أو أكثر قليلا من تحولها الفعلى للإسلام، وهى المدة التى اعتبرها السيد عبدالرازق البحيرى طويلة ربما قياسا بالحالات الأخرى.

ويجيب الكتاب عن أسئلة حول إسلام الفنانة الراحلة، ولماذا لم تسرع ليلى بتوثيق إسلامها وظلت عدة أشهر، ويرجع ذلك إلى أن ليلى المنشغلة كثيرا بالغناء والتمثيل عامى 1946 و1947 ـ قدمت فى تلك الفترة ستة أفلام ـ كانت تعتبر هذه الخطوة من الأمور الشكلية وبخاصة أنه لم يترتب عليها أى تغييرات جوهرية فى حياتها، فاسمها كما هو دون تبديل، وهى كذلك زوجة بالفعل لرجل مسلم هو أنور وجدى، وهى ليست لديها أولاد يستدعى الأمر تغيير وضعهم أو تخاف عليهم تعقد الأمور فى حالة الميراث إذا حدث لها مكروه، ومن ثم لم تكن مهتمة بتلك الأمور التى رأتها شكلية على ما يبدو، والمهم أنها أسلمت بروحها وقلبها وعقلها، وهذا يكفيها على الأقل حتى تفرغ من مشاغلها.. وذكر هنا أن المخرج الراحل حسن الصيفى ـ الذى كان وثيق الصلة بليلى وأنور ـ قال له فى أواخر 2004، إن الوسط الفنى كله كان يعلم بإسلامها قبل أشهر من نشر الخبر بالصحف.

فى الطريق إلى الإسلام
قصة إسلام ليلى مراد كما روتها هى بنفسها أكثر من مرة تقول، إنها أيقظت أنور وجدى فى فجر أحد الأيام، وسألته:
«سامع يا أنور صوت الأذان»
فرد أنور دون اكتراث وهو يحاول ألا يفلت النوم من بين جفونه خصوصا أنه لم يكن قد استغرق فيه:
«معقولة يا ليلى بتصحينى عشان تسألينى سامع صوت الأذان؟.. أيوه يا ستى سامع».
فبادرته ليلى بالسؤال الذى جعله يقوم من رقدته ويعتدل لها:
«أنت ليه يا أنور ما طلبتش منى إنى أكون مسلمة ساعة ما طلبتنى للجواز؟».
فأجاب الرجل وقد أدرك أن فى الأمر شيئا:
«يا ليلى يا حبيبتى أنا اتجوزتك انت لشخصك وما كانش فارق معايا انتى مسلمة أو يهودية خصوصا أن الإسلام إدانا الحق فى كده، وأنا ما حبيتش أتكلم فى الموضوع ده أبدا عشان مؤمن بان دى حرية شخصية، وكل واحد حر فى دينه».
فقالت له ليلى وهى فى حالة من الخشوع والحسم:
«أنور.. أنا عاوزة أبقى مسلمة، من زمان وأنا بافكر فى الموضوع ده، وكل يوم فى الفجر أسمع صوت الآذان وأحس إنى قربت خطوة من القرار ده، والليلة دى قررت أنى أكون مسلمة».
فتهللت أسارير أنور، وأمسك كتفيها وهو يقول لها:
«صحيح يا ليلى عاوزة تبقى مسلمة؟»
فأجابت والخشوع يسيطر عليها:
«أيوه يا أنور صحيح عن ارتياح واقتناع، وربنا يقدرنى إنى أرضيه وابقى قريبة منه»
وختمت ليلى مراد حكايتها مع هذه الليلة بأنها نطقت بالشهادتين فى ذلك اليوم، وقامت وتطهرت وتوضأت، وصلت مع أنور ـ على غير عادته ـ ركعتين لله، وأتبعتهما بصلاة الفجر، وعندما أشرقت الشمس استدعت فضيلة الشيخ محمود أبو العيون أحد علماء الأزهر الشريف، وكان قريب الصلة بأهل المجتمع، وأسرت إليه بما حدث، وأعادت أمامه نطق الشهادتين، وطلبت منه أن يعلمها أصول الدين الصحيح وكيفية أداء العبادات، وبالفعل واظب العالم الجليل على ذلك.

اختفاء أنور وجدى عن مشهد المحكمة
وتؤكد الوثائق، أن الصحفى أحمد حسن المحرر بجريدة البلاغ، كان الشخص الوحيد الذى اصطحبته ليلى معها إلى المحكمة الشرعية ليكون حاضرا لحظة نطقها بالشهادتين، أما الشاهد الآخر فكان سكرتير دار الإفتاء الأستاذ محمود أفندى أحمد. ويشير الكاتب هنا إلى أن أحمد حسن كان مشهودا له بالتدين وحسن الخلق فضلا عن تمتعه بثقة ليلى مراد وأنور وجدى، والملفت للنظر أيضا أن جريدة البلاغ التى كان يعمل بها لم تنفرد بخبر إسلام ليلى، وإنما كانت مجلتا الصباح والحقيقة أول من نشرتا الخبر بعد حدوثه بأسابيع، ويبدو أن اتفاقا تم بين ليلى وأنور من جانب والصحفى من جانب آخر على تكتم الأمر.

يرصد الكاتب إجابات للتساؤلات التى تناولت اختفاء أنور وجدى تماما عن مشهد إشهار إسلام زوجته بصورة رسمية، ولماذا لم يذهب معها إلى المحكمة الشرعية بدلا من محرر جريدة البلاغ؟، وذلك من خلال حوار أجراه مع المخرج الراحل حسن الصيفى، أوضح فيه أن هذه كانت رغبة ليلى، وتفهمها أنور، لأنها أرادت أن يكون إسلامها خاليا من شائبة تأثرها بزوجها أو خضوعها لأوامره أو رغبة فى إرضائه.

ويلفت غريب فى كتابة الانتباه إلى عبارة بنص وثيقة إشهار إسلام ليلى، وهى إنها كانت يهودية إسرائيلية، وهى عبارة توحى للبعض الآن أنها كانت تحمل الجنسية الإسرائيلية خصوصا أن لفظ «إسرائيلية» تكرر قبل ذلك فى وثيقة زواجها بأنور وجدى، وهذا غير اعتقاد غير صحيح، لأن دولة إسرائيل لم تكن قد قامت فى ديسمبر 1947، ومن ثم لم تكن هناك من الأساس جنسية إسرائيلية لتتجنس بها ليلى، ولكن كلمة «إسرائيلى» كانت تطلق فى المؤسسات الدينية والرسمية فى ذلك الوقت على أى يهودى نسبة إلى بنى إسرائيل.

أما ليلى مراد نفسها وعلى الرغم من أصول أسرتها غير المصرية، فإنها كانت تتمتع بالجنسية المصرية الكاملة منذ صدور قانون الجنسية بمصر، وقبل إسلامها بنحو سبعة عشر عاما.

العائلة بين الإسلام والهجرة لإسرائيل
المدهش فيما تضمنه الكتاب هو موقف فرعا من عائلة ليلى مراد الذى هاجر لإسرائيل منذ أكتوبر عام 1949، والذى ظل حتى مماتها لا يعترف بإسلامها، وبذل محاولات مضنية للتواصل معها ودعوتها للهجرة إلى هناك والانخراط فى الطقوس اليهودية، لكنهم وباعترافهم لم يجدوا إلا الصد من جانب ليلى التى كانت تعتز بإسلامها ومصريتها.

ولك تكن ليلى مراد الوحيدة التى أسلمت فى أسرتها، فقد فعلت الشىء نفسه أختها سميحة التى تزوجت لبعض الوقت من المخرج على رضا، ثم من جمال شتا الذى كان رئيسا لشركة الشرق للتأمين، وظلت تتنقل فى الإقامة بين مصر وأمريكا، وكذلك شقيقها الأصغر موريس الذى أعلن إسلامه بعدها بسنوات، كان يعمل خلالها مساعدا لزوج شقيقته أنور وجدى فى الإنتاج والإخراج، وهناك مقدمات أفلام كثيرة من إنتاج شركة الأفلام المتحدة يظهر فيها اسم «موريس مراد» ضمن فريق العمل، لكنه قام بتغيير اسمه عند إسلامه، وأصبح الموسيقار الكبير منير مراد الذى تزوج لبعض الوقت من الفنانة سهير البابلى، ودفن فى ذات المقبرة التى دفنت بها ليلى مراد بالبساتين عند وفاته سنة 1981 قبل أربعة عشر عاما من رحيل شقيقته ليلى.

وكذلك شقيقها إبراهيم الذى أسلم لاحقا هو الآخر، وتزوج من إيطالية مسيحية وظل يمارس عمله فى الإنتاج السينمائى بمصر حتى الستينيات من القرن الماضى، وأسس مع شقيقته شركة أفلام أطلق عليها اسم «أفلام الكواكب»، واتسمت أفلامه بحالة من التسامح الدينى على غرار فيلم «رسالة إلى الله» الذى أنتجه وكتب قصته وشارك فى كتابة السيناريو سنة 1961 مع المسلم عبدالحميد جوده السحار، وأخرجه المسيحى كمال عطية لممثلين مسلمين هم مريم فخر الدين وأحمد خميس وأمينة رزق وعبدالمنعم إبراهيم.

مأساة فلسطين التى لم يتوقف عندها أحد
يكشف كتاب «وثائق فى حياة ليلى مراد» عن مفاجأة حقيقية لم يتوقف أمامها أحد من قبل، وهى واقعة شهدتها دار سينما الكورسال فى السابع من إبريل عام 1947، عندما قدم يوسف وهبى ــ مؤلفا ومخرجا – من إنتاج الأخوين نحاس، فيلما بعنوان «شادية الوادى»، والذى يقدم معالجة لأسطورة «بيجماليون» عارضا لحكاية الفلاحة بائعة الفجل التى يصنع منها الفنان المشهور نجمة ناجحة وسيدة مجتمع، والذى تخلله استعراض لا علاقة له بقصة أولا بالأحداث عنوانه «أوبرا الأسيرة» أو «مأساة فلسطين» تأليف أحمد رامى وألحان الموسيقار رياض السنباطى وغناء ليلى مراد وكارم محمود وآخرين، وهذا الاستعراض يسترعى الانتباه فى كثير من الأمور، ومنها ظهور أوبرا الأسيرة أو استعراض «مأساة فلسطين» ضمن أحداث الفيلم كان فى توقيت مبكر من الأحداث المتصاعدة لنكبة 1948، ليكون أول عمل فنى يضع يده على الجرح الفلسطينى بل ويتنبأ بما سيحدث.

أما أهمية هذا العمل بالنسبة لليلى مراد فى أن الفيلم المعروض فى إبريل 1947 كان سابقا على الإشهار الرسمى لإسلامها فى ديسمبر من العام نفسه وفق تاريخ وثيقة إشهار إسلامها، وهذا معناه ببساطة ووضوح أنه حينما قامت ليلى بغناء الأوبريت الذى يهاجم عصابات اليهود ويدعو إلى نصرة عرب فلسطين قبل أشهر من وقوع النكبة الكبرى لم يكن أحد يعلم بإسلامها الشفهى، وإنما كان الجميع يتعاملون معها على أنها يهودية، وعرض «شادية الوادى» فى إبريل 1947 يعنى أن تصويره تم فى الأشهر الأخيرة من عام 1946، والذى شهدت إسلامها الشفهى ونطقها بالشهادتين قبل عام من إعلان إسلامها رسميا للناس، وهنا يتساءل الكاتب..هل من المحتمل أن تكون قد هاجمت العصابات اليهودية فى فلسطين وهى لا تزال على يهوديتها؟ جائز جدا، لكن الأمر المؤكد أنها امتلكت الشجاعة والجرأة وفعلت ذلك وجمهورها العريض يعلم أنها يهودية لأبوين ضالعين فى اليهودية، وهذا معناه ــ فى كل الأحوال ــ أن وطنيتها قد تغلبت على ديانتها، وأن انتماءها سبق عقيدتها، وأن مصريتها هى التى انتصرت فى النهاية.

المدهش أن ليلى مراد كانت قد فعلت شيئا مشابها عام 1945 حينما استهلت فيلم «ليلى بنت الفقراء» بأغنية بعنوان «يا ست نظرة» من كلمات محمود بيرم التونسى وألحان الشيخ زكريا أحمد غنتها بمناسبة الاحتفال بمولد السيدة زينب حسب سياق أحداث الفيلم الذى أخرجه أنور وجدى. وفى هذه الأغنية تنشد ليلى وتقول: «يا بنت بنت نبينا وأخت الحسين الغالى مدد يا سيدة.. عيدك ده فرحة ونصرة وعيد الإسلام»، على الرغم من أنها لم تكن قد تحولت بعد عن اليهودية واعتنقت الإسلام، بل إنها لم تكن حتى قد قررت الاقتران بأنور وجدى الذى قربها – بلا شك – خطوة نحو الدين الإسلامى والذى دخلت فيه شفهيا بعد هذا الفيلم بعام، ورسميا بعده بسنتين. ويوم أن شدت ليلى بهذه الأغنية لا أظن أن أحدا استوقفته تلك المفارقة المهمة، فلا ليلى شعرت بأى غضاضة، ولا محيطها اليهودى استنكف فعلتها، ولا أحس جمهور المسلمين فى مصر والوطن العربى كله بأى حساسية أن تقدم مطربة يهودية هذا العمل الدينى الذى يمجد الإسلام وآل البيت.

وهذه الحقيقة أو المفاجأة أهديها إلى كل من شككوا وما زالوا فى وطنية ليلى مراد وإسلامها، وزايدوا عليه سواء فى حياتها أو بعد مماتها، وهو فصل مهم آخر فى حياة الفنانة الكبيرة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك