بعد نحو شهرين على سقوط نظام بشار الأسد، أعلنت الإدارة السورية الجديدة حل جميع الفصائل المسلحة، وذلك خلال مؤتمر في العاصمة دمشق، بمشاركة عشرات القادة العسكريين، إلا أن هذا القرار، على رغم أهميته في ضبط فوضى السلاح، لكنه يبقى في الإطار النظري، إذ لا تزال هناك قوى مسلحة وازنة ترفض الاعتراف بالسلطة الجديدة، فضلاً عن أن آليات حل الفصائل لا تزال غير واضحة.
وشهد المؤتمر تعيين أحمد الشرع رئيساً لسوريا في المرحلة الانتقالية، بمباركة وتأييد قادة جميع الفصائل التي حضرت بزي عسكري موحد، وملأت قاعة المؤتمرات في القصر الرئاسي، إلا أن الاجتماع غاب عنه الضباط المنشقون، وممثلون عن القوات الكردية وفصائل الجنوب، بحسب موقع "الشرق" الإخباري.
ورغم الإعلان الرسمي عن حل الفصائل، بما في ذلك "هيئة تحرير الشام"، لكن على أرض الواقع تبدو المهمة أصعب مما يمكن تصوره، فبينما ترفض قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، الفكرة من الأساس، تضع فصائل في درعا والسويداء شروطاً صارمة للانضمام إلى المؤسسة العسكرية، إلى جانب تعقيدات تتعلق باختلاف توجهات الفصائل ومصادر تمويلها ومناطق انتشارها.
• "جيش وطني" جديد
منذ وصوله دمشق بعد فرار بشار الأسد إلى موسكو، وحل الجيش السوري، أكد رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع، أنه سيعمل على تأسيس "جيش وطني" جديد، تنضوي تحته كل فصائل المعارضة، موضحاً أن العملية ستشمل تفكيك كل القوى العسكرية وتسليم سلاحها وإدماجها، وقال إن "هيئة تحرير الشام" ستكون أول من يعلن حل نفسه، بالتزامن مع انعقاد المؤتمر الوطني الذي لم يُحدد موعده بعد.
وخلال الأسابيع الماضية، عقد الشرع ووزير دفاعه، اجتماعات مع قادة العديد من الفصائل، لمناقشة آلية الانخراط في الجيش الجديد، لكن حتى الآن لا يوجد خطوات عملية على الأرض تُشير إلى أن الولاء والتبعية أصبحت للإدارة الجديدة.
وينتشر في سوريا أكثر من 60 فصيلاً مسلحاً في مختلف مناطق البلاد، ما يزيد على نصفها ينضوي تحت مظلة "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، والذي يضم 80 ألف مقاتل على الأقل، تتمثل مهمتهم الرئيسية في قتال "قوات سوريا الديمقراطية"، بينما تعمل بقية الفصائل ضمن تحالفات أو بشكل مستقل. كما تختلف توجهات هذه الفصائل بين المعتدلة وذات التوجه الديني، فضلاً عن جهات الدعم المتنوعة.
وفي لقاء مع مجلة "المجلة"، قال وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، إنه خدم في القوات المسلحة السورية قبل 2011، برتبة ضابط مجند اختصاص مدفعية، مشيراً إلى معرفته الكبيرة في هذا الميدان، فضلاً عن الخبرة الميدانية التي اكتسبها على مدى الصراع المسلح خلال العقد الماضي.
وذكرت إدارة العمليات العسكرية، أن أبو قصرة أجرى 47 جلسة شملت قادة وضباط من مختلف الفصائل، لافتة إلى الاتفاق على انخراط جميع التشكيلات العسكرية التي شاركت بالاجتماعات ضمن الإدارة الجديدة.
وفي إطار ترقيات شملت منح رتب عسكرية لعشرات القادة نهاية العام الفائت، حصل أبو قصرة على رتبة لواء، وتولى حقيبة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة. وهو مهندس زراعي شغل منصب قائد الجناح العسكري في "هيئة تحرير الشام"، وتولى قيادة العمليات العسكرية خلال معركة "ردع العدوان" التي أطاحت بنظام الأسد خلال 11 يوماً.
كما يُعتبر من الشخصيات التي تحظى بثقة أحمد الشرع، وحتى وقت قريب كان يُعرف بألقاب عديدة، منها "أبو حسن 600"، و"أبو حسن الحموي"، نسبة إلى محافظة حماة التي تعود جذوره إليها.
• المقاتلون الأجانب
في 29 ديسمبر الماضي، أصدر الشرع قراراً بمنح 49 شخصاً من الدائرة المقربة له، رتباً عسكرية رفيعة، تنوعت بين "لواء، وعميد، وعقيد"، معظم من تم التعرف عليهم ينتمون إلى "هيئة تحرير الشام".
وكان اللافت والمثير للجدل في آن واحد، وجود 6 أجانب في القائمة، منهم 3 ينتمون إلى أقلية "الأويجور" الذين تعود أصولهم إلى شرق آسيا، وهم عبد العزيز داوود خدابردي (عميد)، ومولان ترسون عبد الصمد، وعبد السلام ياسين أحمد (عقيد)، إضافة إلى التركي عمر محمد جفشتي، والأردني عبد الرحمن حسين الخطيب (عميد)، والمصري علاء محمد عبد الباقي (عقيد).
أثارت تلك التعيينات انتقادات ومخاوف محلية، إذ اعتبر الكثيرون أن هذه الخطوة "غير قانونية أساساً"، على اعتبار أن المقاتلين الأجانب لا يحملون الجنسية السورية، وبعضهم مطلوب في بلدانهم الأصلية بتهم تتعلق بـ"الإرهاب"، بالتالي، وفق هذا الرأي، لا مبرر لاختيار هؤلاء في ظل وجود آلاف الضباط السوريين المنشقين من أصحاب خبرة.
في الوقت نفسه، أبدت العديد من الدول تحفظها على الخطوة، إذ رأت فيها تهديداً أمنياً وإشارات غير مطمئنة من القيادة السورية الجديدة، وبحسب تقرير لـ"رويترز"، حذّر مبعوثون أمريكيون وفرنسيون وألمان، حكام دمشق من أن تعيينهم لـ"جهاديين أجانب" في مناصب عسكرية عليا، يُمثل "مصدر قلق أمني، ويسيء لصورتهم"، في وقت يحاولون الحصول على شرعية دولية.
في المقابل، اعتبرت "هيئة تحرير الشام" أن هذه التعيينات رمزية، وتأتي تقديراً لتضحيات "المقاتلين الأجانب" في الصراع ضد نظام الأسد.