فاطمة وأمينة وراضية..كيف حضرت الأم في أدب وحياة نجيب محفوظ؟ - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 1:31 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فاطمة وأمينة وراضية..كيف حضرت الأم في أدب وحياة نجيب محفوظ؟

محمد حسين
نشر في: السبت 31 أغسطس 2024 - 10:02 ص | آخر تحديث: السبت 31 أغسطس 2024 - 10:02 ص

حلّت ذكرى رحيل الأديب الكبير نجيب محفوظ، أمس الجمعة، 30 أغسطس؛ فقد غيّب الموت أديب نوبل في عام 2006، بعد رحلة مع الكتابة امتدت لأكثر من 70 عاما، قدم خلالها أكثر من 50 رواية ومجموعة قصصية فضلا عن مقالات في الفكر والفلسفة، وتوجت مسيرته الإبداعية بحصوله على جائزة نوبل في الآداب عام 1988.

- الأعوام.. إلهام طه حسين في تجربة محفوظ المبكرة


تأثر نجيب محفوظ في تجربته الأدبية الأولى بالدكتور طه حسين، حيث حاكى رواية الأيام (السيرة الذاتية لعميد الأدب العربي) في نص صاغه في سن مبكر، وأطلق عليه اسم "الأعوام".

وقال محفوظ: "لا شك أنني قرأت الأيام لطه حسين بمتعة لا مزيد عليها، وأنا لا أزال أتمرن على الكتابة، ولعلني كنت في أوائل المرحلة الثانوية، فحاولت تقليدها في كراسة أو كشكول وأسميتها "الأعوام" على نفس الوزن، محاولًا أن أقلد نفس الأسلوب ونفس الطريقة، وأحكي فيها عن نشأتي كما حكى طه حسين"، وذلك وفقًا لما جاء بكتاب أستاذتي لإبراهيم عبدالعزيز.

- الأم في الأعوام.. حضور كبير ومركز الحكايات

وبعد رحلة شاقة من البحث، تمكن الكاتب والناقد محمد شعير، من العثور على النص الكامل لتجربة "الأعوام" التي صاغها محفوظ ببداية شبابه، وعرضها شعير من خلال صفحات كتابه "أعوام نجيب محفوظ: البدايات والنهايات" الصادر عن دار الشروق.

ويشير شعير إلى غياب الأب أو حضوره الشاحب في «الأعوام» تظهر الأم بقوة، بل تكاد أن تكون بطلا للنص ومركز الحكايات داخله وتبقى حكاياتها بمثابة النبع الذي لا ينضب للذكريات والخبرات والصور والمصدر الرئيسي لمادة الحياة الخام الذي يشكل وعي الطفل بالحياة وبمفرداتها الجزئية الصغيرة.

ويفسر شعير، مكانة الأم في نص الأعوام، بأن الصبي الصغير هو «ملك العالم».. لأن أمه تقص عليه ما تشتهيه نفسه من القصص صادقها وكاذبها تلجأ إليها لتملك زمامه، لتخيفه وتردعه أحيانا، وتسعده وتفرحه أحيانا أخرى. تقص حكاياتها بينما تدعك جسده؛ حتى يستسلم لسلطان النوم الجميل.

ويضيف أن حبه لها يصل لحد العبادة كما يقول: "لقد فكر بعد مضي زمن في هذا الحب الغريب الذي كان بينه وبين أمه، فشعر بأنه كان الحب الذي فاز به في الحياة ولولاه لآزر الموت قبل أن يدرك ماهية الحياة".

ويواصل في وصف تأثيرها في حياته؛ ففي مرضها يبكي ويتحسر، وإذا خرجت لقضاء أمر ما لا يستطيع قلبه الصغير أن يتحمل الغياب، حتى عقابها له يكاد يكون مقبولا معها عرف أول حب، وأول خوف عبر تخويفه بالنار والعقاب. ومن هذا العهد أخذت تتكون في نفسه عاطفة الخوف والجبن حتى أصبحت شغله الشاغل، فكثرت أوهامه وتعددت مخاوفه ولم تكن تقصد أمه أن تصيبه بشر ما ولكنها كانت تجهل التربية العظيمة.

- فاطمة مصطفى قشيشة.. أم نجيب محفوظ التي اعتبرها مخزنا للثقافة الشعبية

ومن الأدب لحياة محفوظ الواقعية، والتي كانت الأم فاطمة مصطفى قشيشة (ابنة أحد علماء الأزهر الشريف)، بالتأكيد لها أثر بالغ في تكوينه.

ووصفها محفوظ: «سيدة أمية لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك كانت مخزنا للثقافة الشعبية.. وكانت تعشق سيدنا الحسين وتزوره باستمرار.. وكانت دائمة التردد على المتحف المصري، وتحب قضاء أغلب الوقت في حجرة المومياوات.. ثم إنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الآثار القبطية خاصة دير مارجرجس».. وكنت عندما أسألها عن حبها للحسين ومارجرجس في نفس الوقت تقول: «كلهم بركة» وتعتبرهم سلسلة واحدة.

- أمينة.. بين الثلاثية والأعوام

وبحسب ما قاله محمد شعير في كتابه: «قدم محفوظ نماذج عديدة للأم في عمله الإبداعي، نحت أيضا هذه النماذج من أنماط عرفها واقترب منها، وتكاد تكون أمينة في الثلاثية نموذج الأم النقية البريئة التي لا ترى العالم إلا من ثقوب المشربية تتعثر في خطواتها عندما قررت الخروج لزيارة سيدنا الحسين، وينحصر عالمها في تربية الدجاج فوق سطح البيت. تتقاطع إلى حد كبير صورة الأم التي يقدمها محفوظ في الأعوام مع نموذج أمينة، وإن بدت الأم الحقيقية أكثر قوة. اعتادت الخروج إلى الشارع لزيارة الأولياء أو قبور الموتى، أو للفسحة مع صغيرها. ولكن ينحصر عالمهما في متابعة العالم من شرفة البيت أو تربية الدجاج في سطح المنزل، كما يتشابهان في حب الأولياء والغناء، وخاصة أغنيات سيد درويش تحب الغناء، وهبت كيف تسمعه، وكيف تحفظه، وكيف تعيده بصوت حسن. لم ينل من هذا الهوى شعورها الديني الذي غلب على كافة مشاعرها. ويتقاطعان أيضا في محبة الثقافة الشعبية، والحكايات الخرافية».

- راضية.. سيدة الكرامات الشاهدة على تاريخ مصر

ويكمل الكتاب: ربما تلك الحكايات الخرافية هي السمة الواضحة في كل النماذج التي يقدمها محفوظ لأمه في أعماله الإبداعية، في حديث الصباح والمساء (رواية شجرة العائلة) يسميها راضية معاوية القليوبي، ويكاد يكون النموذج الوصفي الذي يقدمه لها هو الأقرب للواقع كما عبر عنه في حواراته الصحفية أو في نصه الذاتي "الأعوام".

وراضية حسبما وصفها محفوظ ذكية، قوية الشخصية طويلة ممشوقة القوام ذات أنف مستقيم وعينين سوداوين، تلقت عن أبيها القليل من التربية الدينية، يختلط إيمانها الديني بالكثير من الغيبيات والخوارق وسير الأولياء وكراماتهم وأسرار السحر والعفاريت والأرواح الساكنة في القطط والطيور والزواحف والأحلام وتأويلها وقراءة الطالع والطب الشعبي وبركات الأديرة والقديسين والقديسات التي تلقتها عن أمها.

وقد اشتهرت في الحي بوصفها سيدة الأسرار الغيبية، واشتهر عنها الفخر ببطولة أبيها الذي شارك في أحداث الثورة العرابية. عاصرت ثورة 19 وسجلت في قاموسها وليدا جديدا هو سعد زغلول، تابعت الثورة من شرفة بيتها ودعت في ضريح الحسين اللهم نجنا من شر هذه الأيام .. اللهم انصر المظلومين.

كما أدركت ثورة يوليو، وجمال عبد الناصر الذي رفع أحفادا لها حتى السماء وخفض أعزة منهم إلى الحضيض أو السجن فراوحت بين الدعاء له والدعاء عليه.

وعمرت حتى تجاوزت 100 عام. ولم تعجز عن الحركة إلا في عامها الأخير، واللافت للنظر أنها استقبلت الموت وهي تغني بصوت ضعيف: "عودي يا ليالي العز عودي".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك