جمهورية بهاء طاهر - شعبان يوسف - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 12:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جمهورية بهاء طاهر

نشر فى : الجمعة 1 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 1 فبراير 2013 - 8:00 ص

من بين الكتاب الكبار «النجوم» وحده الذى كان يداوم على حضور ميدان التحرير بعد 25 يناير 2011، يتوكأ على عصاه، ويسير بين الناس، وبين زحامهم، يستوقفه كثيرون منبهرين بهذا الحضور المؤثر والجميل والدافع لكافة القوى المحتشدة فى الميدان من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، لم تكن مشاركته تمثيلا أو من باب جبر خواطر الثوار، لأن الجميع يعلم أن النزول فى تلك الأيام كانت خطرا حقيقيا، من ناحية أن الثورة لو فشلت وعاد الجميع إلى منازلهم، سيظل الذين شاركوا فى الثورة بحضورهم ومناقشاتهم، محل تكدير من السلطة الحاكمة، ثانيا نزول ميدان التحرير فى تلك الفترة كان مغامرة بحياة الانسان نفسه، فمن الطبيعى أن جميع من خرجوا وشاركوا وهتفوا وتحاوروا وانفعلوا، كانوا يعرفون جيدا أنهم حملوا الحياة على كفوفهم وذهبوا إلى الميدان طلبا للحرية والعدالة الاجتماعية.

 

والذين حظوا بلقاء بهاء طاهر فى تلك الأيام سيتأكد أن بهاء طاهر كان أكثر شبابا وحيوية وتحاورا رغم العصا والسبعين والبرد الخفيف الذى أصابه آنذاك عاما والهدوء الحكيم الذى لا يفارقه فى أشد الأوقات انفعالا، وكان ملهما لكل من قابلوه وتحاوروا معه واستمعوا إليه، ولم يقبع فى منزله يتابع الأحداث من شاشات التليفزيون، منتظرا صفارة الحكم التى تعلن عن الفريق المنتصر، حتى يعيد المرء حساباته على ضوء ما أعلنته صفارة الحكم.

 

لم ينتظر بهاء النتيجة، ولكنه انحاز فورا لقناعاته دون أدنى حسابات، فعندما انتهت لجنة صياغة بيان المثقفين إزاء ما يحدث، وكان على رأس مطالبنا «إسقاط النظام، ورحيل مبارك فورا»، اتصلت به من دار «ميريت» وكانت نزلة البرد منعته من النزول فى هذا اليوم، وحاولت قراء البيان له تليفونيا قال لى: ضع توقيعى دون مناقشة، ولكن للأمانة أبلغته بالمطالب الرئيسية ولم يتحفظ على أى مطلب، وكذلك فعل يوسف القعيد والصديقان الراحلان محمد البساطى وابراهيم أصلان، بينما هناك من تحفظوا على مطلب إسقاط النظام، ولكل حادثة حديث.

 

والذى يتأمل تاريخ هذا الرجل «بهاء طاهر» سيدرك على الفور أنه طوال حياته منحاز لقيم العدل والحرية وكرامة الانسان التى أهدرتها آليات الطغيان فى كل مكان، هذه الانحيازات تبدت فى كافة كتاباته الروائية والقصصية والنقدية، فضلا عن عمله كمخرج مسرحى فى إذاعة البرنامج «الثانى» منذ اواخر الخمسينيات، كان بهاء طاهر طوال الوقت يبدع أشخاصا ومواقف وأحداثا مشتبكة مع الواقع، ليصوع عالما نفتقده، عالما كريما وانسانيا لمسناه عبر بطل روايته العظيمة «قالت ضحى»، وبطلها الذى انهزم أمام هذا الواقع المرير، ولكنه يظل يحلم ويتأمل ويحتج ويفضح هذا العوار الذى يصيب الأنظمة والسلطات على مر التاريخ، نلمى أن بهاء طاهر يصنع جمهوريته المحلوم بها، والتى لا تشبه «جمهورية أفلاطون» مستحيلة التنفيذ، لكن جمهورية بهاء التى تتنفس حياة طوال الوقت، وتتكئ على مفردات الواقع الذى نحياه، مثلما نتابعه فى كل ما كتب من قصص وروايات ونقد، وعندما صدرت روايته «الحب فى المنفى» كتب عنها الناقد الراحل الدكتور على الراعى إنها رواية كاملة الاوصاف، وذلك لانحيازها الكامل لقضايا الحرية بشكل مطلق، وحققت الرواية رواجا مبهرا، وقرأت على مستوى واسع من الناس، وأظن أن هذه الرواية كانت البداية الحقيقية لتنشيط القراءة ورفع قيمتها، بعيدا عن منظومة صانعى ظاهرة البيست سيلر التى لا تعنى فى أى حال من الأحوال عن قيمة إيجابية، لكن بهاء طاهر الكاتب الملتزم بقضايا الناس، والذى يستطيع أن يعبر عنهم وعن همومهم، كأنها همومه، استطاع أن يصنع لجمهوريته الفنية والادبية أنصارا كثيرين، وليست رواياته فقط هى التى أحدثت هذا الحراك، ولكن قصصه القصيرة «أنا الملك جئت» و«بالأمس حلمت بك» وغيرها من عيون الفن القصصى الذى يتجاوز الواقع الزمانى والمكانى، منتصرا للقيم الانسانية جميعا.

 

بهاء طاهر لم يقبع داخل قوقعة الكتابة، ولكنه دائما يشارك فى فعاليات عامة ذات تأثير بالغ فى المجتع عموما، وهذا ما يطلقون عليه «المثقف العضوى» الذى لا يكتفى بقلمه ليسرد أحلامه ورؤاه، ولكنه يعمل على تحقيق هذه الأحلام والرؤى على أرض الواقع، وهكذا يحقق نبوءة الكاتب العظيم يوسف ادريس عندما قدمه على صفحات مجلة «الكاتب» فى مارس 1964، وكانت قصته الذى قدمها ادريس تحمل عنوان «المظاهرة» كتب يقول: «هذه قصة جديدة لقصاص جديد، وإذا كان الناس يعرفون بهاء طاهر مخرجا دقيقا ممتازا فى البرنامج الثانى للإذاعة ومسرحياته، فبهاء طاهر هنا انسان مختلف، استطاع أن يدلف إلى قصر القصة المسحور، وأن يعثر فى سراديبه المظلمة على الخيط الأساسى لصناعة القصة، وهى مسألة مهمة وخطيرة، فالإنسان لا يعثر على نفسه أو على الخيط الاساسى لقصته هكذا بسهولة ومن أول ضربة أو قصة، إن ما أعجبنى فى هذا العمل أنه بهائى طاهرى إلى درجة كبيرة، وإذا استطاع الانسان أن يكون نفسه الحقيقية تماما فى أى عمل يزاوله فإنه بهذه الاستطاعة يكون قد وصل إلى مرتبة الفن، وأصبح كل ما يلمسه ويكتبه ــ كالأسطورة الإغريقية المشهورة ــ ذهبا فنيا، وإنى هنا أقدم هذه القصة لقراء الكاتب فإنما أقدمها فى الحقيقة أولا لكتاب القصة إذ قد أخذت أسرة التحرير على عاتقها الا تنشر القصة لشهرة كاتبها أو لاسمه أو لتاريخه وإنما فقط لكونها نموذجا جديدا نقدمه، نموذجا قد يكون صاحبه كاتبا مشهورا أو قد يكون أولى خطواته على السلم» ويسترسل يوسف إدريس فى تقديمه المحب والمشجع والمبشر، وبهاء طاهر لم يخذله مطلقا، بل مشى على خطاه وأكثر، فبهاء لا يتأخر فى الذهاب إلى أقصى مكان، ويتحمل مشقة ومعاناة الذهاب اتشجيع أحد الكتاب، وأتذكر عندما صدرت رواية «عين القط» للكاتب الشاب حسن عبدالموجود، حضر إلى ورشة الزيتون لمناقشتها، ثم أصدر كتابا فيما بعد تحت عنوان «فى مديح الرواية» معظمه كتابات عن شباب، فبهاء طاهر الكاتب والمبدع الكبير لا يعيش داخل قلمه وفقط، لكنه دوما يشاركنا فى أفراحنا وهمومنا وثورتنا، صانعا ومبدعا لنا جمهورية اسمها «جمهورية بهاء طاهر» وكل سنة وانت طيب ومبدع كبير وانسان نبيل يا عم بهاء.

 

شعبان يوسف  كاتب صحفي
التعليقات