لا ربيع ثـورة ولا ربيع شعـر - شعبان يوسف - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 2:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا ربيع ثـورة ولا ربيع شعـر

نشر فى : الجمعة 22 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 22 مارس 2013 - 8:00 ص

ما دخل الهمشرى وأبونواس وأبوللو بالربيع الشعرى العربى؟

 

انتظر الكثيرون من الشعراء والمتابعين للحركة الشعرية ماذا ستسفر عنه اجتماعات اللجنة الموقرة والتحضيرية لمؤتمر الشعر العربى الذى يقيمه المجلس الأعلى للثقافة فى مارس الحالى،  ولكن البرنامج الذى أعلنته اللجنة جاء محبطا ومخيبا للآمال،  ويثبت أنه لا فائدة فى التغيير المطلوب والمرجو، وأتمنى ــ بعيدا عن كافة أشكال التبرير والدفاع الممكنة التى تتحصن بها اللجنة الموقرة ــ أن يجلس كل واحد من هؤلاء مع ضميره فقط، ويسأل نفسه: هل هذا البرنامج يرضى ضميره فعلا؟ وهل هذا البرنامج الذى جاء بعد شهور من الاجتماعات المستمرة يعبر بأمانة عن اللحظة الشعرية العربية والمصرية؟ وإذا كانت الإجابة بالسلب فعلى هذه اللجنة «الموقرة» أن تقدم اعتذارا وليس تبريرا لما حدث، وأعلم تماما أن هذا الاعتذار من ضرب الخيال، وربما يكون وهما، لأن هذا البرنامج أعد مع سبق الإصرار والتعمد، لتثبيت لحظة شعرية غابرة وفائتة تماما، وتجاهلت اللحظة الحالية والفاعلة بكل زخمها وحراكها، وبالطبع لا خلاف على أن المؤتمر بأمسياته وجلساته النقدية يضم فى إهابه أسماء شعراء وناقدين لهم احترامهم وتقديرهم، لكنهم لا يقيمون مؤتمرا يحمل صفة العربية، ولو تأملنا العلاقة بين عنوان المؤتمر ومضمون أو عناوين الأبحاث المشاركة فى المؤتمر، سيبدو هذا العوار الذى أحاط بالبرنامج، فكيف يكون المؤتمر حاملا لعنوان يقول «ربيع الشعر.. ربيع الثورة» ونجده يحمل أبحاثا عن شعر الأندلس، والتناص الدينى عند جماعة أبوللو، وقراءات فى شعر العقاد وأبى نواس والهمشرى، بجوار دراسات عن أمل دنقل وعفيفى مطر ومحمود درويش، إذن ما دخل الهمشرى وأبى نواس والعقاد وأبوللو بالربيع الشعرى العربى الحالى؟ وما دخل كل ذلك باللحظة الثورية الحالية عموما، وطبعا أنا لا أقول ما جدوى هذه الدراسات بشكل مطلق، ولكن أسأل عن العلاقة بين عنوان المؤتمر والأبحاث المشاركة، مع عدم استنكار هذه الابحاث ذاتها تحت لافتات مناسبة، ولكن ما حدث هو استدعاء هذه الأبحاث وكاتبيها من أدراج الاحتياطى النقدى، وتم إسقاطها عنوة فيما لايخصها، وتم فرضها فرضا على لحظة تاريخية موارة، وتموج بتيارات شعرية ونقدية جديدة، لكن اللجنة «الحكومية» أصرت على تجاهل كل ذلك واستدعت من مخازنها القديمة والمهملة كل مهلهل عفا عليه الزمن، وجعلته متنا يخرج لسانه لكل جديد وفتى فى الحركة الشعرية، لذلك استهجن الكثيرون هذه المفارقات المؤسفة، وانسحب شاعران حقيقيا من المشاركة هما محمود قرنى وجرجس شكرى، ووصفا المؤتمر بالمهزلة، واستهجنا ما يجرى ويُرتكب من أخطاء فادحة باسم الشعر، مع الاعتذار للمشاركين العرب الذين جاءوا من كل حدب وصوب لتقديم مساهماتهم بكل حب وشوق لمصر الثورة.

 

 

والجدير بالذكر أن هناك تجاهلا للشاعرات الفاعلات المصريات بشكل واضح،  فلا يمكن، تحت أى مسمى تجاهل شاعرات مثل فاطمة قنديل وإيمان مرسال ونجاة على وفاطمة ناعوت وهدى حسين وحنان شافعى وعزة حسين وفاطمة المرسى وسهير المصادفة وسهير متولى وأمل عامر وصفاء فتحى وناهد السيد ودعاء زيادة.. وغيرهن من شاعرات فاعلات فى المشهد الشعرى المصرى والعربى، واختصارهن فى اسمين فقط، كذلك تجاهلت اللجنة ناقدات مصريات يشاركن بقوة فى الحياة النقدية المصرية مثل عبير سلامة وأمينة رشيد وشيرين أبوالنجا وهويدا صالح وفاتن حسين وأمانى فؤاد.. وغيرهن، وأود الإشارة إلى أن البحث الذى جاء عن شعر المرأة كتبه «رجل» وهو صديقنا الشاعر حسن طلب، ولا غبار بالطبع على مصداقية حسن طلب فيما يكتبه،  ولكن كان من الممكن تكليف ناقدة من الناقدات لكتابة مثل هذا البحث، لذلك نجد أن المرأة الشاعرة والناقدة ليست ممثلة بشكل جيد أو ديمقراطى أو حقيقى فى هذا المؤتمر، فى ظل التهميش المتعمد الذى يحدث للمرأة فى تلك اللحظة من تاريخ مصر، وفى ظل السلطات السياسية والاجتماعية المتدنية والظالمة وكذلك السلطة الدينية المفتعلة لعدد من التيارات تمارس كل شئون الفتوى الكيدية للمرأة المصرية، ولهذا فالمؤتمر يشارك بشكل أو بآخر فى هذا التهميش والاستبعاد، رغم أن شاعرين كبيرين مثل أحمد عبدالمعطى حجازى وحسن طلب ساهما فى صناعة هذا المؤتمر، وهما معروفان بانحيازهما للتقدم والديمقراطية.

 

كذلك لا يمكن أن يكون المؤتمر عربيا، ويتجاهل أهم الشعراء والنقاد العرب، مثل أدونيس وسعدى يوسف ومحمد على شمس الدين وقاسم حداد وفيصل دراج وسامى مهدى وصبحى حديدى ولينا الطيبى ومرام المصرى ونزيه أبوعفش وشوقى بزيع وعلوى الهاشمى ويحيى جابر واسكندر حبش وفخرى صالح، والاكتفاء ببضعة أسماء من الأصدقاء والمعارف والأحباب، وهذا التجاهل لا يعنى الاستسهال فحسب، ولكنه يعنى تكريس للشللية والمجاملات التى كانت مترسخة منذ زمن بعيد،  والتى ما زال يمارسها البعض،  وهذا يحدث بعد ثورة 25 يناير التى من المفترض أن تكون قد أزالت مثل هذه السلوكيات المشينة، ولن أتحدث عن الاستبعاد الذى حدث لشباب الشعراء الذين يمثلون اللحظة الشعرية والثورية بكل زخمها وتجديدها ورونقها وحقيقيتها، وهذا الحديث له مقام آحر،  ولكننا أردنا أن ننوه عنه فقط،  فأين تمثيلهم فى هذا المؤتمر،  ويتم التكريس للحظة مغايرة تماما للحظة الحالية، إن استدعاء شعراء من خزانة قديمة، يعمل على تهميش وتسخيف اللحظة الشعرية بكل ما فيها من تفجرات، وكأن ما يحدث فى الواقع لا يدركه هؤلاء المؤتمرون، ويتم التكريس لعناوين لا تمت لما يحدث للواقع الحقيقى بأى صلة، ويحكم على هذا المؤتمر بالعزلة الأكيدة،  هذا المؤتمر الذى آثر ألا يشتبك مع الهموم والمشكلات الحقيقية والشائكة التى استجدت واستحدثت بعد قيام الثورة، رغم أنه يضع على رأسه لافتة تقول «ربيع الشعر، ربيع الثورة»، ولكن تم استدراك آخر يقول: «دورة أبوللو»، ويبدو أن المؤتمرين اختاروا أن يسكنوا فى عصر أبوللو، ويهجروا العصر الذى تسكن أجسادهم فيه، متجاهلين كافة الحركات التى نهضت فيما بعد، وتواءموا مع ما يناسبهم، ويناسب ما يحلمون به، وكل هذا ضد ما زعموه من ربيع وشعر وثورة.

شعبان يوسف  كاتب صحفي
التعليقات