سيد عويس حالة ومائة عام على الميلاد - شعبان يوسف - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 10:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيد عويس حالة ومائة عام على الميلاد

نشر فى : الجمعة 12 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 أبريل 2013 - 8:00 ص

عندما بدأ عالم الاجتماع الراحل كتابة سيرته الذاتية وضع أمام القارئ سلسلة من المحاذير التى تجعله يفكر فيما يطرحه عليه من أحداث وأقوال ومواقف كثيرة مرت بحياته التى بدأت فى 17 فبراير عام، واعتبر عويس أن هذه الكتابة التى تحمل عنوانا مثيرا ولافتا وهو: «التاريخ الذى أحمله على ظهرى»، وصد رعن دار الهلال فى ثلاثة أجزاء عام 1986، أى قبل رحيل بعامين، ولن يطلق عويس على هذه الكتابة «سيرة ذاتية»، ولكنه قال إنها دراسة حالة، وهو سوف يقرأ حياته كما يقرأ حياة الآخرين، ويضع المقدمات والعوائق التى واجهت هذه الحالة المدروسة، ثم النتائج التى وصلت إليها الحالة بعد كل هذه السنوات، وبالطبع هذا نوع من الموضوعية ربما يكون أنقذ عويس من الاستغراق فى مديح الذات وتمجيدها كما يفعل الآخرون، وإن كان عويس نفسه قال إن أى نفس لا تخلو من الهوى، ومن الممكن بسهولة ويسر أن تقع فى مزالق لا حصر لها، ولمن قرأ هذه الثلاثية سيتأكد أن ذات عويس لم تنحرف يمينا أو يسارا، كما كانت ابحاثه الثرية التى قدمها على مدى حياته، هذه الأبحاث الرائدة والميدانية، والتى تحتاج منا القراءة الأعمق والأشمل، وليتها تجد نشرا كريما حتى تعم الفائدة على القارئ المصرى الذى يغرق فى تفاصيل الحياة دون أدلة وإجابات على أسئلة كبيرة ومعقدة وشائكة، كان عويس قد وضع منهجا للإجابة عن هذه الأسئلة، ومن أهم هذه الابحاث العلامة، كتابه: «هتاف الصامتين»،الذى صدر عام 1971، وقام فيه بدراسة الكتابات التى تكتب على هياكل المركبات فى المجتمع المصرى المعاصر، وقام بجمع ميدانى لغالبية هذه الكتابات وعمل ربطا عميقا بينها وبين حال المجتمع وصراعاته الثقافية والطبيقية المتعددة، وضمن هذه المقولات: «ياخفى الألطاف نجنا مما نخاف، ويادلع ادلع، ويارب اكفينى شر عيون الناس، ويارب كيف أدعوك وأنا عاصى وكيف لا أدعوك وأنت كريم، وياناس ياشر كفاية ار، وياسيدى على كده، ويارب لك الحمد.. إلخ هذه الجمل التى وصلت إلى 669 جملة، وعمل لها تحليل مضمون، لتعد هذه الدراسة من نوعها فى مجال علم الاجتماع، كما أنه أجرى بحثا آخر حول الرسائل التى يرسلها الناس إلى الإمام الشافعى، وفيها يقول الناس ما لا يقولونه لاحد من أسرار ومعاص وهزائم وخيبات، ويطلبون التوسط إلى الله سبحانه وتعالى أن يغفر لهم أو يحقق لهم ما يصبون إليه، ومن خلال هذين البحثين وضعنا سيد عويس أمام حالات نفسية واجتماعية للمجتمع المصرى غريبة وفريدة من نوعها، وفى ذلك المجال أعد كتابا آخر وهو «الإبداع الثقافى على الطريقة المصرية.. دراسة عن بعض القديسين والأولياء فى مصر»، واكتشف أن مكانة هؤلاء الأولياء والقديسين ليست مرتبطة بالديانتين المسيحية والإسلامية فحسب، بل إن هذه المكانة ممتدة فى تاريخ المصريين عموما منذ أسطورة إيزيس وأوزوريس، وقام بدراسة أشكال الشبه والاختلاف بين التعامل فى الديانتين المسيحية والإسلامية، وكذلك المصرية القديمة، ورصد كل هذه الظواهر فى صياغة عامية وأدبية رائعة، ودرس تجاوز المصريين لبعض القواعد الدينية لشدة الحاجة الاجتماعية، مثل سكنى المقابر، فرغم أن السكن بالمقابر يعد من المحرمات، إلا أن المصريين لجأوا للمقابر وسكنوا فيها تحت ضغط الحاجة وإلحاحها، واستخدموها أحيانا فى تعاطى المخدرات والاتجار فيها،كما كانوا يتاجرون فى عظام الموتى.

 

وبعيدا عن جميع الدراسات الميدانية العظيمة التى قام بها سيد عويس، إلا أننا سنلاحظ أنه كان يستخدم اللغة الادبية فى صياغة أفكاره، فنجده مثلا يقتبس عبارة من رواية «عودة الروح» لتوفيق الحكيم فى مقدمة كتابه «الإبداع الثقافى» وتقول هذه الجملة: «جئ بفلاح من هؤلاء وأخرج قلبه تجد فيه رواسب عشرة آلاف سنة، من تجارب ومعرفة، ريب بعضها فوق بعض وهو لا يدرى»، وسنجد فى كتاباته اقتباسات كثيرة أدبية من هنا وهناك، بل إنه قام بتجربة فريدة فى كتابه العظيم: «لا للعنف» وهى دراسة شخصية السفاح السكندرى محمود سليمان بطل رواية «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ، مما يعطى خلفية خاصة لقراءة الرواية بوازع مختلف.

 

وفى هذا السياق لا بد أن أشير إلى أننى اكتشفت مجموعة قصصية بعنوان «نهاية المهزلة» ومؤلفها سيد عويس، وأنا لا أعرف كاتبا آخر اسمه سيد عويس، وسألت كثيرين هل هناك أديب أو كاتب يدعى سيد عويس غير الذى نعرفه، فلم أجد إجابة، فأيقنت حتى إشعار آخر أن هذه المجموعة تنسب لأستاذنا الجليل، ومما يؤكد ذلك أن مقدمها الكاتب والسيناريست محمد حسن كامل المحامى يقول فى تقديمه للمجموعة: «والأديب سيد عويس بطبعه يميل إلى الأسلوب التحليلى ومثل هذا اللون من الأسلوب يحتاج إلى دراسة واطلاع فى علم النفس بجميع  فروعه، فإذا كان واجب القصة كما يقول المؤلف هو العمل على ملء فراغ عقل القارئ من القيم النظيفة»، والكاتب نفسه يعتبر هذه القصص فى مقدمته التالية وكأمه يؤدى رسالة، أى وظيفة، أى أنه يكتب أدبا ولكن فى قرار نفسه يؤدى وظيفة، أى أن الجانب النفعى الذى يلح على الباحث موجود هنا مما يؤكد أن كاتب هذه المجموعة أديب وباحث فى ذات الوقت، وعند رجوعى لدليل القصة الذى أنجزه الراحل الدكتور سيد حامد النساج ذكر أن لسيد عويس مجموعة قصصية ثانية، وتدور معظم أجواء قصص مجموعة «نهاية المهزلة» فى أجواء تعقد مقارنات اجتماعية بين مجتمع ما قبل ثورة 1952 وما بعدها، منتصرا بالطبع لثورة 23 يوليو، ولو ثبت بالفعل أن هاتين المجموعتين للراحل العظيم فمن الواجب إعادة نشرهما لإلقاء أضواء جديدة فى مسيرة سيد عويس، الذى لم يحظ بتكريم ودراسات فى ذكرى ميلاده المائة، فقط أريد أن أنوه أن الباحث اليابانى «ايجى ناجساوا» والذى كان يعمل كملحق ثقافى فى سفارة اليابان بالقاهرة، أعد بحثا هاما تحت عنوان «كيف رأى طفل فى السادسة من عمره ثورة 1919» مستفيدا من كتابة عويس «التاريخ الذى أحمله على ظهرى» وترجمه إلى العربية الباحث والمترجم خليل كلفت، ونشره فى صحيقة أخبار الأدب فى أواخر التسعينيات من القرن الماضى.

شعبان يوسف  كاتب صحفي
التعليقات