الأوروبي التائه في 2023 - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأوروبي التائه في 2023

نشر فى : الثلاثاء 1 أغسطس 2023 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 أغسطس 2023 - 8:25 م

لم تشعر أوروبا بالخطر الوجودى على بقائها قوة عظمى ولاعبا له وزنه على قمة هرم النظام الدولى قدر شعورها الآن، فكشفت التغيرات الجيوسياسية فى الأعوام الأربعة الأخيرة تراجع الدور الأوروبى وعززت المخاوف من أن يصبح الاتحاد مجرد تجمع إقليمى منزوع القوة والتأثير.
فى هذا الموضوع بالضبط تابعت الأسبوع الماضى أعمال الدورة الرابعة لـ«قمة سالزبرج» فى النمسا، التى ضمت ساسة وخبراء من جميع أنحاء القارة العجوز، والتى رفعت عنوان «الاستقلال الاستراتيجى لأوروبا وخريطة التجارة العالمية»، فى محاولة لاستكشاف طريق الوصول للكيفية التى تمكن أوروبا من تحقيق استقلال ذاتى استراتيجى أكبر فى مشهد تجارى عالمى تهيمن عليه قوى عظمى مثل الصين والولايات المتحدة، وسبل تعزيز المرونة الاقتصادية للتكتل الأوروبى بما فى ذلك تطوير سلاسل توريد تحقق الاكتفاء الذاتى لأعضائه.
فى الحديث عن الاستقلال الاستراتيجى لأوروبا نقول إنه فى السابق كان حكرا على النواحى الخاصة بالأمن والدفاع، لكنه فى السنوات الأخيرة أدخلت عليه موضوعات الصناعة والتجارة، وفى تفسير ذلك نعود للصرخة التى اعتاد جوزيب بوريل، الممثل السامى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية إطلاقها فى المنتديات الأوروبية منذ سنة 2020 أى من قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وظهور وباء كوفيد 19، وفى هذا الصدد يقول: «إن العالم تغير.. من الصعب الادعاء بأن اتحادا سياسيا قادرا على العمل كـ«فاعل عالمى» دون أن يكون «مستقلا» فى نفس الوقت. إن وزن أوروبا فى العالم يتقلص، قبل ثلاثين عاما، كانت قارتنا تمثل ربع ثروة العالم، فى غضون 20 عاما، ستكون حصتنا من الناتج القومى الإجمالى العالمى 11٪ على الأكثر، هذا يضعنا خلف الصين، التى ستكون حصتها ضعف ذلك، وسنكون وراء الولايات المتحدة بحصة 14٪، وتقريبا ستكون أوروبا بالكاد على قدم المساواة مع دولة مثل الهند.. ولذلك فإن الاستقلالية الاستراتيجية هى معنية بمسألة بقاء التأثير والفعل السياسى، تظل تحالفاتنا التقليدية ضرورية، لكنها لن تكون كافية».
فى قمة سالزبرج عبر الكثير من المشاركين عن خشيتهم من تراجع الصناعة فى أوروبا، وأنها ربما قريبا تجد نفسها فى وضع تنافسى غير مؤات، وعبر الكثير من المشاركين عن خشيتهم من أن قانون خفض التضخم (IRA) الذى أقرته الولايات المتحدة سنة 2022 قد يؤدى إلى هجرة الاستثمارات من أوروبا إلى أمريكا بالنظر إلى أسعار الطاقة الأرخص والدعم الجاذب للاستثمار فى الأخيرة».
ولهذا السبب بالضبط ترى أحزاب المحافظين أن تمسك التكتل بـ«الصفقة الأوروبية الخضراء» التى تهدف إلى جعل اقتصاد أوروبا محايدا مناخيا بحلول عام 2050، سوف يؤدى إلى موت أوروبا صناعيا، فى الوقت الذى لا تعطى فيه الولايات المتحدة والصين والهند موضوع تغيرات المناخ أهمية تذكر، وهو ما يصطدم مع المفوضية التى وضعت قانونا ملزما لأعضائها بالوصول إلى الحياد المناخى، أى خفض الانبعاثات المسببة لاحترار الأرض إلى الصفر.
كل هذا الجدل يعزز حضور أحزاب اليمين المتطرف فى الشارع الأوروبى، التى لا تعترف أصلا بأى تأثير للتغيرات المناخية، وترى أنها ترف يزيد أعباء الناس الاقتصادية، وهو الخطاب الذى صار يجد له صدى بعد المعاناة جراء وباء كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية.. حضور اليمين الشعبوى بقوة فى المشهد الأوروبى سيضرب التكتل فى مقتل، نظرا لتوجهات هذا التيار المعادية لأى عمل أوروبى موحد، وارتباطاتها التى صارت مكشوفة بروسيا.
قبل الختام نؤكد على أنه فى الطريق إلى الاستقلال الاستراتيجى الأوروبى المنشود، لا يمكن إغفال الأمور العسكرية والدفاعية، فأوروبا تواجه الآن حربا على أراضيها، كشفت حاجتها الماسة للقدرة القتالية التى وهنت نتيجة مرحلة الاسترخاء التى أعقبت نهاية الحرب الباردة سنة 1991، وإذا كانت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن قد تقدمت الصفوف وحشدت الدعم لأوكرانيا، فإن واشنطن غير مستعدة للانخراط فى النزاعات أو التوترات التى تقع على أطراف القارة العجوز، فلن تشارك الولايات المتحدة مستقبلا فى عمليات عسكرية واسعة النطاق فى إفريقيا والشرق الأوسط، تاركة الأزمات والصراعات فى جوار أوروبا لأوروبا، بحسب الكثير من الدراسات الرصينة.

التعليقات