مؤتمر الرواية ومبدأ الوصاية - شعبان يوسف - بوابة الشروق
الأربعاء 22 مايو 2024 7:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤتمر الرواية ومبدأ الوصاية

نشر فى : الجمعة 10 ديسمبر 2010 - 10:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 ديسمبر 2010 - 10:05 ص

 هناك شبه قاعدة أصبحت سارية وفاعلة تعمل فى جميع جوانب الحياة المصرية، سواء الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو السياسية، أو الثقافية، وهذه الأخيرة هى التى تخصنا، هذه القاعدة أو شبه القاعدة، أو حتى شبه المنحرف ــ حسب الهندسيين ــ نقول: إن هناك «مخا» يفكر ويُنظِّر ويُقعِّد، وهناك «عضلات» تنفذ، وتحيل هذا التفكير والتنظير والتقعيد إلى حركة دائبة، ونشاط محموم، ولجان، وندوات، وأنشطة، ومؤتمرات، وهكذا، ودون إسهاب وإطالة يحدث أن تقرر مؤسسة ثقافية بإقامة مؤتمر ما، وسرعان ما تتجمع الأغراض لإعطاء شرعية ما لهذا المؤتمر، ولكى لا نذهب بعيدا، فأنا أتحدث عن المؤتمرات التى يقيمها المجلس الأعلى للثقافة، خاصة المؤتمر الذى سيعقد بعد يومين، وهو مؤتمر الرواية، فمنذ أن تم الإعلان عنه، والإعداد يتم على قدم وساق، فتشكلت لجنة أطلقوا عليها اللجنة العلمية، ولا أعرف ما مدى علمية هذه اللجنة، فبعد الإفصاح عن الأسماء التى تشارك فى هذه اللجان المسماة علمية ــ مع احترامى وتقديرى لها ــ نلاحظ أن أغلبهم لا علاقة لهم بإعداد مؤتمرات أو ندوات أو أى أنشطة، ولكن يتبين الأمر أن هذه الأسماء ما هى إلا أسماء مطيعة، ولن تحتج أو تتمرد، أو تطرح أسئلة شائكة، وبالطبع فمعظم أعضاء هذه اللجان ليس لهم علاقة بالمنتج النهائى الذى يتجسد فيما يسمى بالمحاور، وبالطبع توكل الصياغة إلى اثنين أو ثلاثة أكاديميين يخرجون علينا بمحاور مثل: الرواية والمستقبل، أو الرواية والتجريب، أو الرواية والخيال العلمى، وكلها كما نرى محاور تصلح أن تكون فى أى زمان ومكان، مع التجاهل التام بأن الرواية أو الإبداع عموما ما هو إلا التعبير الأمثل عن المتغيرات المتعددة فى الواقع، مثل تطور أشكال العنف، وظهور أنماط معينة فى الكتابة الروائية، وغيره مما يصعب حصره هنا، ولكن يتم تجاهله وتهميشه بضراوة وقسوة وتعمُّد من قبل هذه اللجنة العلمية، التى لا يخطئ منشئوها ومكونوها فى أى مرة من المرات، ليختاروا من يقدرون على طرح مقترحات وأسئلة ومحاور أكثر فاعلية، خشية من إنقاص أو خدش سلطاتهم الأبدية.


وبعد أن تنتهى هذه اللجنة العلمية من صياغة محاورها، وبث هذه المحاور عبر الوسائط الالكترونية، تتم عملية «تشوين» الباحثين، وجمعهم من كل حدب وصوب، تذكر أن أعضاء اللجنة العلمية يتقاضون أموالا على إنجازاتهم «المرموقة»! أما من سيشاركون بأوراق بحثية، أو فى موائد مستديرة أو غيره، لهم الله الذى يتولاهم، ولا يتقاضون سوى الجلوس على منصة نظيفة، ولافتة صغيرة يكتب عليها اسم الباحث، وهناك مصور دائم يظهر فى أوقات حاسمة، ويلتقط بعض الصور للباحث المتحدث، وبالطبع قاعة فارغة إلا قليلا!


هذا سيناريو تعبنا منه جدا، فبدلا من إشراك معظم المثقفين الفاعلين فى جلسة عامة، لكى يقترحوا محاور للمؤتمر، ويتم تدوين المناقشات، وانتخاب لجنة بشكل ديمقراطى لصياغة هذه المقترحات، حتى يكون الجميع مشاركين بشكل أو بآخر فى الإعداد للمؤتمر، نجد أن المؤسسة مُصرَّة، وبشكل تعسفى على هذا النمط القديم، الذى قد يريحها، ولكنه لا يخدم عامة المثقفين والباحثين والكتاب، الذين يجدون أنفسهم أمام برنامج ومحاور وعناوين، وما عليهم إلا أن ينفذوا ويجسدوا هذا البرنامج فى ندوات وحلقات وموائد مستديرة.


وعلى مدى تاريخ المؤتمرات لا يحدث سوى سيناريو شبه متكرر، ولا توجد أشكال إبداعية جديدة، وتعمل قاعدة «ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، فبعد أن تتشكل اللجنة العلمية ــ المخ ــ وينفذ الباحثون والكتاب ــ العضلات ــ برنامج المخ، تأتى لجنة أخرى لاختيار الفائز، وهذا فى كل المؤتمرات: القصة القصيرة، والشعر، والرواية، وأيضا تنحصر اختيارات الجائزة فى اسمين أو ثلاثة، تجرى المنافسة بينهما، ولكن فى مؤتمر الرواية على وجه الخصوص، كانت كل الاختيارات ليست مجسدة للحظة الراهنة للرواية، مع كل التقدير والاحترام للأسماء التى فازت بالجائزة..

الراحل عبدالرحمن منيف، والكُتَّاب: صنع الله إبراهيم، والطيب صالح، وإدوار الخراط، وحتى المرشح الحالى بقوة، وهو إبراهيم الكونى، لكن تحفظى على أن هذه الأسماء لا تمثل اللحظة الراهنة، وهذا يعتبر تهميشا للكتابة القائمة والفاعلة ــ فعلا ــ وما هذا المؤتمر إلا التدشين والتكريس لأزمنة سابقة فات أوانها، ويتم إحياؤها عبر هذه المؤتمرات، ناهيك عن تهميش بل نفى المبدعات على كل المستويات، وكأنهن غير موجودات، وكثيرا ما صدعتنا المؤسسة الرسمية بشعارات تنادى بالدفاع عن المرأة، وهذا على المستوى النظرى، بدليل أن نازك الملائكة لم تفز بجائزة الشعر، وكانت على قيد الحياة، وعندما رحلت أعلنت وزارة الثقافة أنها ستعقد مسابقة عربية للشاعرات، وتداولت الصحف ووكالات الأنباء الخبر بأوسع الطرق، وبالطبع لم يحدث أى شىء، وبدا الأمر وكأنه تجارة، وشغل الرأى العام بأخبار وهمية، وهذا غيض من فيض، وكذلك لم تفز كاتبة بجائزة القصة القصيرة، وكذلك لن تفوز رضوى عاشور ولا سلوى بكر ولا نوال السعداوى ولا آسيا جبار ولا أحلام مستغانمى، ولا سميحة خريس، ولا ليانة بدر، ولا سحر خليفة، ولا حنان الشيح، ولا أى كاتبة، وهذا يثبت بشكل عملى الذكورية المهيمنة، مهما صدح هؤلاء المسئولون وغنوا بحقوق المرأة.

والأعجب ـ بالطبع ـ هو أن الكاتبات صامتات، قانعات، راضيات، هذا لأن عطاء المؤسسة متعددة، هناك تدجين فى لجان، وأسفار، وترجمات، وتفرغ، وأشكال كثيرة من التسكيت المخجل، حتى الجوائز الأخرى فمنحها ليس للأكفأ، ولا للأقدر، ولكن للأقرب، وللأكثر طاعة، وعندما حصلت نعمات البحيرى على جائزة التفوق حصلت عليها قبيل الرحيل، بعد نداءات وصراخ من مثقفين وكتاب، فكان منحها الجائزة ليس بناء على تقدير، بل بناء على عناصر أخرى.

وهكذا حُرمت صافيناز كاظم، وسلوى بكر، وراحت الجائزة لأسماء أخرى.

هذه خواطر لا تسُّر الخاطر ــ كما كان يكتب زكريا تامر ــ وملاحظات أتمنى ألا تغضب من بيدهم الأمور من قبل ومن بعد، ربما تكون نافعة أو منبهة ونحن فى انتظار المؤتمر الذى سيعقد بعد غد، لكننا تعودنا على أن المسئولين يملكون آذانا سميكة، لا تتأثر، ولا تتفاعل، لكنها آذان لا تسمع سوى صوت واحد، هو صوت السلطة، أى صوتها المدوى دوما، لذلك فهذه الملاحظات أسوقها لأصدقائى الباحثين والمثقفين والكتاب، الذين لن يقبلوا أن يكونوا قطيعا ناعما ومطيعا، وسائرا على درب الصمت والطاعة.

شعبان يوسف  كاتب صحفي
التعليقات