بوادر تعثر الثورة المصرية: ماذا نستفيد من خبرات أوروبا الشرقية؟ - نادين عبد الله - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 6:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بوادر تعثر الثورة المصرية: ماذا نستفيد من خبرات أوروبا الشرقية؟

نشر فى : الأربعاء 14 سبتمبر 2011 - 1:00 ص | آخر تحديث : الخميس 22 سبتمبر 2011 - 2:32 م

لا نفصح عن سر حين نقول إن الثورة المصرية فى مفترق طرق، وإن فكرة القضاء على أهدافها لم تعد ضربا من ضروب الخيال.

 

ففى الوقت الذى أنجزت فيه دول تحولت مؤخرا إلى الديمقراطية إنجازات تاريخية فى أوقات وجيزة، نجد أنفسنا فى حالة ارتباك، وفى موقف مرتعش بامتياز ينبئ استمراره بإعادة إنتاج النظام القديم بكل تفاصيله.

 

فما السبب وراء ذلك؟ وما الذى يمكن أن نستلهمه من خبرات دول مثل دول أوروبا الشرقية فى هذا الصدد؟

 

أولا: حسن إدارة المرحلة

 الانتقالية ووضوحه

 

من المؤكد أن أهم ما ميز دول شرق أوروبا هو التوافق على كيفية إدارة العملية الانتقالية وقواعد التحول نحو الديمقراطية بأسلوب واضح وشفاف غير ملتبس فيه. فقد حسمت أغلبية هذه الدول كل القضايا الخلافية فيما ما عرف بتقليد مفاوضات «المائدة المستديرة». وقد ضمت هذه الأخيرة كلا من قوى النظام الشيوعى القديم والقوى الثورية الجديدة، وأسفرت على إقرار حزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والقانونية بل والتعديلات الدستورية اللازمة لإدارة عملية الانتقال نحو نظام ديمقراطى جديد بيسر وسلاسة.

 

بالقطع، إدارة المجلس العسكرى للمرحلة الراهنة فى مصر بعيدة كل البعد عن هذا المنطق: فلا توجد آلية واضحة وشفافة للتواصل مع القوى الثورية الجديدة، على طريقة مفاوضات المائدة المستديرة مثلا، تسفر عن جدول واضح ومتفق عليه ينهى هذه الحالة الضبابية بامتياز. وهو أمر شديد الخطورة قد يعصف بأهداف الثورة عصفا لأن التخبط هو بداية التعثر والارتجال هو أول علامات الفشل.

 

وبعكس ما حدث فى مصر التى تبارت فيها القوى الجديدة فى الضغط من أجل إحداث تغييرات ثورية متمثلة بالأساس فى الضغط من أجل إسقاط الدستور وتغيير أغلب رموز النظام القديم، تبنت مفاوضات «الطاولة المستديرة» مبدأ «الإصلاح التدرجى»، الذى يحل فيه الجديد محل القديم بشكل متدرج وليس «دفعة واحدة».

 

فاكتفت بولندا مثلا ــ والتى تعتبر اليوم من أكثر دول أوروبا الشرقية استقرارا وتقدما ــ بتعديل دستور عام 1952 تعديلات بسيطة تسمح بعقد انتخابات برلمانية مقيدة وليست حرة 100% بناء على الاتفاق. وفى 1994، أقر البرلمان دستورا صغيرا ينظم العلاقة بين السلطات، ولم تتم الموافقة على الدستور الجديد والنهائى لبولندا إلا فى عام 1997.

 

وبالتالى لم يكن قط معيار النجاح هو «ثورية التغير» و«جذرية الإصلاحات» بقدر ما كان وضوح الرؤية، ثبات الخطوات المتخذة لتحقيقها، والاتفاق بين الجميع عليها. وهو الفكر الذى يفتقده كل من المجلس العسكرى والقوى السياسية الجديدة فى آن واحد: فالأول ينتهج النهج المباركى القديم ذات الإصلاحات «الصورية» وليس «التدرجية»، أما الثانية فتصر على الإصلاحات «الثورية» فى مواجهة مؤسسة عسكرية «محافظة» ومجتمع لم تصل الثورة بعد إلى كل أطرافه.

 

ثانيا: أولوية الإصلاح المؤسسى

 

 نجحت أغلب دول أوروبا الشرقية فى موجتها الأولى (وليس كلها)، والتى بدأت فى نهاية الثمانينيات (بولندا، تشيكوسلوفاكيا، المجر.. ) فى إعطاء أولوية قصوى لإصلاح مؤسسات الدولة عصب أى تحول نحو الديمقراطية. ولعل هذا هو الفرق الأساسى بين نجاح هذه الدول فى مقابل تعثر عدد من دول الموجة الثانية للتحول نحو الديمقراطية فى أوروبا الشرقية فى بداية الألفية الثانية (صربيا، أوكرانيا، جيورجيا...). فلم تنجح مثلا أوكرانيا التى اندلعت فيها الثورة البرتقالية فى 2004 فى إرساء مقومات دولة القانون وإصلاح مؤسساتها، وعلى رأسها المؤسسة القضائية، التى ظلت غير مستقلة وتابعة للنظام السياسى. كما فشل النظام الأوكرانى الجديد فى وضع منهج واضح لمحاربة الفساد المتفشى فى جميع مؤسسات الدولة، والذى لم تتغير نسبته وفقا لمنظمة الشفافية الدولية من 2004 وحتى 2010. فماذا كانت النتيجة؟ للأسف، نجح فيكتور يانكوفيتش فى انتخابات 2010 الحرة والنزيهة، وهو المرشح الرئاسى المهزوم فى انتخابات 2004 المزورة لصالحه، والذى نشبت الثورة البرتقالية فى عهده بهدف إسقاطه. بالطبع، هذه نتيجة طبيعية لأنه عادة ما يصاحب الفشل فى تحقيق نتائج ملموسة فى المراحل ما بعد الثورية إحباط شديد يستشرى فى المجتمع، ويدفع الجماهير لاختيار المرشح الأقوى والأقدم، وليس بالضرورة الأكثر ديمقراطية. ولا يعنى ذلك سوى إجهاض الثورة والارتداد نحو السلطوية.

 

وهنا تكمن الكارثة الكبرى، فنحن نسير حاليا فى مصر على درب هذه التجارب الفاشلة لأننا نكتفى بتغييرات مؤسسية قشرية. فلا يولى الجهد اللازم لوضع خطة واضحة لإصلاح مؤسسات الدولة المترهلة أو إعادة هيكلتها. فالمؤسسة التعليمية خربة، والمؤسسة القضائية بحاجة إلى انتزاع استقلالها الكامل، والمؤسسة الإعلامية منفلتة، والمؤسسة الأمنية منهارة.. ولعل الفشل فى هيكلة الجهاز الأمنى فى مصر بعد مرور ما يقرب من 6 أشهر على تنحى الرئيس هو أبلغ مثال على ذلك. أما دولة التشيك فقد أنجزت هذه المهمة فى نفس الفترة وفقا لخطة مدروسة وواضحة لم تتوان القيادة السياسية عن تفعيلها من خلال تطهير الجهاز الأمنى وإخضاعه لرقابة قوية وتعيين وجوه جديدة فيه.

 

وإحقاقا للحق نشير إلى أن الإصلاح المؤسسى فى دول أوروبا الشرقية كان أسهل من هذه الزاوية، لأنه بعكس الحالة المصرية، لم تصاحب السيطرة السياسية للحزب الشيوعى على مؤسسات الدولة تجريف كامل لمهنية هذه المؤسسات.

 

ثالثا: وضوح عملية فرز القوى الجديدة عن القديمة

 

بدل من أن تتحد القوى السياسية فى مصر، عبر آليات كالقائمة الموحدة مثلا، لمواجهة قوى النظام القديم التى تعيد إنتاج نفسها بصورة فجة، وقعت هذه الأخيرة فى «مصيدة» الاستقطاب، الذى فكك أوصال المجتمع. فقد ميز كل تحالف انتخابى نفسه عن الآخر وفقا لرؤيته الخاصة «بهوية الدولة» بدل من أن تتوحد هذه القوى فى تحالف واحد، يميز نفسه فى مواجهة القوى القديمة، بناء على فكرة إعادة «بناء هذه الدولة». وبالتالى، لم تقدم هذه التحالفات سوى صورة ذهنية باهتة، ولم تصل إلى قلوب الناس باعتبارها روحا جديدة تجرى فى شرايين هذا الوطن كى تحييه. أما فى أوروبا الشرقية، فقد كان الأمر مختلفا لأن المبادئ التى مثلتها القوى الإصلاحية الجديدة والمتكتلة من حرية فى مواجهة القهر، ومن نظام رأسمالى متقدم (على غرار دول اوروبا الغربية) فى مواجهة نظام شيوعى مترهل (على غرار الاتحاد السوفييتى)، كانت قيما واضحة للعيان وسهلة التمييز والفرز.

 

وأخيرا، نجحت النخبة السياسية فى دول أوروبا الشرقية فى ابتكار صيغة مجتمعية تدفع الجماهير إلى تحمل صعوبة المرحلة الانتقالية من خلال الإيمان بحلم يشاركون فى تحقيقيه بل ويكونوا جزءا منه. فقد كانت «العودة إلى أوروبا المتقدمة» بكل ما يعنى ذلك من معانٍ لهذه الشعوب، التى عاشت لسنين عديدة تحت سيطرة الحرمان والقهر، هى الدافع والحلم. أما نحن المصريين، فما عسى أن يكون حلمنا؟ وهل سنتكاتف فنحققه؟ ونضحى كى ننجزه؟

نادين عبد الله باحثة سياسية في منتدي البدائل العربي للدراسات وباحثة دكتوراه في جامعة جرونوبل بفرنسا
التعليقات