الملف الاجتماعى بعد الثورة: أين قانون الحريات النقابية؟ - نادين عبد الله - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 6:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الملف الاجتماعى بعد الثورة: أين قانون الحريات النقابية؟

نشر فى : السبت 21 يناير 2012 - 9:25 ص | آخر تحديث : السبت 21 يناير 2012 - 9:25 ص

منذ ما يقرب من 8 أشهر، تشرفت بحضور الجلسات الخاصة بمؤتمر الحوار الاجتماعى، والتى عقدت تحت إشراف وزير القوى العاملة السابق الدكتور المحترم أحمد البرعى.

 

وبصياغة قانون الحريات النقابية بعد التوافق عليه وعرضه فى الجلسة الأخيرة من المؤتمر، انفرجت أساريرى من الفرحة لقناعتى بأن مسألة صدوره من الطبيعى ألا تكون سوى مسألة وقت، يخرج بعدها القانون إلى النور.

 

ولكن من المرجح أنى كنت مخطئة، فبوصول هذا القانون إلى المجلس العسكرى مرورًا بمجلس الوزراء اختفى ولم نسمع عنه شيئًا!! ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل بدلا من أن يتم عقد انتخابات حرة فى اتحاد عمال مصر ــ الذراع العمالية اليمنى للنظام السابق ــ انتخابات كان من شأنها تدشين عقد جديد من الديمقراطية النقابية فى ضوء قانون جديد للعمل النقابى فرضنا إصداره جدلًا، فوجئنا بما هو عكس ذلك تمامًا. فمنذ بضعة أيام، تم تجديد الدورة النقابية فى الاتحاد العمالى الرسمى فى مشهد لا يعنى سوى أن التغيير بعد الثورة ليس سوى وهم كبير.

 

***

 

فما الذى يحدث؟ وهل نحن بصدد إعادة إنتاج النظام القديم بكل تفاصيله فيما يخص إدارة الملف الاجتماعى فى مصر..؟ أخشى أن تكون الإجابة بنعم لما نشهده من مظاهر عدة تعضد هذا الطرح..

 

فمنذ اللحظة الأولى لتولى المجلس العسكرى السلطة لم نلمس منه ولو لمرة واحدة أى رؤية واضحة فيما يتعلق بإدارة هذا الملف رغم خطورته. فمن المدهش أن تجتاح الإضرابات البلاد وتهددها بالشلل فلا نسمع سوى تهديدات بالإفلاس ونواح على سوء الأحوال الاقتصادية بالبلاد! ويصل الظلم مداه حينما تصدر قوانين كتجريم الإضراب وحين يتم وصم المطالبين بحقوقهم الشرعية بالانتهازيين أو بالمخربين. فهل يستقيم تجريم الحقوق بدلا من منحها؟ وهل من المنطقى إصدار مثل هذا القانون فى مواجهة قوى اجتماعية كانت الأشجع، فنزلت بالآلاف للاحتجاج فى مواجهة نظام أكثر قمعية من الحالى؟ فقد سمعنا من السلطة الحاكمة نفس الكلمات الباهتة التى لم يتردد النظام القديم فى استخدامها واصمًا هذه التحركات بـ«الفئوية» فى محاولة لنزع شرعيتها ظلمًا وبهتانًا. وهى رؤية قاصرة لأن القضية هى قضية ظلم اجتماعى فادح تفشى سابقا ولا يتم سوى تعزيزه حاليا، ولن تجدى معه القبضة الأمنية لأن الحل المنطقى الوحيد يكمن فى الإدارة العادلة.

 

 يمكن تفهم سوء الأوضاع الاقتصادية فى البلاد وأثرها على عدم قدرة الدولة على تلبية جميع المطالب الاجتماعية فى آن واحد، ولكن غير المفهوم هو عدم خروج أى من المسئولين لإعلام المواطنين حتى الآن عن هذه الظروف بأسلوب شفاف ومنهجى يحدد فيه ما لا يستطيع إنجازه وما يستطيعه بالفعل، موضحا الوقت والكيفية. فبدلا من أن يتناوب الوزراء السابقون للخروج علينا بحد أدنى للأجور يتم تأجيله لأكثر من 3 مرات، كان من الأجدر مصارحة الشعب بالحقيقة.

 

وبدلا من استخدام منهج النظام القديم القائم على «المسكنات»، كان من الأفيد وضع خطة علاج ولو طويلة المدى تعمل على إيجاد حلول هيكلية. بالقطع، لن ينتج عن ذلك سوى بناء جسور من الثقة تقينا شر إعادة إنتاج الخطاب القديم، الذى، بتنصله عن وعوده جعل من الاحتجاج الطريقة الوحيدة للتعبير عن مطالب المواطنين الملحة. وفى هذا الصدد، أؤكد لكم أن شعوب دول أوروبا الشرقية قد مرت فى غضون المرحلة الانتقالية بظروف اجتماعية ثقيلة جدا (خلفت فى بولندا مثلا مليون عاطل فى أقل من سنتين ما بين 1990 و1992)، ولكن تحمل مواطنيها هذا العبء المضنى فقط بسبب تبنى الإدارة السياسية للبلاد أسلوب حوار شفاف بنى جسر العبور الآمن إلى النظام الجديد مضمدا آلام الانتقال إليه.

 

وفى هذا الإطار، تزداد الأمور ضبابية بسبب عدم إقرار قانون الحريات النقابية فى الوقت الذى تزداد فيه النقابات المستقلة بسرعة البرق. فكيف يمكن التفاوض من أجل التوصل إلى حلول مرضية للمشكلات القطاعية من دون اعتماد المؤسسة التى تعبر عن هذا القطاع وتتولى عملية التفاوض بدلا منه؟ فالمؤسسات النقابية، بما لها من قدرات تمثيلية، تلعب دورا تاريخيا بل ومفصليا فى عمليات التحول الديمقراطى، لأنها تكون الوحيدة القادرة على صياغة حلول وسطية تدفع إلى حماية البلاد من خطر ثورة المطالب المتزايدة. وهنا أشير إلى تجربتين شهدتا ظروف مماثلة للواقع المصرى تعثرت الأولى فى حين نجحت الثانية... لماذا؟

 

يكمن السبب فى واقع الأمر وراء التعثر الذى شهدته المرحلة الانتقالية فى البرتغال أواخر السبعينيات مقابل سلاستها فى إسبانيا إلى إبرام مثل هذه الاتفاقات ذات المآرب الوسطية. ففى الوقت الذى غرقت فيه البرتغال فى سلسلة من الاحتجاجات العمالية هددت استقرار البلاد، نجحت مثلا «اتفاقيات منكلوا» فى إسبانيا فى صياغة عقد اجتماعى جديد وعدت فيه الدولة بتحقيق جزئى للمطالب الاجتماعية وقبلت فيه القوى العمالية الحلول الآنية المطروحة عليها، بحيث تم التوافق على توقف الاتحادات النقابية عن المطالبة برفع الأجور ــ والتى لن تزيد إلا وفقًا لارتفاع نسبة التضخم ــ وفى المقابل تقوم الدولة بفرض ضريبة تصاعدية على الدخل وتوفير إعانات بطالة للعاطلين عن العمل.

 

فأين نحن فى مصر من هذه الاتفاقات الفعالة؟ وأين قانوننا لتفعيل الحريات النقابية؟

 

***

لا يعنى عدم إصدار هذا القانون ومد الدورة النقابية للاتحاد النقابى الرسمى سوى أمر واحد: مازالت الرؤية الأمنية للقضايا العمالية هى المسيطرة على شاكلة النظام القديم. فبدلا من العمل على منح الحقوق الاجتماعية، يصدر قانون لتجريم المطالبة بها، وبدلا من العمل على تنظيم صفوف الحركة العمالية داخل نقابات مستقلة تعبر عنها وتمثلها، يتم نزع شرعية الممثلين الحقيقيين لها.

 

ولا يقف الأمر عند ذلك بل يتم مد إدارة اتحاد عمال مصر فى محاولة لسيطرة واهمة على حركة عمالية باتت نشيطة خارج إطار كيان لم يعد يمثلها. ولعلنا نتذكر هذا المشهد الغريب الذى كانت فيه قيادات الاتحاد الرسمى قبل الثورة تتفاوض مع المحتجين بدلا من الحكومة وكأنها قد نسيت أن وظيفتها هى تمثيل العمال وليس النظام.

 

أخيرًا، أخشى أن ألوح بحقيقة يعمل الكثيرون على تجاهلها عمدًا أو جهلًا ألا وهى أن استمرار التجاهل التام لمطالب العدالة الإجتماعية ــ أحد مطالب الثورة الأساسية ــ قد يعمل على إفراز الظروف الموضوعية لإنضاج ثورة ثانية تكون الحركات العمالية هى قاطرتها، فهل نفيق قبل فوات الآوان؟

نادين عبد الله باحثة سياسية في منتدي البدائل العربي للدراسات وباحثة دكتوراه في جامعة جرونوبل بفرنسا
التعليقات