شكل النظام السياسى فى الدستور المصرى الجديد: رؤية حول معايير الاختيار وضوابط التطبيق - نادين عبد الله - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 6:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شكل النظام السياسى فى الدستور المصرى الجديد: رؤية حول معايير الاختيار وضوابط التطبيق

نشر فى : الأحد 25 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 25 مارس 2012 - 8:00 ص

يعتبر اختيار النظام السياسى الأمثل لمصر من أهم القضايا الجدلية التى ستثار فى الدستور الجديد، إن لم تكن أهمها على الإطلاق فى ضوء حسم قضايا أخرى مجتمعيا. وفيما يذهب عدد من السياسيين بالدفع نحو تبنى النظام البرلمانى أو شبه البرلمانى بدعوى إنه الأقرب إلى روح الديمقراطية بتوازن سلطاتها، وقدرته على كسر الصلاحيات المطلقة للرئيس، وبالتالى الدفع لمناهضة الثقافة السلطوية الأبوية التى كانت سائدة من ذى قبل، نؤكد أن معطيات الواقع المصرى تفرض مراجعة مثل هذه الأطروحات.

 

لاننكر منطقية الحجج سابقة الذكر، لكننا نأخذ عليها عدم تفهمها للتحديات الراهنة والمتمثلة بالأساس فى انهيار مؤسسات الدولة من جهة، وانخفاض معدلات التنمية من جهة أخرى. ولذلك لابد أن يكون اختيارنا للنظام السياسى الأنسب قائم على فرضية مدى قدرته على تحقيق نقلة نوعية سياسية واجتماعية فى البلاد، بمعنى مقدرته على إجراء إصلاحات مؤسسية سريعة لكل أجهزة الدولة بداية من المؤسسات الأمنية والقضائية والإعلامية، وانتهاء بالمؤسسات الخدمية كالتعليم والصحة. ويضاف إلى ذلك مدى قدرته على تفعيل بناء تنموى متكامل يستطيع النهوض بالبلاد اقتصاديا وتحقيق العدالة الاجتماعية.

 

●●●

 

بديهيا، تتطلب مواجهة هذه التحديات وجود سلطة تنفيذية قوية ومستقرة لها من الصلاحيات الكافية ما يمكنها من إنجاز هذه المهام بسرعة وفاعلية فى آن واحد، وهو ما يوفره النظام الرئاسى أو شبه الرئاسى على أقل تقدير، وليس البرلمانى. ومن ثم، يحقق تبنى النظم ذات الطبيعة الرئاسية فى مصر ثلاث مميزات أساسية:

 

القدرة على صياغة برنامج واضح لإصلاح الوضع السياسى والإقتصادى وأختيار الأقدر على تنفيذه بناءا على معيار الكفاءة وليس المعيار الحزبى. فالنظام الرئاسى وحده هو الذى يعطى الرئيس باعتباره رأس السلطة التنفيذية حق اختيار «مساعدين» له أى مجلس وزراء أو حكومة، ينتقيهم بناء على كفاءاتهم التكنوقراطية وقدرتهم على تنفيذ برنامجه، وبغض النظر عن عن كونهم عضوا فى هذا الحزب أو ذاك.

 

تراث الممارسة السياسية فى مصر يستوجب بالضرورة أن ننزع فى الفترة القادمة إلى فصل السلطات، كما هو الحال فى النظام الرئاسى، لأن المشكلة الأساسية كانت كامنة فى تداخلها بشكل فج، وهو أمر لا يعالجه النظام البرلمانى حيث الاندماج النسبى للسلطة التنفيذية والتشريعية. وتزداد خطورة هذه الوضعية فى ظل ضعف التجربة الحزبية فى مصر وتشرذم الأحزاب. فالواقع المصرى يدفع على هذا النحو إلى احتمالية سيطرة السلطة التنفيذية على كل مقدرات الحكم نظرا لعدم قدرة الأحزاب المعارضة المتشرذمة وضعيفة التمثيل فى البرلمان على رقابة ومحاسبة السلطة التنفيذية ذات الأغلبية البرلمانية، وهو ما قد يدفع إلى إنتاج النظام القديم ولكن فى ثوب جديد.

 

التركيز على الإصلاحات المؤسسية الملحة من دون تعطيل المهام الإصلاحية لصاحب السلطة التنفيذية وتحريره من منطق الخوف من التصويت بسحب الثقة فى البرلمان، وهو أمر قد يهدد على المدى الطويل مشاريع السلطة التنفيذية السياسية والاقتصادية أمام حرصها على عدم إغضاب الكتلة البرلمانية لهذا الحزب أو ذاك. فنحن لا نملك فى هذه اللحظة الدقيقة من تاريخ مصر رفاهية أن يكون إصلاح مؤسسات الدولة رهنا لتوازنات القوى بين رئيس الحكومة والأحزاب الممثلة فى البرلمان كما هو الحال فى النظام البرلمانى.

 

وهذه المشكلة واجهتها دولة مثل اوكرانيا إثر «الثورة البرتقالية» فى 2004 حين أضعفت من سلطات الرئيس فى مواجهة البرلمان، الأمر الذى مثل تحديا كبيرا أمام قدرة السلطة التنفيذية على بدء واستكمال الإصلاحات الكبرى، فقد ترك كل إصلاح موضوعا للتفاوض مع ممثلى المجموعات البرلمانية، الأمر الذى حد من فاعلية الحكومة وجعلها ببساطة غير قادرة على استكمال مهامها الإصلاحية. وبالتالى، ظلت الأجهزة القضائية والشرطية تسير على طريقتها القديمة، ولم يتغير معدل الفساد من 2005 وحتى 2009. وقد دفعت مجمل هذه الأوضاع إلى ارتداد واضح لأوكرانيا نحو السلطوية. وتتشابه الحالة فى مصر مع الحالة الأوكرانية من حيث الحاجة الماسة إلى إجراء إصلاحات مؤسسية جذرية، وهو ما يختلف عن وضعية دول أوروبا الشرقية فى موجتها الأولى (بولندا، التشيك، المجر...) التى تبنت النظام البرلمانى. فقد نعمت هذه الأخيرة فى أغلب الأحيان بمؤسسات ذات بنية تحتية قوية بالمعنى المهنى، وكانت المشكلة هى فقط تحويلها عقيديا.

 

وفى هذا الإطار نؤكد أن التطبيق «الآمن» للنظام الرئاسى يعنى وضع ضوابط دستورية على صلاحيات الرئيس، بطريقة لا تجعلها مطلقة مثلما كان الحال فى دستور 71، ومحددة فقط بمدتين غير قابلتين للتمديد وإلا عدنا إلى العهود السلطوية القديمة، حيث سيطرة الجهات التنفيذية وتداخل السلطات.

 

●●●

 

وانطلاقا من فرضيتنا المتعلقة بأهمية تعزيز دورالسلطة التنفيذية فى الحالة المصرية، فإننا نرى أنه يتعين علينا فى حالة تبنى النظام شبه الرئاسى وضع الضوابط الآتية لضمان الفاعلية والاستقرار السياسى:

 

ضرورة وجود ضوابط محددة لحق البرلمان فى سحب الثقة من الحكومة، وذلك لضمان قدر من الاستقرار للحكومة القائمة يمكنها من تحقيق برنامجها ورؤيتها. وفى المقابل، يمكن تحديد صلاحية الرئيس أو السلطة التنفيذية فى حل البرلمان وفقا لضوابط واضحة.

 

وضع نصوص دستورية تحدد توصيفات وظيفية واضحة لسلطات كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ويفضل أن تكون سلطات رئيس الحكومة أقل من سلطات الرئيس، حتى لا يحدث أى تضارب بينهما يهدد صفو العملية السياسية والإصلاحية معا. فوجود رئيسيين ــ قد يتصارعوا فيما بينهما ــ هى وضعية غير مريحة لا نملك رفاهية تحمل تبعاته فى اللحظة الراهنة فى مصر.

 

وهو أمر قد عانت منه أوكرانيا أيضا، حين اقرت فى أعقاب الثورة البرتقالية تعديل دستورى تبنى نظام برلمانى ــ رئاسى، ولكنه دفع إلى التداخل بين سلطات كل من رئيس الدولة يوشانكو ورئيسة الوزراء تيمومتشنكو، الأمر الذى أفضى إلى مطاحنات داخلية أدت إلى حل البرلمان من قبل الرئيس مرتين، والتهديد بحله للمرة الثالثة فى ظل 4 سنوات، ناهيك عن تعطيل المهام الإصلاحية للسلطة التنفيذية التى فشلت فى إصلاح أى من مؤسسات الدولة، وعرقلة مهام السلطة التشريعية التى تعذرت فى إصدار القوانين الإصلاحية المنتظرة. وبالتالى لم يتحقق الهدف من التعديل الدستورى المتمثل فى ضمان مساءلة الرئيس وإعادة التوازن إلى دوره فى مقابل دور باقى مؤسسات الدولة، بل اختلت القواعد الطبيعية لصناعة نظام متوازن وحكومة ذات فاعلية وظيفية.

 

●●●

 

وأخيرا، نؤكد أنه لا يوجد نظام سياسى جيد بعينه وآخر سيئ، ولكن يتوقف الأمر على المعطيات الواقعية وتوازنات القوى التى من المفترض أن يعبر عنها هذا النظام أو يصحح منها. وبما أن التحدى الرئيسى لكل تجارب التحول الديمقراطى يتعلق بتحقيق المعادلة الصعبة والمتناقضة أحيانا، وهى المتمثلة فى ضرورة بناء الدولة وتقويتها فى الوقت الذى يتوجب فيه أيضا إضعافها من زاوية تفكيك أدواتها السلطوية والقمعية، فلا بد أن يكون نظامنا السياسى القادم قادرا على تفهم هذه المعادلة ومعالجتها.

 

نادين عبد الله باحثة سياسية في منتدي البدائل العربي للدراسات وباحثة دكتوراه في جامعة جرونوبل بفرنسا
التعليقات